مصر والحوار الوطني

استكشاف المستقبل يحتاج إلى بصيرة نافذة... الأمم الراسخة تجيد القدرة على ترتيب أوراقها، الإيمان بالُّلحمة الوطنية وصفة ناجحة ينحاز لها المستقبل، ويشهد لها التاريخ.
إضاءة المصابيح السياسية تفتح مسارات الأمل أمام الشعوب والأوطان.
الحوار الوطني في مصر نقلة تاريخية بتوقيع رأس الدولة. دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار تضعنا أمام منهج واستراتيجية، تؤكد أن مصر تسير على الدرب الصحيح، في ظل متغيرات دولية وعالمية متلاحقة.
ربما شهد التاريخ أنواعاً مختلفة من الحوارات الوطنية، مصرياً وعربياً ودولياً، لكن هذه المرة نجد أن الدعوة للحوار الوطني في مصر تتميز بخصائص إضافية، تمنحها محفزات للنجاح، وتعطي مؤشرات لجدية التفاعل وفتح النوافذ، أمام كل الأطياف السياسية والمجتمعية، دون استثناء، عدا جماعة الإخوان الإرهابية. أول هذه المؤشرات الإيجابية هي أن الدعوة جاءت حصرياً من الرئيس السيسي، وأراد بها أن يستكمل أركان الجمهورية الجديدة، والإصلاح السياسي الكامل؛ لأن لغة الحوار المجتمعي السياسي تؤدي إلى تحقيق أفضل النتائج وتنوع النجاحات.
المؤشر الثاني يقول بأن الحوار الوطني يشكل خطوة كبيرة على طريق الإصلاح السياسي الصحيح الذي يقوم على ترسيخ مبادئ الدستور، وتفعيل التعددية الحزبية؛ إيماناً من القيادة السياسة بدور كل أبناء الوطن، في قيادة البلاد نحو المستقبل الجاد، لمواجهة التحديات كافة الداخلية والخارجية.
الفرصة سانحة للمشاركة في كتابة أولويات العمل الوطني، وتدشين جمهورية جديدة تقبل بالجميع، ولا يمكن أن يُفسد فيها الخلاف في الرأي للوطن قضية، فمن يدقق في الدعوة للحوار يرى، ومن الوهلة الأولى أن يد الدولة ممدودة للجميع، من مختلف الأطياف والتوجهات السياسية في ظل الدستور والقانون.
المؤشر الثالث يضعنا أمام لافتة تقول إن الدعوة للحوار دعوة مصرية خالصة، جاءت نتيجة إرادة وطنية حقيقية، لا تقبل الإملاءات الخارجية؛ ولذلك رحّبت بها الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، فمن شأنها دفع مسيرة الوطن إلى الأمام، وتعميق حالة الانسجام الوطني بين كل الألوان السياسية - اتفاقاً أو اختلافاً - من أجل مصلحة الوطن.
المؤشر الرابع يكشف عن أن الحوار الوطني قمة «العمل الديمقراطي» القائم على جمع القوى السياسية، سواء الحزبية أم المستقلة للجلوس حول طاولة الحوار، بما يؤسس لملامح مرحلة جديدة للحياة السياسية والاقتصادية، والتي سيتم بلورتها بناءً على أفكار وتوجهات جميع أطياف المجتمع، وبما يحقق المصالح المشتركة للشعب المصري، ويراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لجميع الفئات دون استثناء.
وسط هذه المؤشرات الأربعة، ربما هناك سؤال مركزي يطرح نفسه: ما أهداف هذا الحوار الذي بات يشكل محور اهتمام المصريين في الداخل والخارج؟
في الحقيقة، أرى أن أهداف الحوار تكمن في العديد من الرسائل الوطنية، وبدورها تقوم على مسارات عدة، في مقدمتها: التأكيد على وحدة المصريين في مواجهة كل التحديات الجديدة أو المستجدة، وإعادة بناء التماسك الداخلي بين جميع القوى السياسية والشبابية، وتشكيل رؤية جامعة لمختلف التيارات والأطياف السياسية، من أجل تحقيق تنمية شاملة في مختلف القطاعات والنهوض بالبلاد، والمضي قدماً نحو مكانة تليق بدور ومكانة مصر، وترسيخ حالة الاستقرار الاجتماعي، وارتباط جميع القوي الوطنية بفكرة الجمهورية الجديدة، والتأكيد على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بمحاورها الأربعة، فضلاً على أن الحوار سيركز على فتح ومناقشة كل القضايا والملفات التي تمسّ حاضر ومستقبل المواطن المصري، وما يرتبط بها من تحديات اجتماعية واقتصادية.
كل هذا المأمول من الحوار يهدف إلى الحفاظ على الهوية الوطنية المصرية بكل مكوناتها وخصوصيتها، بما يزيد من تحصين مناعة الدولة وقدرتها على الثبات وسط عالم متغير.
اللافت، أن الدعوة للحوار، تزامنت مع تفعيل «لجنة العفو الرئاسي»؛ الأمر الذي يؤكد حالة الجدية والمسؤولية في قطع أشواط مهمة على الطريق نحو الجمهورية الجديدة، وهذا يتطلب من جميع الأطراف المشاركة نفس قوة الجدية، والإصرار على استثمار الفرصة، سيما أن هذا الحوار يحمل ملامح مغايرة ومختلفة عن بعض الحوارات التي شهدتها العهود المصرية السابقة، فهذه المرة تشهد حواراً بلا شروط أو أهداف مسبقة، بل إنَّ النتائج والثمار والمخرجات جميعها في عهدة المشاركين، من مختلف الألوان والأطياف السياسية، وأن فاعليات الحوار، وإدارته، يتم بثها على الهواء مباشرة، وأنه لا توجد خطوط حمراء، أو سقوف محددة للقضايا والملفات محل النقاش، الطريق مفتوحة... الانفتاح يفرض نفسه، الضمانات عالية بوعد رئيس الدولة الذي أكد أن مخرجات الحوار ستكون محل اهتمامه ورعايته.
ومن ثم، فإن الفرصة كبيرة وكاشفة، والمشاركة واجب وطني، والعمل على إنجاح هذا المشروع التاريخي يتطلب تضافر ودعم الجميع، ويد الدولة ممدودة، علينا الانتقال من مرحلة التفهم إلى مرحلة التفاهم، طاولة الحوار ليست مناظرة على الهواء، بل هي فرصة للتلاقي والتشارك في الرؤية، ووجهات النظر التي تصبّ في مصلحة الوطن والمواطن.