توسع الحوثيين في «تسليع التعليم» يحرم اليمنيين من الجامعات

الميليشيات فرضت رسوماً باهظة وأغلقت عشرات الأقسام الدراسية

جانب من مبنى كلية الآداب في جامعة ذمار اليمنية بعد انهياره قبل أشهر بسبب إهمال الحوثيين (تويتر)
جانب من مبنى كلية الآداب في جامعة ذمار اليمنية بعد انهياره قبل أشهر بسبب إهمال الحوثيين (تويتر)
TT

توسع الحوثيين في «تسليع التعليم» يحرم اليمنيين من الجامعات

جانب من مبنى كلية الآداب في جامعة ذمار اليمنية بعد انهياره قبل أشهر بسبب إهمال الحوثيين (تويتر)
جانب من مبنى كلية الآداب في جامعة ذمار اليمنية بعد انهياره قبل أشهر بسبب إهمال الحوثيين (تويتر)

وسعت الميليشيات الحوثية في اليمن أخيرا من إجراءاتها لتحويل التعليم إلى سلعة في سياق السعي لجباية المزيد من الأموال، وهو الأمر الذي حرم آلاف الشبان اليمنيين من الالتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية في ظل إغلاق عشرات الأقسام وفرض رسوم باهظة في الكليات والأقسام التطبيقية. في هذا السياق أقدمت الميليشيات الحوثية عبر القيادات الموالية لها في محافظة ذمار (100 كلم جنوب صنعاء) على رفع رسوم الدراسة بكلية الطب البشري في جامعة المحافظة إلى 27 ألف دولار أميركي، عن سنوات الدراسة الست، شريطة أن يدفع الطالب الرسوم دفعة واحدة (الدولار يساوي 600 ريال يمني).
وبحسب مصادر مطلعة فإن هذا الإجراء كان قد سبقه بأيام قيام القيادي الحوثي المدعو محمد البخيتي المعين من قبل الميليشيات محافظاً باقتحام مباني كليتي التربية والآداب في جامعة ذمار وإغلاقهما واعتقال أفراد حراستها، بحجة أنها تابعة لوزارة التربية وليس للجامعة.
وأكد مصدر أكاديمي في الجامعة أن عملية الدهم والإغلاق جاءت على خلفية سعي المحافظ الحوثي منذ مدة إلى تغيير رئيس الجامعة المنتمي لجناح آخر في الميليشيات.
ونظرا لعجز المحافظ الحوثي عن تغيير رئيس الجامعة كونه ليس من صلاحياته فقد عمد إلى اقتحام مباني الكليتين وإغلاقهما، بزعم أن المباني تتبع وزارة التربية الخاضعة. وفق ما أفاد به المصدر لـ«الشرق الأوسط».
وبالعودة إلى رفع الانقلابيين رسوم دراسة الطب في الجامعة، اتهمت المصادر الجماعة بمواصلة تضييقها الخناق على الشبان اليمنيين وعدم تمكينهم من حق التعليم الجامعي.
وشكا أكاديميون وموظفون وطلاب في جامعة ذمار لـ«الشرق الأوسط» بأن جامعتهم الخاضعة للانقلاب لا تزال حتى اللحظة تعاني من ابتزاز وفساد ونهب منظم جراء استمرار صراع أجنحة الميليشيات في المحافظة وتحكم بعض القيادات البارزة في عملية التسجيل وإقرار المناهج الدراسية والإشراف المباشر على كافة الأنشطة والفعاليات التي تقيمها الجامعة.
وبما أن رسوم التعليم في الجامعات والمعاهد الحكومية شبه مجانية وفقا للقوانين اليمنية، فقد أعلن شبان كانوا يريدون هذا العام التسجيل في جامعة ذمار لدراسة الطب عن اعتزامهم رفع دعاوى قضائية ضد قيادة الجامعة المعينة من قبل سلطات الميليشيات.
وكانت كلية الطب في جامعة ذمار نشرت مؤخرا عبر حسابها في «فيسبوك»، وثيقة تضمنت الشروط والأحكام التي يطالب بها المتقدمون للدراسة في كلية الطب بنظام النفقة الخاصة.
وحددت إدارة الجامعة النسبة المطلوبة لالتحاق الطلبة بنظام «النفقة الخاصة» بـ80 في المائة (ما يعني أن النظامين الموازي والعام أعلى من تلك النسبة)، شريطة أن يجتازوا امتحان المفاضلة.
وبحسب الوثيقة، فإن المبلغ المطلوب للمقعد الواحد، 4500 دولار أميركي سنويا، شريطة أن يدفع الطالب كامل المبلغ عن سنوات الدراسة الست، بالريال اليمني وبسعر صرف الدولار وهو نفس سعر الصرف بالبنك المركزي اليمني، أي ما يقارب أكثر من 16 مليون ريال يمني.
واشترطت الميليشيات أن يدفع الطالب كامل المبلغ عند التسجيل ولا تعاد الرسوم مطلقا عند الانسحاب أو الرسوب أو التعثر أو الفصل أو النقل من الكلية أو الوفاة، أو لأي سبب كان حتى وإن تم قبول الطالب في نفس الكلية بأي نظام دراسي آخر.
وبينما أثار ذلك التوجه موجة استنكار وسخرية في أوساط الطلبة والأكاديميين ومعهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ذكر طلاب وأكاديميون لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك الإجراءات تضاف إلى سجل الميليشيات الحافل بممارسات الفساد والابتزاز والقمع والانتهاك بحقهم وجامعتهم.
وأفادوا بأن ذلك يعد وسيلة جديدة هدفها احتكار الجماعة لمقاعد الدراسة في كلية الطب لصالح أبناء قادتها والمنتمين إلى السلالة الحوثية، وزيادة حجم الإيرادات المالية التي تسخرها لصالح مجهودها الحربي من جهة أخرى.
في سياق ذلك، قدم ناشطون محليون على مواقع التواصل مقارنات بسيطة بين رسوم دراسة الطب في بعض الجامعات الأوروبية وبين الرسوم المفروضة حاليا على الطلبة في جامعة ذمار الحوثية.
وأوضحوا «أنه في وقت تطلب فيه الجماعة من الطلبة دفع 27 ألف دولار كرسوم دراسة الطب في جامعة ذمار دفعة واحدة وليس على أقساط، تقدر رسوم دراسة الطب حاليا في ألمانيا للسنة الواحدة بـ500 يورو، أي 3500 يورو لكل السنوات، ودراسة الطب في الجامعات التركية باللغة الإنجليزية بـ50 ألف ليرة تركية، ما يعني أن تكاليف إجمالي كل السنوات 11 ألف دولار، أي أن دراسة الطب بجامعة ذمار ستكون الأغلى من كل جامعات أوروبا» وفق قولهم.
وسبق أن فرضت الجماعة الحوثية طيلة الفترات الماضية المزيد من الإجراءات والقيود المشددة بحق طلبة الجامعات اليمنية الأهلية والحكومية في عموم مناطق سيطرتها.
وعلى مدى السنوات الماضية من عمر الانقلاب، واجهت العملية التعليمية صعوبات واختلالات وعانت في ذات الوقت من تدهور كبير جراء مواصلة وجرائم وتعسفات وانتهاكات الميليشيات بحق هذا القطاع ومنتسبيه.
ومنذ اجتياح الجماعة صنعاء ومدناً يمنية أخرى، سعت بكل طاقتها لارتكاب أبشع الجرائم والممارسات بحق المؤسسات التعليمية العليا بمناطق سيطرتها، وعملت أكثر من مرة على انتهاك حرم جامعة صنعاء وجامعات خاصة وحكومية أخرى؛ بغية حرفها عن مسارها الأكاديمي، وتحويلها إلى ثكنات لمسلحيها من جهة، وكي تكون مسرحاً مفتوحاً لممارسة الطائفية والعبث والنهب والسرقة من جهة أخرى.


مقالات ذات صلة

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

العالم العربي منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

تفاقمت الخلافات بين الأجنحة الحوثية على مستقبل الجماعة، بسبب المواجهة مع إسرائيل والغرب، بين المطالبة بتقديم تنازلات والإصرار على التصعيد.

وضاح الجليل (عدن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمقاتلة أميركية تستعد للإغارة على مواقع للحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الجيش الأميركي يعلن سقوط مقاتلة في البحر الأحمر بـ«نيران صديقة»

أعلن الجيش الأميركي، أن طيارين اثنين من البحرية الأميركية قد تم إسقاطهما فوق البحر الأحمر في حادثة تبدو أنها نتيجة «نيران صديقة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي في 19 ديسمبر 2024 تظهر غارات إسرائيلية على أهداف للحوثيين (رويترز)

اليمن يدين الغارات الإسرائيلية ويحمّل الحوثيين المسؤولية

وسط قلق أممي من التصعيد، أدان مجلس القيادة الرئاسي في اليمن الغارات الإسرائيلية الجديدة على صنعاء والحديدة، وحمّل الحوثيين مسؤولية تعريض اليمن لانتهاك سيادته.

علي ربيع (عدن)
تحليل إخباري دمار كبير في إحدى محطات الكهرباء بصنعاء إثر الغارات الإسرائيلية (رويترز)

تحليل إخباري ضربات إسرائيل في صنعاء تضاعف المخاوف المعيشية والأمنية

يخشى السكان في صنعاء من تأثير الضربات الإسرائيلية على معيشتهم وحياتهم ومن ردة فعل الجماعة الحوثية واستغلال الفرصة لمزيد من الانتهاكات بحقهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي دخان في صنعاء بعد ضربة أميركية على مواقع الجماعة الحوثية فيها الثلاثاء (أ.ف.ب)

ما مصير الجماعة الحوثية بعد إثارة مخاوفها بالحراك الدبلوماسي؟

تعيش الجماعة الحوثية حالة استنفار بعد حراك دبلوماسي يبحث مواجهة نفوذها واستمرار أعمالها العدائية، وتخشى تكرار السيناريو السوري في اليمن.

وضاح الجليل (عدن)

حملة يمنية تدعو إلى ملاحقة قادة الانقلاب بصفتهم «مجرمي حرب»

مسلحون حوثيون يردّدون «الصرخة الخمينية» خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يردّدون «الصرخة الخمينية» خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)
TT

حملة يمنية تدعو إلى ملاحقة قادة الانقلاب بصفتهم «مجرمي حرب»

مسلحون حوثيون يردّدون «الصرخة الخمينية» خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يردّدون «الصرخة الخمينية» خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

أطلق الناشطون اليمنيون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على جرائم الجماعة الحوثية المدعومة من إيران منذ انقلابها على التوافق الوطني واجتياح صنعاء، في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، مع دعوة المجتمع الدولي إلى ملاحقة قادة الجماعة بصفتهم «مجرمي حرب» وعدم إفلاتهم من العقاب.

وأعاد الناشطون اليمنيون عبر حساباتهم التذكير بآلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة خلال أعوام الانقلاب، بما في ذلك القتل والتعذيب في السجون والاختطاف وتجنيد الأطفال واستغلال النساء وزراعة الألغام وتقييد حرية المجتمع ونهب الأموال ومصادرة الممتلكات، فضلاً عن تطييف المجتمع وتدمير المؤسسات الحكومية وسرقة المساعدات وتجويع الشعب.

وبالتزامن مع الحملة، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إنه آن الأوان لكشف الغطاء عن جرائم ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، التي استهدفت اليمنيين دون استثناء، ووزَّعت الحزن والألم في كل منزل، ولم يسلم من ظلمها وبطشها وإرهابها أحد.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ودعا الوزير اليمني للمشاركة في الحملة التي بدأت، الأحد، إلى رصد أسماء قادة الحوثيين الذين ارتكبوا ما وصفه بـ«أبشع الجرائم والانتهاكات من قتل واعتقال وتعذيب وتشريد ونهب وتفجير للمنازل وتجنيد للأطفال واغتصاب للنساء، وزراعة الألغام».

ووصف الحملة بأنها ليست «توثيقاً لجرائم الميليشيا الحوثية، بل خطوة نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، ولإخبار العالم أن حقوق اليمنيين لن تضيع، وأن دماء الأبرياء ستظل شاهدة حتى يُحاسب كل مجرم»، وفق تعبيره.

دعوة المجتمع الدولي

ودعا الإرياني في تصريح رسمي المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة والحرية للشعب اليمني الذي قال إنه «عانى القمع والتعذيب والدمار الذي مارسته ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران»، مشدداً على اتخاذ خطوات جادة لملاحقة قيادات الجماعة بصفتهم «مجرمي حرب»، ومحاسبة كل من شارك في ارتكاب هذه الجرائم، ومحاكمتهم أمام المحاكم الدولية.

وأوضح أن بلاده شهدت، منذ انقلاب الميليشيا الحوثية أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات بحق السكان؛ إذ طالت جميع فئات المجتمع دون استثناء، ولا يمكن تجاهلها، ولا بد من محاسبة مرتكبيها أمام العدالة الدولية، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب.

وأشار الإرياني إلى أن مواطنيه تعرَّضوا لأبشع صور القمع، من قتل واختطاف وتعذيب، إلى جانب التهجير القسري لملايين المدنيين، وتفجير المنازل وتدمير البنية التحتية، حيث لم تسلم المدارس والمستشفيات والمرافق العامة من التدمير، إضافة إلى معاناة الملايين الذين قال إنهم «ذاقوا مرارة الفقر والجوع بسبب الحصار الذي فرضته الميليشيا على المدن، وفي مقدمها مدينة تعز».

وأكد الوزير اليمني أن انتهاكات الحوثيين طالت النساء، وقال إنه تم تسجيل الآلاف من حالات الاختطاف والإخفاء القسري، والتعذيب النفسي والجسدي، والتحرش والاعتداء الجنسي، إضافة إلى التجنيد القسري لعشرات الآلاف من الأطفال، وزراعة الألغام في المناطق المأهولة بالسكان، التي أدت إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء.

وشدد الإرياني على أن الشعب اليمني لن ينسى تضحياته، وسجل الحوثيين الأسود الحافل بالجرائم والانتهاكات المروعة التي قال إنها «تمثل انتهاكاً صارخاً لجميع القوانين الدولية»، بدءاً من اتفاقيات جنيف ومروراً بمعايير حقوق الإنسان.

وأكد الوزير اليمني أن الشعب في بلاده لن يتنازل عن حقه في العدالة، وأن دماء الأبرياء التي أُريقت ستظل شاهدة على وحشية الحوثيين حتى يتحقق القصاص.