كلوديا مرشيليان لـ«الشرق الأوسط»: الضحك ينتظركم في «صالون زهرة2»

تنشغل حالياً في كتابة 4 مسلسلات جديدة

مشهد من «صالون زهرة» الذي عُرض على «شاهد VIP»
مشهد من «صالون زهرة» الذي عُرض على «شاهد VIP»
TT

كلوديا مرشيليان لـ«الشرق الأوسط»: الضحك ينتظركم في «صالون زهرة2»

مشهد من «صالون زهرة» الذي عُرض على «شاهد VIP»
مشهد من «صالون زهرة» الذي عُرض على «شاهد VIP»

قلم كلوديا مرشيليان يشبه إلى حد بعيد شخصيتها القريبة من القلب. فهو يخاطب المشاهد بلسان حاله، ويعكس مشكلاته الاجتماعية وغيرها، حتى يُخيَّل إليه وهو يحضر أعمالها أنه واحد من شخصياتها.
كلوديا التي تملك تاريخاً طويلاً في كتابة الأعمال الدرامية تتمتع بقلم انسيابي وواقعي تستشف ورقه من أحداث وأخبار ومعلومات تنبع من مشاهدات حية ويومية. أُعلن أخيراً عن تسلمها مهمة كتابة الجزء الثاني من مسلسل «صالون زهرة» وهو من بطولة نادين نسيب نجيم ومعتصم النهار، وإنتاج شركة «الصبّاح».
هذه المهمة التي سبق وبدأتها نادين جابر في الجزء الأول منه، دفع بكلوديا إلى مشاهدته من جديد والغوص في تفاصيله. «كان عليَّ أن أتعمق في أحداث الجزء الأول لأستطيع بناء نص جذاب انطلاقاً من الخطوط العريضة لكل شخصية تشارك فيه». هكذا تعلق مرشيليان على الحلقات العشر التي يتألف منها المسلسل، والتي جاءت ردود فعل بطلته نجيم ومخرجه جو بوعيد إيجابية جداً عنه. فهما أشارا في تعليقات لهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أنهما لم يتوقفا عن الضحك طيلة قراءتهما لحلقاته. فماذا ينتظرنا بالفعل في هذا العمل الذي يبدأ تصويره في سبتمبر (أيلول) المقبل؟ ترد: «هو عمل كوميدي بامتياز، ولن يكتفي برسم ابتسامة على ثغر مشاهده. فإن كمية الضحك التي سيُحدثها كبيرة بحيث لن تغيب عن متابعه طيلة سياق القصة. لقد عملت على أن تكون خفة الظل عنواناً رئيسياً له».

                                                                        نادين نسيب نجيم ومعتصم النهار في «صالون زهرة»
أن يُستبدل كاتب بآخر من أجل إكمال جزءٍ أو أكثر من مسلسل معين، هو أمر يحصل بكثرة إن في البلدان العربية أو الأجنبية. فما كانت صعوبة مهمة مرشيليان في تسلمها عمل سبق لنادين جابر أن كتبت جزأه الأول؟ توضح مرشيليان أن الكتابة بشكل عام، مهمة صعبة في حد ذاتها. «تحتاج إلى سر معين في خطوطها كي تجذب المشاهد وتسليه، وكي تُبكيه أو تُضحكه. لذلك هي مهنة صعبة في حد ذاتها وتعد من أقل المهن التي يمارسها الناس».
رغم الأجواء القاتمة التي يعيشها اللبنانيون فإن قلم مرشيليان الكوميدي، الذي سبق وحاك نصوصاً طريفة، كان غزيراً. وهي ترى أن الإنسان في لبنان الذي يعيش أسوأ أيامه في هذه الحقبة، يحتاج إلى فسحة ترفيهية يتنفس فيها الصعداء: «عادةً ما أُخرج الضحكة من عتمة الحزن فيأتي النص من المضحك المبكي. فكأننا كُتب علينا أن نعيش المآسي طيلة حياتنا. ولكن في الوقت نفسه نحن شعب يحب الحياة وفي استطاعته أن يولّد من المعاناة ضحكة حقيقية».
خبرة كلوديا مرشيليان في الكتابة لم تمنعها من الشعور بالصعوبة في كيفية تناول أحداث «صالون زهرة2». وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن المهمة تصعب لأنني لست مَن وضع كاركترات العمل منذ البداية، فلا أكون معتادة عليها. كما أن المخرج والكاتب والكاركتر ينصهرون في بوتقة واحدة في حال عملوا معاً في أول جزء. وهو ما يساعد على الغوص أكثر في الشخصيات لأنك تعرفت إليهم من قبل».

                                                                الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشيليان
تابعت مرشيليان مرة جديدة «صالون زهرة» الذي سبق أن رأته بعين المشاهدة. ودخلت في تفاصيله الصغيرة والكبيرة وعادت إلى محطات كلام حفظه الناس من نجومه. أضافت شخصيات جديدة على أحداثه وخلطتها مع القديمة منها. فأكملت ما بدأته جابر ولكن بأسلوبها. فمعرفة الكاتب سلفاً بعدد حلقات العمل الدرامي الذي ينوي تأليفه هو أمر ضروري. ومن خلالها يستطيع أن يضع الشكل العام والخطوط التي تستوجبها المهمة، فهي تقنية معروفة في عالم الكتابة.
من ناحية ثانية تحضر الكاتبة اللبنانية لعدة مسلسلات أخرى، بينها عمل يحمل عنوان «وتر». وهو من النوع الاستعراضي الفني الذي تدور أحداثه ضمن مدرسة تعلم الغناء وفنون أخرى. وهو الذي دفع بالمنتج صادق الصباح، ليسهم في مبادرة إعادة ترميم قصر البيكاديللي في شارع الحمراء في بيروت. فقد وجده المكان المناسب لتصوير «وتر» لأنه يملك المقومات الفنية اللازمة لتنفيذه.
الفكرة كانت تراود كلوديا مرشيليان منذ توليها الإشراف على برنامج «ستار أكاديمي» في فترة سابقة، على أن يكون المسلسل من عدة أجزاء متتالية يتضمن كل منها 10 حلقات.
«كنت أتحدث مع المخرجة أنجي جمال، عنها عندما أسرّت لي بأن الفكرة تراودها أيضاً. وهكذا اتفقنا معاً على تنفيذها مع شركة الصبّاح. الفكرة نابعة من تجربة شخصية لي، وعندي كمٌّ لا يستهان من المعلومات عن أجواء مدرسة كهذه، بحكم إدارتي لـ(ستار أكاديمي) لثلاثة مواسم متتالية».
ستنقل كلوديا كما ذكرت لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عن حياة هؤلاء الشباب. فهي اطّلعت على همومهم ومشكلاتهم ومواهبهم: «هناك لحظات شهدت فيها قلقهم واضطراباتهم ووقفت عن قرب على طريقة تفكيرهم. وهي موضوعات ستُغني هذا العمل الدرامي الاستعراضي، وتجذب جيل الشباب لأن المسلسل يخاطبهم بلسان حالهم».
وتستشهد مرشيليان بالفيلم العالمي «فايم» الذي حقق نجاحات كبيرة، لأنه سلّط الضوء على مشكلات الشباب، وكذلك على طبيعة أحلامهم وطموحاتهم: «لم نخترع الجديد في (وتر) فهو استعراضي اجتماعي تناولته السينما والدراما عالمياً منذ حقبات طويلة».
الكتابة، هذه المهمة الصعبة التي تحدثت عنها كلوديا آنفاً، يلوّنها اليوم دم شبابي. ونكتشف أقلاماً جديدة في عالم الدراما، فما رأيها فيها؟ ترد: «أنا من النوع الذي يتابع كثيراً الأعمال الدرامية، وبين الحين والآخر يحضر جيل ويغيب آخر. وفي بداياتي حسبوني أيضاً على جيل الكتاب الجدد. بعض هؤلاء أكمل الطريق وآخرون اتجهوا إلى التمثيل، أو تفرغوا لممارسة مهنة أخرى. هذه التجارب التي تسهم في تجديد الساحة الدرامية ضرورية، وهي تتغربل مع الوقت. اليوم الكاتب مطلوب بكثرة في ظل إنتاجات غزيرة وبفضل المنصات الإلكترونية. ودائماً يقال عن الجيل الجديد إنه يأخذ الدراما إلى مكان غير تقليدي، وهو أمر طبيعي. وأنا بدوري قدمت موضوعات مختلفة كما في (مدام كارمن) و(أجيال) وغيرها. فهذا التلوين مطلوب وكذلك المواكبة والتطور، تماماً كما في أي فنون أخرى. واليوم أيضاً أحاول أن أنقل أفكار الشباب إلى الشاشة وهو ما أحرزته مع فيليب أسمر كما مع مروان حداد في السابق. فقرّبنا وجهات النظر وأسهمنا في تجديد الحوار بين أجيال مختلفة».
تدور كتابات كلوديا حول الموضوعات الاجتماعية والإنسانية بحيث تكون بمثابة مرآة للمجتمع. ولكنها تبقى إلى حد ما بعيدة عن الجرائم المحبوكة، ودراما الإثارة والأكشن. «عندما بدأت في الكتابة كانت الدنيا بألف خير، وكنا بحاجة إلى الانفتاح والتطور بُعيد حرب دامية عشناها. كذلك الأمر بالنسبة لشكري أنيس فاخوري عندما قلب الطاولة على الجميع وكتب (العاصفة تهب مرتين). فكان الأمر غريباً لمن كانوا يتابعون (تلفزيون لبنان) وبرامج (أبو ملحم) و(أبو سليم). اليوم أيضاً المجتمعات تغيرت وأخبار الحروب والجرائم تملأ الدنيا. فكان لا بد من التطرق إليها في عالم الدراما. لا أحد يثبت في مكانه. في عالم الفن مطلوب منه أن يلحق بالمستجدات». وأردفت تقول: «نعم موضوعات الجريمة رائجة، ولكنها ليست الوحيدة التي يتابعها المشاهد العربي. وإلا كيف نجح (شتي يا بيروت)، و(بكرا)، و(صالون زهرة) وغيرها؟ وعندما أمشي بين الناس وألتقيهم، أقف على آرائهم وأجدها تختلف عن الرائج والموجود».
في رأي مرشيليان هي موجة وستنتهي، موضوعات الدراما التريلر المبنية على الجريمة. فهي مرحلة كغيرها من الموضوعات القاسية صاحبة العمر القصير. وتتابع: «النصوص الرومانسية والإنسانية عمرها أطول، وتبقى حاضرة من جيل لجيل. وكم من مرة نتذكر فيلماً أو مسلسلاً رومانسياً قديماً ونردد كلمة (رزق الله). لأننا نحنّ إلى ذلك الزمن الجميل، ففن المشاعر لا يفنى ولا يموت».
قريباً يتابع المشاهد اللبناني مسلسلاً جديداً لمرشيليان يندرج في سلسلة الأعمال الخاصة بأعياد الميلاد، التي سبق وقدمتها تحت عناوين «ع اسمك»، و«أم البنات». وبسبب الجائحة توقفت محطة «إم تي في» التي تعرضها حصرياً عن إنتاجها. وتخبرنا الكاتبة اللبنانية عن مولودها الجديد هذا: «كنت أحضر عملاً من هذا النوع وتوقف إنتاجه بسبب (كوفيد - 19) والأزمات المتلاحقة في البلاد. اليوم أجدد النص ليواكب المرحلة التي نعيشها». وهل سيكون من بطولة كارين رزق الله بطلة أعمالك السابقة في هذه المناسبة؟ تختم: «لم نحدد الأسماء بعد، ولكن طبعاً اسم كارين يرد في الطليعة، وعلى ضوء اكتمال النص ستكتمل دائرة فريق العمل».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.