مجسمات تؤرخ للعمارة الشعبية المصرية في متحف أكاديمية الفنون

تضم بيوتاً ومصاطب وأسواقاً وأبراج حمام

صفي الدين ينفذ المجسمات واللوحات في مكتبه
صفي الدين ينفذ المجسمات واللوحات في مكتبه
TT

مجسمات تؤرخ للعمارة الشعبية المصرية في متحف أكاديمية الفنون

صفي الدين ينفذ المجسمات واللوحات في مكتبه
صفي الدين ينفذ المجسمات واللوحات في مكتبه

ترمز العمارة الشعبية إلى وحدة المزاجية الإنسانية وسلوكها الفطري تجاه الإنشاء، فيما يمثل إبداعاً فنياً وتشكيلياً تلقائياً بسيطاً وثيق الارتباط بالبيئة المحلية وثقافة ناسها، انطلاقاً من هذا المفهوم سعى المعماري المصري الدكتور عصام صفي الدين، خلال مشواره العلمي للحفاظ عليها والتوثيق لها، ومن أحدث هذه الأعمال تنفيذ نحو 40 نموذجاً مجسماً ولوحة تشرح عمارة مصر الشعبية، هي خلاصة موجزة لتجواله ورصده للبيوت والمباني في أقاليم الوطن على مدار أكثر من ستين عاماً، وذلك لتأخذ مواضعها بالعرض بمتحف الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون.
بدأ صفي الدين بالتجوال والمعايشة الحية لجوف مصر المعماري الشعبي قبيل نهاية حقبة الخمسينات من القرن الماضي، فكان يسافر إليها ويلحظ ويرصد ويصور ويرسم، لذلك يعرف بأنه «مؤسس علم العمارة الشعبية بمصر» وفق كثير من الأكاديميين والمعماريين، ومن هنا قرر في إطار مشروعه لتوثيقها تنفيذ مجموعة من النماذج واللوحات التي تجسد طرزها وسماتها وتفاصيلها لإهدائها إلى متحف الفنون الشعبية الذي أسس فكرته ووضع التصميم المعماري له عام 1990 بتكليف من د. فوزي فهمي الرئيس الأسبق لأكاديمية الفنون (حيث يقع المتحف)، والذي اقترح عليه في ذلك الوقت إما تأسيس مركز للدراسات أو متحف متخصص.
يقول عصام صفي الدين لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت إنشاء متحف لأنه سيكون الأقرب للناس، ولتحقيق ذلك سافرت إلى بريطانيا وهولندا وفرنسا في أغسطس (آب) سنة 1990 حتى أطلع على تجارب المتاحف المهتمة بالفنون الشعبية، وعدت إلى القاهرة وقمت بوضع تصميم له وتم تشييد جانب منه والاستقرار على المقتنيات، لكنه لم ير النور إلى أن جاء د. مصطفى جاد مدير معهد الفنون الشعبية الحالي وقرر إعادة إحيائه».
وجاء الاهتمام بالعمارة الشعبية انطلاقاً من أنها الركيزة الأولى لكل العمارة، وهي عمارة البسطاء التي أقاموها بأيديهم من خلال المواد المحلية المتاحة وحسب الاحتياجات الإنسانية للمعيشة ولممارسة الحياة، وأهم ما يميزها في مصر أنها تعبر عن ثقافة المكان بمحليته وخواصه المناخية والطبيعية وتضاريسه والعلاقات الاجتماعية السائدة به، وغير ذلك مما يحيط به، وفق صفي الدين.

ويؤكد أنها «بدأت تتدهور حتى قاربت على الاندثار بداية من السبعينات من القرن الماضي، فأغلب ما رصدته منذ سنة 1959 حتى 1985 قد اقترب من الاختفاء، إلى حد أن هناك مباني عند إعادة زيارتها لم أجدها، ووجدت بدلاً منها مباني بالطوب الأحمر والخرسانة نتيجة التغيرات المجتمعية».
وتنبع أهمية توثيق هذا النوع من العمارة في أنها تعد «محاولة لإيقاظ الشعور بالانتماء الوطني واستعادة الذات المصرية المعمارية المتوافقة مع المناخ الطبيعي والاقتصاد المحلي وطبيعة الحياة اليومية بالمكان، وهو ما يختلف عما نراه الآن من تعليم الأجيال الجديدة من دارسي العمارة قواعد وأسساً هندسية بحتة قادمة من الثقافات والكتب الأجنبية»، بحسب المعماري المصري الذي يلفت: «نحاول التنبيه إلى أن مصر كانت تتميز بهذا النوع المتفرد من العمارة بمحليتها وتوافقها مع الإطار الطبيعي لها».
تتضمن النماذج التي نفذها الأستاذ المحاضر بالعديد من كليات العمارة والفنون الجميلة والآثار ومعهد السينما كتابات ورسومات وتوضيحات تشرح أنماط العمارة الشعبية المصرية ومنها العمارة الريفية في الدلتا والصعيد إضافة إلى النمط الصحراوي والساحلي والنوبي والسيوي.
وعبر أعمال صفي الدين، نتعرف على العديد من المباني التي اشتهرت بها العمارة المصرية مثل البيوت والمساجد والأديرة والمقابر والأسواق وأبراج الحمام والمضايف إلى جانب بعض العناصر الصغيرة المرتبطة بها مثل الأفران والمصاطب والبوابات وأماكن تربية الطيور والحيوانات، وغير ذلك، ونرصد كيف أن كلاً منها يأخذ صياغته باختلاف المكان، من موقع ريفي أو صحراوي أو جبلي أو ساحلي بحري أو نهري، كما نزور المدن القديمة ذات التسلسل التاريخي العتيق، كما نلمس عبر النماذج التأثير المناخي والطبيعي: «ترتبط هذه العمارة بسلوك أبناء المكان، من حيث تواصلها وحضورها القوي في ضمير الجماعة، ويتعاون لإنجازها الأهل والجيران بالاشتراك مع مالكها الأصلي، لذلك هي تحمل روح ناسها ونبض حياتهم ودفء مشاعرهم».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.