قراءة أولى في محصلة زيارة ماكرون للجزائر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ضيافة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ضيافة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر (أ.ف.ب)
TT

قراءة أولى في محصلة زيارة ماكرون للجزائر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ضيافة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ضيافة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر (أ.ف.ب)

بانتظار أن تنتهي «زيارة العمل والصداقة» التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، التي يفترض أن يصدر عنها بيان مشترك، ثمة فرصة لرصد أولي لمحصلة الزيارة بناء على ما ورد، مساء أمس، في كلمتي الرئيس عبد المجيد تبون وضيفه الفرنسي. وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند أربعة مفاصل رئيسية تعكس، إلى حد كبير، مشاغل واهتمامات الطرفين.
يتمثل المفصل الأول في رغبة الطرفين في قلب صفحة التباعد بين العاصمتين في وجهيها القريب والبعيد. الأول يأتي عن تصريحات ماكرون الخريف الماضي حول «النظام السياسي ــ العسكري» الذي يستمد شرعيته من «ريع ذاكرة» الاستعمار وحرب التحرير التي سعت باريس للتخفيف من وقعها بمختلف الوسائل بما فيها اعتذار ماكرون شخصياً. وواضح اليوم أن الطرفين يصران على النظر إلى المستقبل بدل أن يكونا أسرى الماضي الذي يرغبان في تنقيته من خلال إطلاق لجنة مشتركة من المؤرخين مهمتها جلاء «الحقيقة التاريخية» منذ بدء الحقبة الاستعمارية وحتى نهاية حرب الاستقلال. وتعد هذه البادرة استكمالاً لما قامت به فرنسا من جانبها من خلال لجنة المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا التي قدمت تقريرها و21 مقترحاً بداية العام الماضي ونفذ منه العديد من الخطوات. بيد أنها لم ترضِ الجزائر لأنها لم تأتِ على طلب الاعتذار عما قامت به فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية.
ولأن الطرفين عهدا بإرث الماضي إلى اللجنة المشتركة، فإن اهتمامهما انصب بعدها على الحاضر والمستقبل. وفي هذا الإطار يأتي المفصل الثاني وهو عنوانه الإعلان عن تشكيل مجموعة من اللجان الحكومية المشتركة في القطاعات الاستراتيجية والاقتصادية. بالطبع، لم تكشف تفاصيل القطاعات المذكورة والمراد منها خصوصاً الاستراتيجية. ولكن يمكن التكهن بأنها ستشمل إقامة الشراكات والاستثمارات المتبادلة والمشتركة وتعزيز التبادل بين الطرفين. ويريد الطرفان الالتفات بشكل خاص إلى إطلاق الشراكات المتجددة والمبدعة وعدم الاكتفاء بما درج عليه الطرفان من التعاون «الفوقي». من هنا الأهمية التي أولاها ماكرون للقاء رجال الأعمال من الشباب ومن الرياضيين والمثقفين والفنانين بحيث يكون التلاقح متنوعاً وشاملاً. ومشكلة باريس أنها تشهد تراجعاً مقلقاً لحضورها في الاقتصاد الجزائري لصالح منافسين من الصين وتركيا وإيطاليا وغيرها. ويعي الطرف الفرنسي أن الجزائر تنظر إلى الاقتصاد بمنظار السياسة وبالتالي لا يمكن الفصل بين القطاعين المترابطين ما يتطلب من فرنسا أن تأخذ بعين الاعتبار المشاغل الجزائرية.

يعي الجانب الفرنسي أنه بحاجة للجزائر في منطقة «الساحل» التي تشكو من النزاعات والإرهاب. ويشكل خروج قوة «برخان» الفرنسية من مالي فشلاً بيّناً لباريس بعد وجود عسكري تواصل لمدة تسع سنوات. يضاف إلى ذلك أن فرنسا تعاني من المنافسة في بلدان كانت ضمن دائرة نفوذها التقليدي. من هنا، فإن توافق الطرفين على «العمل المشترك» من أجل الاستقرار في مالي ومنطقة الساحل وليبيا والصحراء الغربية يبدو بالغ الأهمية. وواضح أن باريس تعوّل على الجزائر التي أبقت على خطوط التواصل مع المجلس العسكري في مالي، خصم فرنسا، وهي مهتمة بالوضع الليبي وتتمتع بعلاقات جيدة مع سلطات النيجر وبنسيج من العلاقات مع العديد من العواصم الأفريقية. ولا شيء يمنع أن يتعاون الطرفان سياسياً وأمنياً ولكن أيضاً اقتصادياً والاستثمار معاً في العديد من البلدان الأفريقية.
في الكلمة التي ألقاها ماكرون، وردت إشارة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا. وحث الرئيس الفرنسي الجزائر على «العمل معاً» من أجل وضع حد لها. لكن أهم ما ورد فيها دعوته «للتصدي معاً» لتبعاتها إنسانياً وغذائياً ولكن أيضاً على صعيد الطاقة ما يعني مباشرة ملف الغاز ورغبة أوروبا، ومنها فرنسا، لإيجاد بديل للغاز الروسي. وهذا الواقع يوفر للجزائر موقعاً مهماً ويجعلها «حاجة أوروبية» يتنافس قادتها للتقرب منها. وحرصت المصادر الفرنسية، قبل الزيارة، على القول إن الغرض منها ليس موضوع الغاز. لكن كلمة ماكرون تبين أن الملف قد بحث وقد تأتي في البيان المشترك تفاصيل حول هذه المسألة.
تبقى مسألة أخيرة تهم «المواطن» الجزائري وتتناول تأشيرات السفر إلى فرنسا التي خفضها ماكرون بنسبة النصف العام الماضي، احتجاجاً على تمنع السلطات الجزائرية في قبول استرداد مواطنيها الذين لا يحق لهم البقاء على الأراضي الفرنسية. وفي هذا السياق، لم يعلن ماكرون عن تحول ما أو عن تراجع. وجل ما أكده أن باريس ستسهل سفر الجامعيين والرياضيين ورجال الأعمال والسياسيين... إلا أنها ستأخذ بعين الاعتبار «الجانب الأمني»، ما يعني أن لا تغييرات جذرية ستطرأ على هذا الملف أقله في المستقبل القريب.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 
TT

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 

زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر 

ضرب زلزال بلغت قوته 4.9 درجة على مقياس ريختر ولاية الشلف غرب العاصمة الجزائرية في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الاثنين)، بحسب ما أعلنه مركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والفيزياء الأرضية بالجزائر.

وأوضح المركز أن الزلزال «وقع اليوم الاثنين الساعة 09:01 بالتوقيت المحلي (0090 بتوقيت غرينتش) »، مشيراً إلى أن مركز الزلزال كان على بعد ثلاثة كيلومترات شمال الزبوجة بولاية الشلف غرب العاصمة الجزائرية على ساحل البحر المتوسط.

وأعلنت هيئة الدفاع المدني الجزائرية أنه لم ترد على الفور أي تقارير بشأن حدوث أي خسائر مادية أو بشرية في مختلف بلديات الولاية.