فلاديمير فيدوروفسكي لـ «الشرق الأوسط» : أكتب وأنا أرتدي قبعتَي المؤلف والمؤرخ معاً

الدبلومسي السابق ومترجم بريجنيف للعربية ومستشار غورباتشوف متفرغ للكتابة منذ سنوات

فلاديمير فيدوروفسكي
فلاديمير فيدوروفسكي
TT

فلاديمير فيدوروفسكي لـ «الشرق الأوسط» : أكتب وأنا أرتدي قبعتَي المؤلف والمؤرخ معاً

فلاديمير فيدوروفسكي
فلاديمير فيدوروفسكي

هو أكثر الكتاب الروسيين إصداراً في فرنسا؛ أكثر من 50 رواية تاريخية، وحصل على 14 جائزة؛ منها «جائزة بالاتين الكبرى» للرواية التاريخية عن عمله «رواية راسبوتين».
بعض رواياته، مثل «سحر سانت بيترسبورغ»، بيع منها أكثر من مليون نسخة، وهي كلها تمجد ماضي روسيا التاريخي والأدبي. لكن للكاتب الروسي فلاديمير فيدوروفسكي حياة أخرى، فقد شغل في روسيا مناصب سياسية رفيعة المستوى منذ سنة 1972 إلى 1991؛ حيث كان دبلوماسياً، ثم مستشاراً للرئيس غورباتشوف إبان مرحلة «البيريسترويكا»، وهو منذ سنوات متفرغ للكتابة في منزله بمنطقة نورماندي بفرنسا حيث استقبلنا. وكان الحوار التالي:

> فلاديمير فيدوروفسكي؛ كيف مررت من وظيفتك دبلوماسياً إلى الكتابة؟
- الكتابة كانت حلمي منذ الطفولة، وأنا ابن الرابعة عشرة كنت أقرأ بشراهة، وأرى نفسي كاتباً في المستقبل، لكن هوايتي الأخرى؛ وهي الأسفار، أبعدتني نوعاً ما عن التركيز على الكتابة، وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي في السلك الدبلوماسي، ثم قادني الانخراط في «البيريسترويكا» إلى عيش فترة مثيرة وحافلة بالأحداث إلى غاية سقوط جدار برلين. وكانت تلك أفضل لحظات العمل الدبلوماسي؛ لكن للأسف فترة ما بعد الشيوعية كانت صعبة وشكلت خيبة أمل لكثيرين، وهو ما أصابني بالإحباط، فقررت ترك السياسة وقلب صفحة السياسة للتفرغ لحبي الأول؛ وهو الكتابة.
> ما شعورك بصفتك كاتباً ومثقفاً روسياً إزاء ما يحدث الآن من دعوات لمقاطعة المبدعين الروسيين؟
- هو شيء محزن ومثير للغضب في آن معاً، لماذا يريدون حرمان العالم من روائع الأدب الروسي وفنونه؟ يا لها من حماقة. الأمر أصعب بالنسبة إليّ؛ لأن والدي من أصول أوكرانية ووالدتي روسية، وأعدّ أنه من الظلم إقحام المبدعين في أزمة لا يد لهم فيها؛ بل على العكس من ذلك؛ أعتقد أن هذه الدعاوى ستقوي ظهر بوتين وتدعم خطابه بأن الغرب متحامل على روسيا. هي بكل المعايير استراتيجية فاشلة؛ لأنها قد تنقلب عليهم، ومن المؤسف جداً أن يتم مثلاً منع تدريس كاتب كبير مثل ديستوفيسكي في أوكرانيا؛ فهو ليس علم من أعلام الأدب الروسي فحسب؛ بل الأدب العالمي أيضاً.
> أنت كاتب يتميز بإنتاج غزير، حيث كتبت حتى الآن نحو 50 رواية، تجمع بين دقة المؤرخ وفن السرد الروائي... ماذا يحتاج المؤلف لكتابة الرواية التاريخية؟
- أهم شيء هو الدقة في نقل الحقائق التاريخية. أنا أبحث كثيراً في المكتبات والأرشيفات الخاصة، وأتأكد من كل معلومة أو حادثة أو تاريخ، ولأني أكتب عن الماضي؛ فأنا أحاول أن أكتب عن تاريخ يرغب الناس في قراءته، فأضفي عليه طابعاً روائياً جمالياً مفعماً بالعاطفة والسحر لأخلق نوعاً من التفاعل مع القارئ، إضافة إلى أن الهدوء الذي يميز هذه المنطقة التي أعيش فيها يساعدني على التركيز، خصوصاً أني أعمل ساعات عدة في اليوم.
> نشعر ونحن نقرأ كتبك؛ بل ومن خلال العناوين فقط، بأنك تريد تذكير العالم بأن روسيا بلد عظيم ومسالم رغم مشاعر الروسوفوبيا المتنامية في الغرب، فما الرموز التي تجعلك الأكثر افتخاراً؟
- كل رموز هذه الحضارة مدعاة للمفخرة: العمران، والعلوم، والفنون، والموسيقى العالمية، والباليه، لكن الأقرب إلى قلبي هو الأدب طبعاً. أحب أعمال تشيخوف وإحساسه المرهف، وكذلك أعمال إيفان بونين الذي كان أول أديب روسي يحصل على «جائزة نوبل للآداب»، وطبعاً تولستوي، وشغفي به مرتبط بذاكرة بعيدة تعود إلى مغادرتي منصبي الدبلوماسي الأول في موريتانيا في أوائل السبعينات؛ حيث أعطتني والدتي نسخة نادرة كانت المجلدات الأربعة من مذكراته، التي نُشرت في موسكو من عام 1960 إلى عام 1964، استمتعت بها وقرأتها مراراً وتكراراً، ولكني لم أسأم منها.
> في روايتك «على رموشك يذوب الثلج... أو الرواية الحقيقية لدكتور زيفاغو» تروي قصة بوريس باسترناك وتقول إن «روايته «دكتور زيفاغو» لم تكن عملاً رائعاً فحسب؛ بل إنها وجهت الضربة الأولى للشيوعية، كيف ذلك؟
- في هذا الكتاب حاولت تسليط الضوء على العلاقة التي ربطت بوريس باسترناك بالسلطة السياسية؛ مع ستالين ثم مع خروتشوف، والملحمة المذهلة لمخطوطة «الدكتور زيفاغو» التي سُربت من الاتحاد السوفياتي ونشرت في إيطاليا، مُسببة لمؤلفها مشكلات كثيرة في بلده، وكيف استغلت «وكالة الاستخبارات الأميركية» هذه الرواية وسيلة بروباغندا ضد النظام الشيوعي.
> روايتك «سحر سانت بطرسبرغ» لاقت رواجاً كبيراً وبيع منها نحو مليون نسخة، كما ترجمت لأكثر من 28 لغة، كيف تفسر هذا النجاح؟
- كما ذكرت لك آنفاً؛ أنا أكتب عن التاريخ، لكن كتاباتي تقرأ كأنها رواية، فحين أكتب أرتدي قبعتين: قبعة الروائي وقبعة المؤرخ، هذا المزيج يخلق كتابات تثير مشاعر القراء وشغفهم. أما عن مدينة «سانت بطرسبرغ» موضوع الرواية؛ فهي غنية عن التعريف، اسمها يثير الخيال، ولهذا قررت اصطحاب القارئ في جولة في ربوع هذه المدينة التاريخية بقصورها وأنهارها وبساتينها الجميلة ورموزها من الفن والإبداع.
> عملت ملحقاً ثقافياً في بداية نشاطك الدبلوماسي بمدينة نواكشوط، أين تعلمت العربية لتصبح بعدها مترجماً لبريجينيف وكانت فرصة سمحت لك بزيارة عدد من الدول العربية والالتقاء بعدد من الزعماء العرب؟ حدثنا عن هذه الفترة:
- جرى اختياري مترجماً للرئيس الأسبق بريجينيف لسبب طريف، فعلاوة على أنى كنت أتقن العربية؛ فأنا أتكلم بصوت مرتفع وهو ما كان الرئيس يحتاجه؛ لأنه كان لا يسمع جيداً. رافقت الرئيس في زيارات رسمية عدة، وكانت فترة مثيرة لمست فيها من قرب مظاهر النهضة التي كانت تعيشها الدول العربية في تلك الفترة. استقبلنا فيها أيضاً زعماء عرب مثل صدام حسين الذي أذكر أنى رافقته إلى مكتبة موسكو، والقذافي الذي كان أنيقاً جداً. ولن أطيل في التفاصيل؛ لأني أحضر لمشروع كتاب أجمع فيه كل ذكرياتي بصفتي مترجماً للرئيس بريجينيف.
> هل استفدت من نشاطك السياسي في الكتابة؟
- طبعاً، أكثر من هذا؛ هناك قصص تُحاك حول الدبلوماسيين الروسيين من أن نصفهم يعمل في الجوسسة، وهذه الإشاعات لاحقتني طويلاَ، ولكني استفدت منها، وأقبل كثير من القراء على كتبي لهذا السبب (يضحك)، وسأروي لك هذه القصة التي حدثت مع في إحدى حفلات توقيع الكتب؛ حيث تعرفت على قارئ تبين أنه يعمل في جهاز المخابرات الفرنسية، واعترف لي بأنه تولى مهمة مراقبتي والتصنت على مكالماتي في الماضي، وبالطبع لم يجد أي شيء ضدي، لكنه اشترى 10 نسخ من روايتي... (قهقهة طويلة).


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«صبا نجد»... حكايات 7 فنانات من الرياض

عمل للفنانة خلود البكر (حافظ غاليري)
عمل للفنانة خلود البكر (حافظ غاليري)
TT

«صبا نجد»... حكايات 7 فنانات من الرياض

عمل للفنانة خلود البكر (حافظ غاليري)
عمل للفنانة خلود البكر (حافظ غاليري)

بعنوان بعضه شعر وأكثره حب وحنين، يستعرض معرض «صبا نجد» الذي يقدمه «حافظ غاليري»، بحي جاكس في الدرعية يوم 15 يناير (كانون الثاني) الحالي، حكايات لفنانات سعوديات معاصرات من الرياض تفتح للمشاهد نوافذ ﻋﻠﻰ ﻗلب وروح اﻟﮭوﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﻣﻣﻠﻛﺔ.

تتعدد الروايات الفنية ووجهات النظر في المعرض، لكنها تتفق فيما بينها على الاحتفال بالهوية والثقافة والأدوار المتغيرة للمرأة في المجتمع السعودي. كما يستعرض «صبا نجد» الأساليب الفنية المختلفة التي ميزت مسيرة كل فنانة من المشاركات.

عمل لنورة العيسى (حافظ غاليري)

يوحي العنوان بلمحة نوستالجية وحنين للأماكن والأزمنة، وهذا جانب مهم فيه، فهو يرتكز على التراث الغني لمنطقة نجد، ويحاول من خلال الأعمال المعروضة الكشف عن أبعاد جديدة لصمود المرأة السعودية وقوة إرادتها، جامعاً بين التقليدي والحديث ليشكل نسيجاً من التعبيرات التجريدية والسياقية التي تعكس القصص الشخصية للفنانات والاستعارات الثقافية التي تحملها ممارساتهم الفنية.

الفنانات المشاركات في العرض هن حنان باحمدان، وخلود البكر، ودنيا الشطيري، وطرفة بنت فهد، ولولوة الحمود، وميساء شلدان، ونورة العيسى.

تحمل كل فنانة من المشاركات في المعرض مخزوناً فنياً من التعبيرات التي تعاملت مع تنويعات الثقافة المحلية، وعبرت عنها باستخدام لغة بصرية مميزة. ويظهر من كل عمل تناغم ديناميكي بين التراث والحداثة، يعبر ببلاغة عن هوية نجد.

من أعمال الفنانة لولوة الحمود (حافظ غاليري)

يشير البيان الصحافي إلى أن الفنانات المشاركات عبرن من خلال مجمل أعمالهن عن التحول الثقافي الذي يعانق تقاليد الماضي، بينما ينفتح على آفاق المستقبل، معتبراً المعرض أكثر من مجرد احتفاء بالمواهب الفنية؛ بل يقدمه للجمهور على أنه شهادة على قوة الصوت النسائي في تشكيل المشهد الثقافي والتطور الفني في المنطقة.