المسيّرات الإيرانيّة في خدمة «القيصر»

المسيّرات الإيرانيّة في خدمة «القيصر»
TT

المسيّرات الإيرانيّة في خدمة «القيصر»

المسيّرات الإيرانيّة في خدمة «القيصر»

أن تطلب إيران السلاح من روسيا فهذا أمر عاديّ، لكن أن تستنجد روسيا بالسلاح الإيرانيّ فهذا أمر لم نعهده من روسيا. فالطلب الروسي سيُغير معادلة توازن القوة في العلاقة بين إيران وروسيا، الأمر الذي يذكّرنا بالقول: «أن تحتاج إليه يعني أن تصبح أسيره». هذا مع التذكير بأنْ لا شيء مجانياً في العلاقات بين الدول. فكم من مرّة تمنّعت روسيا عن إعطاء إيران صواريخ «إس - 400» كي لا تُغضب الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل؟ فما الذي تغيّر؟
بكلام بسيط وواضح، حرب بوتين على أوكرانيا، تعثّر فيها الجيش الروسي في تحقيق الأهداف السياسيّة التي وضعها بوتين بسرعة. وهنا قد يدور جدل طويل: هل الوقت يلعب لصالح روسيا أم أوكرانيا؟

الحلّ التكتيكي مقابل الخلل التقني
عادةً في الحروب، إذا تعذّر تأمين التوازن التقني (نوعيّة وجودة الأسلحة مثلاً)، على المستويات الاستراتيجيّة والعملانيّة أو التكتيكيّة لجيش ما ضد جيش آخر، يلجأ الفريق الأضعف عادةً إلى الابتكار في كيفيّة التنفيذ (How)، فيبتكر الأضعف مبدأ تكتيكياً جديداً، قد يؤثِّر في حال نجاحه على التوازنات والأداء على ساحة المعركة. وإذا تراكمت النجاحات على الصعيد التكتيكيّ، فهي حتماً ستغيّر الصورة الاستراتيجيّة.
استعمل الألمان مبدأ الحرب الخاطفة (Blitzkrieg) خلال الحرب العالميّة الثانية، فحّققوا نجاحات باهرة، خصوصاً في إسقاط فرنسا. وظلّ المبدأ ناجحاً، حتى وصل إلى نقطة الذروة في الاستعمال، عندما اعتاد عليه الفريق الآخر، فسقطت ألمانيا.

أوكرانيا
تعثّرت الخطة الاستراتيجيّة الكبرى لروسيا في أوكرانيا في المرحلة الأولى للحرب، فانتقل بوتين إلى المرحلة الثانية، وحقّق نجاحات عملانيّة - تكتيكيّة مهمة، لكن ليس لدرجة تحقيق الأهداف السياسيّة العليا. فإلى ماذا يعود السبب؟
الأسباب كثيرة، أهمّها النقص في العديد الروسيّ، كما الخسائر التي قدّرها الغرب بـ70 ألفاً بين قتيل وجريح. يُضاف إليها عدم التوازن بين الأهداف والوسائل. فالقتال مثلاً على جبهة طولها 2000 كلم بكثير لا يتجاوز 150 ألف جندي، هو عمل انتحاريّ. هذا مع العلم بأن الـ150 ألف جندي روسي في الحرب على أوكرانيا يشكّلون 16 في المائة من عديد الجيش الروسي البالغ 900 ألف. وإذا صحّت توقعات الغرب حول الخسائر الروسيّة في أوكرانيا حتى الآن (70 ألفاً بين قتيل وجريح)، فقد يمكن القول إن نحو 50 في المائة من الـ150 ألف جندي روسي أصبحوا خارج الخدمة. يُضاف إلى العديد المنظومة اللوجيستيّة الروسيّة، التي عجزت عن تموين جيش يقاتل في الخطوط الخارجيّة، وعلى جبهة تمتد، كما قلنا أعلاه، لنحو 2000 كلم في بداية الحرب.
وما زاد الطين بلّة في الأداء الروسيّ، هو راجمات «الهيمارس» الأميركيّة (HIMARS) البالغ عددها حتى الآن 16 بطاريّة، لتضرب العمود الفقري للنجاحات الروسيّة في إقليم الدونباس، والذي يقوم على الدعم الناري والمدفعي الكثيف، والذي يحتاج إلى قاعدة لوجيستيّة من الذخيرة كبيرة جداً (60 ألف قذيفة يوميّاً). فقد ضربت راجمات «الهيمارس» هذه القواعد، كما ضربت مراكز القيادة والسيطرة، وحتى البنى التحتيّة المهمة للجيش الروسي في المناطق التي احتلّها من جسور وغيرها، كما يحصل حاليّاً في مقاطعة خيرسون.

المعضلة التكتيكيّة الروسيّة
تبدو روسيا حتى الآن عاجزة عن ابتكار حلّ تكتيكي يضرب فعالية «الهيمارس». فإذا وزّعت مخازن ذخيرتها للمدفعيّة على مساحات أكبر، فهي كأنها تطلق النار على نفسها، لأن قوّتها الناريّة ستضعف. وهي ليست قادرة على ضرب «الهيمارس» بقواها الجويّة لعدّة أسباب، أهمهّا أن روسيا لم تحقّق حتى الآن السيطرة الجويّة فوق أوكرانيا، كما أن سلاح المسيّرات الروسي لا يملك القدرة على ملاحقة «الهيمارس» بسبب ليونة وسرعة تشغيل هذا النظام (Shoot & Scoot).
وإذا كانت «الهيمارس» تستعمل نظام «جي بي إس» (GPS) لإصابة الهدف بدقة متناهية، فإن روسيا ليست قادرة على التشويش على هذا النظام، لأن بعض الطائرات الروسيّة تستعمله، وكذلك بسبب عدم فاعليّة وجودة النظام الروسي البديل غلوناس (GLONASS).

دخول الدور الإيراني
هنا يأتي الدور الإيراني عبر تزويد روسيا بالمسيّرات المتنوعّة المهام، والتي كانت إيران قد جربّتها في المنطقة، من العراق حتى اليمن ولبنان. وستزوّد إيران روسيا بـ300 مسيّرة قادرة على الاستطلاع والقصف والانتحار، وغيرها من المهمات. وحتى الآن سلمت إيران روسيا 46 مسيّرة، حسب الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
وتم كشف التعاون عبر رصد الحركة الجويّة بين روسيا وإيران، من طائرات الشحن وحتى التدريب. فمنذ أبريل (نيسان) 2022 حتى الآن، سجلت 42 رحلة من إيران إلى روسيا، وذلك مقابل 3 رحلات جويّة فقط في العام 2021.
وقد تكون ملاحقة «الهيمارس» وتدميرها إحدى أهمّ المهمات للمسيّرات الإيرانيّة، لكن الأمر يتطلّب العناصر التالية: التدريب، والشحن، والصيانة والتموين، وغيرها من الأمور الأساسيّة. اللهم إلا إذا كان الحرس الثوري أو بعض الوكلاء سيبدأون بالتنفيذ فوراً.


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
TT

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

تم اختيار مراقب من الأمم المتحدة لقيادة تحقيق خارجي في مزاعم سوء سلوك جنسي ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وفقا لما علمته وكالة أسوشيتد برس أمس الثلاثاء.

ومن المرجح أن يثير هذا القرار مخاوف تتعلق بتضارب المصالح نظرا لعمل زوجة المدعي العام السابق في الهيئة الرقابية.

وقدم خان تحديثات حول التحقيقات الحساسة سياسيا التي تجريها المحكمة في جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا وغزة وفنزويلا، وغيرها من مناطق النزاع خلال اجتماع المؤسسة السنوي هذا الأسبوع في لاهاي بهولندا. لكن الاتهامات ضد خان خيمت على اجتماع الدول الأعضاء الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية.

فقد كشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في أكتوبر (تشرين الأول) أنه بينما كان خان يعد أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، كان يواجه في الوقت ذاته اتهامات داخلية بمحاولة الضغط على إحدى مساعداته لإقامة علاقة جنسية معها، واتهامات بأنه تحرش بها ضد إرادتها على مدار عدة أشهر.

وفي اجتماع هذا الأسبوع، قالت بايفي كاوكرانتا، الدبلوماسية الفنلندية التي تترأس حاليا الهيئة الرقابية للمحكمة الجنائية الدولية، للمندوبين إنها استقرت على اختيار مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، حسبما أفاد دبلوماسيان لوكالة أسوشيتد برس طلبا عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات المغلقة.

وأعربت منظمتان حقوقيتان مرموقتان الشهر الماضي عن قلقهما بشأن احتمال اختيار الأمم المتحدة لهذا التحقيق بسبب عمل زوجة خان، وهي محامية بارزة في حقوق الإنسان، في الوكالة في كينيا بين عامي 2019 و2020 للتحقيق في

حالات التحرش الجنسي. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومبادرات النساء من أجل العدالة القائمة على النوع، في بيان مشترك إنه يجب أن يتم تعليق عمل خان أثناء إجراء التحقيق، ودعتا إلى «التدقيق الشامل في الجهة أو الهيئة المختارة للتحقيق لضمان عدم تضارب المصالح وامتلاكها الخبرة المثبتة».

وأضافت المنظمتان أن «العلاقة الوثيقة» بين خان والوكالة التابعة للأمم المتحدة تتطلب مزيدا من التدقيق. وقالت المنظمتان: «نوصي بشدة بضمان معالجة هذه المخاوف بشكل علني وشفاف قبل تكليف مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة بالتحقيق».