شارع «العطارين» في جدة...التاريخ برؤية فنية

«اماكن» يستكشف الرسائل المدسوسة بين جدران مبانيه

نماذج لبعض الأوراق التي تضمنها العمل (الشرق الأوسط)
نماذج لبعض الأوراق التي تضمنها العمل (الشرق الأوسط)
TT

شارع «العطارين» في جدة...التاريخ برؤية فنية

نماذج لبعض الأوراق التي تضمنها العمل (الشرق الأوسط)
نماذج لبعض الأوراق التي تضمنها العمل (الشرق الأوسط)

جدران المباني العتيقة في شارع العطارين الواقع بمنطقة جدة التاريخية لم تكن اعتيادية، بل هي أشبه بمخازن للرسائل المدسوسة تبرز منها أطراف الأوراق التي يدسها العشاق بين شقوق الجدران، والأوراق ذات المحتوى الديني والمقدس التي يخبئها القراء تكريماً لها من الوقوع بين المهملات؛ الأمر الذي ألهم الفنانة أسماء باهميم، لتصنع عملها الفني «جدران هائمة»، الذي يُعرض حالياً في معرض «أماكن» بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالظهران.
تتحدث باهميم لـ«الشرق الأوسط» عن رؤيتها الفنية للعمل، قائلة «منذ زمن بعيد، كانت هناك عادة قديمة بوضع الأوراق التي تحمل آيات قرآنية أو قصاصات من كتب كريمة بين شقوق الجدران، تقديراً لما كتب فيها، كما كانت توضع رسائل الغزل المختبئة عن الأنظار داخل الجدران، والتي لطالما استوقفتني مذ كنت طفلة في شارع العطارين». وتضيف «إنها الرغبة في حفظ هذه الكلمات المحملة بطاقة المكان، لترتاح الأوراق بين شقوق حجر البحر الأحمر المليء بالأحافير والأصداف».
عن شرارة الفكرة، تقول «اعتقدت أنني عرفت نفسي من خلال الزمن، في حين أن معرفتي هي حصيلة شتاتي، الذي تجمّع وفق أحداث سابقة في مكان كان مسقط الرأس، وحيّز المستقبل. إنه من البيت الذي ولدنا فيه، حيث امتلأت جدرانه بأحلامي وأفكاري وقصاصات من كتابنا الكريم، طويت وحُفظت بين شقوق حجارته... تلك المجموعة من الصور المتتابعة في عقلي، والتي لطالما أمدتني بالتوازن».
وفي عملها «جدران هائمة»، اتجهت أسماء باهميم إلى هذا التقليد القديم، المتضمن وضع أو إدخال النصوص الورقية في شقوق الجدران، ما بين الطوب. وقد لاحظت هذه العادة للمرة الأولى في منزل خالتها في منطقة البلد التاريخية، على مدى سنين طويلة مضت؛ الأمر الذي جعلها توثق هذه العادة في العمل المستلهم من ذاكرة المكان.

«جدران هائمة» لأسماء باهميم (الشرق الأوسط)

- شارع العطارين
تحمل أسماء باهميم العديد من الذكريات في شارع العطارين القديم، وهو ما حاولت تجسيده، قائلة «كل مكان أعرفه هناك، وأتذكر العديد من الشخصيات البارزة في يومنا والتي كنت أراها في شارع العطارين، وهناك أيضاً درست في معهد لتعليم اللغة الإنجليزية؛ الأمر الذي جعل المكان ملتصقاً أكثر في ذاكرتي».
كما استثمرت باهميم هدّ البيوت العشوائية في تلك المنطقة لتقوم بجمع الحجر القديم الذي كان يستخدم آنذاك في البناء، والذي لم يعد له أثر في المباني الحديثة، لتجعله مكوناً رئيسياً في عملها الفني الذي أسمته «جدران هائمة»، حيث أنشأت في عملها جداراً مصنوعاً من مخلفات مواد البناء، متخذة مكوناته من أطراف القمامة حول منطقة البلد التاريخية في جدة: قطع من المرجان المبيّض والحجر والخشب.
- صناعة الورق
يبدو لافتاً أن باهميم تعمل منذ فترة طويلة بالورق المصنوع يدوياً، وهي الآن تصنع أوراقها الخاصة من أوراق الموز المجففة على سطح منزلها، بينما تضيف ألواناً من الأصباغ الطبيعية. بسؤالها عن ذلك، تشير إلى أن والدتها كانت تستثمر جريد النخل في صناعة الورق، كعادة المجتمع في تلك الحقبة، وتردف «حرفة صناعة الورق في الحجاز أوشكت على الاندثار، بيد أني أحاول أن أواصل العمل عليها من خلال ورق الموز، وأطمح للتوسع في ذلك، إلا أن الأمر بحاجة لإمكانات كبيرة وإنتاج مصنعي».
ومن خلال العمل، يلمح المتلقي تأثر باهميم بالفن الإسلامي، من مخطوطات العصور الوسطى، مثل «مقامات الحريري» و«حكايات كليلة ودمنة»، وزخرفة المخطوطات بأشكالها النباتية المتكررة الملوّنة التي جعلتها جزءاً من قصاصات الأوراق البارزة بين شقوق الجدار، حيث يتضمن مشروعها الخاص بالمعرض تجميع هذه القطع معاً لإنشاء جدار به شقوق، تدخل فيه رسائلها الخاصة على ورق مطوي مع نصوص مكتوبة بخط اليد أو بإضافة أورق ذهبية.
جدير بالذكر، أن أسماء باهميم ولدت في مدينة جدة عام 1979، ودرست في قسم الفنون الجميلة بجامعة جدة، حيث تعمل حالياً عضو هيئة التدريس. كما شاركت في مهرجان الفن الإسلامي في الشارقة عام 2018.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

ريهام عبد الغفور تُحيي الذكرى الأولى لوفاة والدها بمشاعر الفقد

ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)
ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)
TT

ريهام عبد الغفور تُحيي الذكرى الأولى لوفاة والدها بمشاعر الفقد

ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)
ريهام عبد الغفور مع والدها الفنان الراحل أشرف عبد الغفور (إنستغرام)

أحيت الفنانة المصرية ريهام عبد الغفور، الذكرى الأولى لرحيل والدها الفنان أشرف عبد الغفور، الذي رحل عن عالمنا في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بكلمات مؤثرة مشحونة بمشاعر الفقد.

وكتبت ريهام على صفحتها بـ«إنستغرام» في الذكرى الأولى لرحيل والدها: «في مثل هذا اليوم فهمت معني كلمة ظهري اتكسر».

مضيفة: «فهمت معنى كلمة خوف، فهمت ماذا يعني أن يكبر الإنسان فجأة، فهمت كلمة أن الحياة لم يعد لها طعم، فهمت معنى عدم الشعور بالأمان، فهمت معنى الوجع، كل يوم يا أبي أتأكد أن الخسارة كبيرة وغير محتملة، كل يوم أنتظرك ترجع لكي أحكي لك».

واختتمت رسالتها قائلة: «بحبك يا أحن وأطيب وأكرم وأعظم أب وحشتني يا حبيبي ووحشني إحساسي وأنت جنبي، ربنا يسعدك في الجنة يا رب»، وطلبت من متابعيها الدعاء لأبيها.

وتوالت التعليقات على منشور الفنانة المصرية التي تدعو لوالدها بالرحمة والمغفرة وتعزيها وتدعو لها بالصبر، ومن بينهم كندة علوش التي كتبت «حبيبتي يا ريكو ربنا يرحمه ويصبر قلبك»، والفنانة رانيا يوسف التي كتبت «الله يرحمه»، والفنانة مريهان حسين التي كتبت «ربنا يرحمه ويغفر له ويصبر قلبك»، ووصف متابعون الفنان الراحل بـ«المحترم الراقي»، فيما عبّر متابعون عن تأثرهم بكلمات ريهام عبد الغفور لدرجة البكاء.

ريهام عبد الغفور تحيي ذكرى والدها (إنستغرام)

ورحل الفنان أشرف عبد الغفور في 3 ديسمبر 2023 في حادث مروري بطريق «القاهرة الإسكندرية الصحراوي»، عن عمر ناهز 81 عاماً، واشتهر بتقديم الأدوار التاريخية والدينية في المسرح والدراما، ومن بين أعماله المسرحية «وطني عكا» و«مصرع جيفارا» و«النار والزيتون» و«الملك لير»، وشارك في العديد من الأعمال السينمائية من بينها أفلام «الشيطان» و«دعوة للحياة» و«الشوارع الخلفية».

كما قدم للدراما مسلسلات «فارس بلا جواد» و«حضرة المتهم أبي» و«يتربى في عزو»، بالإضافة إلى الأعمال التاريخية والدينية التي اشتهر بها مثل مسلسلات «محمد رسول الله» و«الإمام مالك» و«عظماء في التاريخ» و«هارون الرشيد». وانتُخب عبد الغفور لمنصب نقيب المهن التمثيلية في مصر بين عامي 2011 - 2015.

ووصف الناقد الفني المصري، أحمد سعد الدين، الفنان أشرف عبد الغفور بأنه «واحد من أهم أعمدة المسرح والتلفزيون خلال الـ30 عاماً الماضية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أن يتخرج عبد الغفور في معهد الفنون المسرحية عام 1963 عمل في مسرحية (جلفدان هانم) ونجح فيها وترشح لأعمال أخرى».

ويضيف: «رغم أن أعماله في السينما لم تكن كثيرة، لكنه في التلفزيون كان متميزاً جداً وتحديداً في الثمانينات، إذ بدأ يقدم الدراما الدينية التي أظهر فيها إجادته للغة العربية الفصحى، فكان قاسماً مشتركاً في كثير من الأعمال الدينية والتاريخية».

وأشار إلى أن «الفنان الراحل له تاريخ كبير وينبغي أن يتم تكريمه بما يليق به، خصوصاً أنه تولى مسؤولية نقابة الممثلين في فترة حرجة، وحقق نقلة كبيرة في النقابة حتى إنه وضع اللبنة الأساسية لدار المسنين الخاصة بالنقابة، وستظل سيرته موجودة بيننا». وفق تعبيره.