تانيا قسيس لـ«الشرق الأوسط» : أختبئ خلف الأغنيات لأقول ما أريد

أسعدها تفاعل المصريين مع حفلها في «قلعة صلاح الدين»

تانيا قسيس دمجت خلفيتها الأوبرالية بالغناء الشعبي
تانيا قسيس دمجت خلفيتها الأوبرالية بالغناء الشعبي
TT

تانيا قسيس لـ«الشرق الأوسط» : أختبئ خلف الأغنيات لأقول ما أريد

تانيا قسيس دمجت خلفيتها الأوبرالية بالغناء الشعبي
تانيا قسيس دمجت خلفيتها الأوبرالية بالغناء الشعبي

تلمح السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس ظل الصدفة وهي تخطّ طريقها. كانت في الخامسة عشرة حين تلقتها شِباك الفن. نادته للمرة الأولى من وراء باب غرفتها يوم بدأت تدندن من دون صوت أغنيات على مسرح متخَّيل في رأسها. آنذاك؛ راحت المراهقة العاشقة تجترح مخرجاً للفت نظر شاب لم يأبه لخفقانها. خجلها المسيطر فرض إجراءات استثنائية؛ كأن تتصرف كنجمة أمام المرآة وهو يتراءى لها بين الجمهور يطلق علامات الإعجاب واللهفة. تخبر «الشرق الأوسط» حكاية بداياتها مبتسمة للمغامرة التي أشعلت الموهبة.
من دروس البيانو في تلك السن، ولد اكتشاف اسمه تانيا قسيس صاحبة الحنجرة الأوبرالية. تنبهت معلمتها إلى امتلاكها صوتاً يمكن بصقله كسب التألق. أسرت لها حينها برغبتها في الالتحاق بتلامذة يتلقون صفوف الأوبرا الكلاسيكية بعدما جذبتها أصواتهم الصادحة في المكان. لاحقاً، أخبرت المعلمة الأهل عن موهبة الابنة، فأصيبوا بدهشة: «كيف ومتى حصل ذلك؟»؛ إذ إنها في المنزل لم تصدح يوماً بأغنية خارج الهمسات غير المسموعة للحبيب القاسي. حفلها الأول في سن السادسة عشرة داخل كنيسة مجاورة شكل شرارة الانطلاق الجدي. هناك؛ استفزتها أصداء الحاضرين: «رائعة؛ لكن عليك العمل على صوتك». قررت الاجتهاد لئلا تسمع مجدداً ملاحظة تسببت لها بأزمة يومها.
أمام المصريين، غنت للمرة الثانية. تذكر في عام 2019 حين غنت بحضور رئيس البلاد لافتتاح المسجد والكنيسة في العاصمة الإدارية. طعم المرة الثانية، قبل أيام، كان مختلفاً، فتقول: «أسعدني ترك بصمة في مصر، أنا التي أراني جديدة على الأرض وناسها. التأثر يولده الجمهور وحجم المسارح. إلى العدد المكتمل؛ فوجئت بالمصريين يحفظون أغنياتي ويرددونها بفرح. هذا حفلي الجماهيري الأول بعد 3 سنوات توقفت فيها تقريباً عن إحياء الحفلات بأمر من (كوفيد). حفل (مهرجان القلعة للموسيقى والغناء في القاهرة) حفر داخلي الكثير، وأكد لي تقدير الآخرين فني».
في رأيها؛ «يختلف الشعور تجاه الحفلات باختلاف الأماكن والحضور. فالفنان في حفل جماهيري ضخم غيره في حفل خاص محصور العدد». حين بدأت دراسة الموسيقى، دفعها امتلاكها القدرة على الغناء بطبقة الصوت الأعلى عند النساء إلى التخصص في الدروس الأوبرالية أساساً يمكن البناء عليه. «أعطتني الأوبرا مجالاً لأطلق صوتي. جعلتني أشعر بالأفق الأوسع».
ثم أدركت أن حد النفس بالأوبرا سيزج بها في نمط الغناء الكلاسيكي وحده دون سائر الأنماط، «وهذا ما لم أرده». تكمل أنها اجتهدت لدمج الخلفية الأوبرالية بالفن الغنائي الشعبي: «عملت بكثافة على صقل صوتي، فأنقله من جو الكلاسيك إلى المزاج الشعبي بما يبقي على هويتي الفنية. لم يكن سهلاً الدمج بين تقنيات صوتية أوبرالية وما صممت على تقديمه. أغني بلمسة اكتسبتها من الأوبرا؛ وهذه خلطتي».
في حفلة الكونسرفتوار التي شاركت في تقديمها مع بدايات تبلور الموهبة، احتار أبوها من أي زاوية يلتقط لها الصور فيما أمها غارقة في دموعها. التمست من أب يشكل إلهامها الأكبر عشقه للموسيقى الكلاسيكية ونشأت على حلم التشبه ببطلات أفلام يرتدين فساتين ضخمة للغناء الأوبرالي أمام الجمهور. منذ الصغر، وتانيا قسيس تتكئ على المخيلة: «من غرفتي المغلقة على الخارج، سبحت بعيداً في خيالاتي. رأيتني نجمة فيما صوتي لا يخترق الجدران الأربعة. أختبئ وراء الأغنيات لأقول ما أود قوله».
هل على الفن أن يكون رسالة؟ نسأل من اشتهرت بالغناء للسلام والعيش المشترك. تحيده عما يمكن اعتباره «لازماً» أو «ضرورة»، فهو في نظرها محاكاة للمشاعر: «إن لمسني موضوع، أغنه. ليس بدافع نشر الرسائل، بل لرغبتي في ذلك. على الفنان ترك بصمة والتحرك في هذا الاتجاه. أينما أشعر بصناعة الفارق، أقدم نفسي في الفن. الإحساس والبصمة هما ما ينطوي عليهما مفهومي للرسالة».
تانيا قسيس كثيرة الأسفار، تهيم في اللغات والتعرف إلى الثقافات. تخبرنا أنها حين تسافر، تفضل مشاهدة حفل موسيقي بدل الاكتشافات السياحية، «بذلك أمسك روح البلد وأغذي روحي». يعلمها السفر فهم ذهنية الآخرين واختيار نوع الموسيقى الأفضل للتعبير عن ثقافتهم. نوعها مستمع، تنهل من حضارات الآخرين بجوع لا يبلغ الشبع. «ثم أتشرب كل ما أنهله وأخزنه في داخلي. في لحظة لا واعية، يصبح جزءاً من فني».
أبكتها بيروت في القاهرة، وأمام الحضور انهمرت دمعة. أداؤها أغنية «وطني الحبيب» أيقظت المواجع. تغرف كلمات من الحب، فتقول: «أشعر بغصة كلما أتى ذكر بيروت أمامي. هي طفولتي وذكرياتي والشوق كلما سافرت وعدت متلهفة لرؤية من أحب. لا أستطيع ألا أغنيها في حفلاتي».
يطول حديث الأوطان الموجوعة، لكن الاختصار يضع حداً وهمياً للحزن. بعد انفجار أغسطس (آب) الرهيب، فتحت قسيس أبواب جمعيتها «One Lebanon» لعلاج الأرواح الناجية بالموسيقى... «أؤمن بإخراج ما في الداخل بفعل النغمات وقوتها، فيشفى بعضنا». ترفض التنازل عن الأمل، وكأبيها تتمسك به: «لكنه (الأب) في الآونة الأخيرة بدأ يقلق رغم إيجابيته. بعزيمتي أدفعه إلى عدم اليأس، وبإيماني أنجو».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)

غيّرت التحركات العسكرية حول حلب لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات خرائط السيطرة ومناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، وحرّكت حدود التماس بين جهات سورية محلية متصارعة، وقوات إقليمية ودولية منتشرة في تلك البقعة الجغرافية.

وتشي سخونة العمليات العسكرية بأن الهجوم قد يتمدد إلى كامل الشمال السوري، وينذر بإشعال جبهة شمال شرقي البلاد الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت روسيا وتركيا، اتفقتا في مارس (آذار) 2020 على تفاهمات تكرّس خفض التصعيد ووقف إطلاق النار شمال غربي سوريا، بعد سنوات من دعم موسكو للقوات الحكومية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، ومساندة أنقرة لفصائل مسلحة معارضة.

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب 29 نوفمبر (أ.ب)

الخبير العسكري والمحلّل السياسي عبد الناصر العايد قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة حلب وحدودها الإدارية خارج دائرة الهجوم، حتى الآن، سيما مركز المدينة نظراً لتشابك وتعقد الحسابات الدولية وخضوعها لتفاهمات روسية - تركية أعقبت الاتفاقية الموقّعة عام 2020.

وتوقع العايد أن يصبح «التركيز بالدرجة الأولى على إخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وأن تستمر المعارك بشكل أعنف في قادم الأيام لتشتعل مناطق جغرافية تمتد بين ريف إدلب الشرقي والجنوبي، إلى جانب ريف حلب الغربي والشمالي».

حسابات إقليمية

وتخضع مدينة إدلب ومحيطها ومناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة لـ«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة معارضة أقل نفوذاً، ويسري منذ 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته روسيا الداعمة لدمشق؛ وتركيا التي تدعم الفصائل المسلحة المعارضة بعد هجوم واسع شنّته القوات النظامية بدعم روسي واستعادت آنذاك مناطق شاسعة من قبضة تلك الفصائل.

ويرجع الخبير العسكري عبد الناصر العايد، وهو ضابط سوري سابق منشق يقيم في فرنسا، تقدم الفصائل المسلحة ووصولهم نحو مدخل حلب الغربي، إلى: «شدة الهجوم وزخم التحشيد الذي أُعد له منذ أشهر»، مشيراً إلى أن «المعارك ستتركز في تخوم حلب الغربية والجنوبية، ومناطق شرق إدلب وصولاً إلى معرة النعمان».

وباتت الطريق الدولية السريعة (إم 5) التي تربط مدينتي حلب شمالاً بالعاصمة دمشق خارجة عن الخدمة؛ معيدة للأذهان مشهد توقفها كلياً لسنوات بعد اندلاع الحرب السورية لتجدد العمليات العسكرية خلال الأيام الماضية على طرفي الطريق.

وما يزيد من ضبابية معارك الشمال السوري غياب الدعم الروسي للقوات النظامية وإحجامها عن الهجمات الجوية، كسابق تدخلاتها لصالح الحكومة السورية، ويعزو العايد موقف موسكو إلى عدم رغبتها في دعم الميليشيات الإيرانية المقاتلة هناك، ليقول: «لأن حلب بالكامل خرجت عن السيطرة الروسية ولم يبقَ لها أي تأثير فعلي، علماً أن الروس شاركوا بقوة برياً وجوياً لاستعادة شطر حلب الشرقية من قبضة الفصائل المعارضة منتصف 2016»، ويعتقد أن «عدم مشاركة روسيا، حتى الآن، بمعركة حلب مردّه: (بمثابة عقوبة مضاعفة للميليشيات الإيرانية، ويبدو هنالك أبعاد متعلقة بملفات استراتيجية خارج سوريا)»، على حد تعبير المحلل العسكري العايد.

تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)

مقايضة تركية - روسية

وبحسب مقاطع فيديو وصور نشرها نشطاء محليون على منصات التواصل الاجتماعي، وصلت الهجمات لمدخل مدينة حلب الغربي بالقرب من حي الحمدانية العريق، كما أصبحوا على بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء وهما بلدتان شيعيتان تتمتع جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران بحضور عسكري وأمني قوي هناك، إلى جانب قربهما من بلدة تل رفعت الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً؛ ما ينذر بتوسع وتمدّد المعارك القتالية نحو كامل الريف الشمالي لمحافظة حلب ثاني أكبر المدن السورية.

بدوره؛ يرى براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قوات «قسد»، شريكة واشنطن في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، تخشى من حصول تركيا على مقايضة عسكرية من روسيا على الأرض «تشمل بلدة تل رفعت مقابل الضغط على (هيئة تحرير الشام) وفصائل (رد العدوان) للتوقف وضبط إيقاع الهجوم».

وتابع صبري حديثه قائلاً: «على الرغم من أن الهجوم السريع على قوات دمشق (القوات الحكومية) والخسائر الكبيرة هناك توحي بتسجيل نصر لصالح المعارضة و(هيئة تحرير الشام)، لكن من غير المتوقع تغطية مدينة حلب ولن يُسمح بسقوطها، لا من قِبل الروس أولاً، ولا من قِبل الإيرانيين و(حزب الله) المنهكين في صراعهما مع إسرائيل ثانياً».

وتشير المعطيات الميدانية لمعركة حلب إلى أن الحدود التي ستشعلها المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، بعد اتفاق سوتشي 2020، بين الرئيس التركي إردوغان والروسي بوتين، ومنذ 4 سنوات لم تتغير حدود السيطرة بين الجهات السورية المتحاربة والجهات الدولية الفاعلة، بما فيها فصائل المعارضة في شمال سوريا التي تدعمها تركيا، وقوات «قسد» التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي من البلاد.

مسلحون يستولون يوم 29 نوفمبر على دبابة للجيش السوري بالقرب من الطريق الدولية M5 (أ.ف.ب)

الإيرانيون لا يملكون الكثير

وعن الموقف الإيراني ودور جماعة «حزب الله» اللبنانية في حين وصلت العمليات العسكرية إلى بلدتي النبل والزهراء، أوضح صبري أن الإيرانيين: «لا يملكون الكثير ليقوموا به للدفاع عن المنطقة لأن الطيران الإسرائيلي يترصدهم، لكن المتوقع أن يتحول (حزب الله) مجموعة مستميتة عندما يصل الخطر إلى نبل والزهراء وهما معقل الشيعة السوريين هناك».

وحذَّر هذا الباحث من انزلاق المعركة إلى طابع مذهبي، منوهاً بأن الهدنة في لبنان التي دخلت حيز التنفيذ: «ستمكن (حزب الله) من لملمة صفوفه والتحرك أكثر بدعم إيراني، وسيحول الحزب ما يسميه انتصاراً في لبنان إلى حافز لإظهار وجوده من جديد في سوريا».

وقد تكون الهجمات العسكرية لـ«تحرير الشام» محاولةً لإعادة تموضع جغرافي في مساحة واسعة في أرياف حلب وحماة وإدلب غربي سوريا، غير أن الباحث براء صبري شدد بأن الروس ستكون لهم الكلمة الفصل، وقال: «بالنسبة للروس سقوط حلب بمثابة النكبة لانتصاراتهم المدوية التي حققوها خلال الأسبوعين الماضيين في خط الدونباس بأوكرانيا، وداخل روسيا نفسها في منطقة كورسك».

وذكر صبري في ختام حديثه بأن حلب أكبر من قدرات المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام»، «وأكبر من استطاعة تركيا نفسها، وإذا أخذنا بأن الهجوم خرج عن تخطيطها أو سُمح له بالمرور دون اعتراض؛ فسيقابله تشدد تركي إذا تسبب بسقوط حلب التي ستُغضّب الروس كثيراً».