الضغوط الخارجية تجبر لبنان على تطوير منظومة «المناعة» المالية

شروط صندوق النقد ومتطلبات مكافحة غسل الأموال تتصدران المهام

دور مهم لمصرف لبنان في تطوير المنظومة (أرشيفية)
دور مهم لمصرف لبنان في تطوير المنظومة (أرشيفية)
TT

الضغوط الخارجية تجبر لبنان على تطوير منظومة «المناعة» المالية

دور مهم لمصرف لبنان في تطوير المنظومة (أرشيفية)
دور مهم لمصرف لبنان في تطوير المنظومة (أرشيفية)

تزدحم الملفات المالية في لبنان بخلفياتها القانونية والإجرائية، بصورة استثنائية ضمن المهام «العاجلة» أمام السلطات اللبنانية، بفعل التزامن بين أولويات الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وبين ضرورات تنفيذ المتطلبات الواجبة في تحديث أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالية الإقليمية والتابعة لمجموعة «غافي» الدولية.
وإذ ينتظر أن يقر مجلس النواب في جلسة الهيئة العامة الثلاثاء المقبل، أول التشريعات التي طلبها فريق الصندوق والخاصة باستحداث تعديلات مفصلية على قانون السرية المصرفية وقوانين ذات صلة، باشرت السلطة النقدية فعلياً بإصدار تعليمات تلزم المؤسسات المالية غير المصرفية بسلسلة من التدابير والإجراءات الآيلة إلى سد أي منافذ لمرور عمليات أو تحويلات من خلال قنواتها تقع تحت شبهات «الجرائم» المالية.
وتشمل قائمة التشريعات التي اتفق خبراء الصندوق مع الفريق الحكومي على إحالتها بصياغاتها النهائية إلى المجلس النيابي والعمل على إقرارها، مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي متضمنة إعادة هيكلة قوائم الدخل والمصاريف مع توحيد سعر صرف الليرة، ومشروع قانون وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول)، إضافة إلى مشروع قانون إعادة هيكلة الجهاز المصرفي.
ومن الواضح، بحسب مسؤول مالي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن الوقت المتاح ضيق للغاية لتمرير هذه الحزمة التشريعية قبل انخراط المجلس النيابي في مواكبة استحقاق انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية بدءاً من أول سبتمبر (أيلول) المقبل، ولا سيما أن مهام الحكومة «المستقيلة» تقتصر على تصريف الأعمال بالنطاق الضيق، فيما هي تتأخر بتزويد اللجان النيابية المختصة، وفي مقدمتها لجنة المال والموازنة، بالتعديلات التي التزم بها رئيسها نجيب ميقاتي على خطة الإنقاذ الاقتصادي، ولا سيما لجهة المقترحات المستحدثة لتوزيع أعباء الفجوة المالية البالغة نحو 75 مليار دولار وإنشاء صندوق خاص لتعويض مدخرات المودعين التي تتعدى خط الحماية المحدد بسقف مائة ألف دولار.
ويخشى المسؤول من تحول الاستحقاق الرئاسي إلى «متاهة» الخلافات الداخلية وتشعباتها الخارجية، ما سيفضي إلى تقويض الجهود المبذولة والمطلوبة لتعجيل الانتقال من محطة الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين الذي وقعته الحكومة في أوائل أبريل (نيسان) الماضي، إلى إبرام البرنامج الإنقاذي والإصلاحي المعزز بتمويل بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 4 سنوات، في حين بلغ النزف من احتياطات العملات الصعبة «الخط الأحمر» مع انحدارها دون مستوى 10 مليارات دولار.
بالتوازي، باشرت السلطة النقدية بإصدار تعليمات ملزمة للمؤسسات المالية غير المصرفية، تهدف إلى تأمين انسجام هيكلياتها وأنشطتها مع متطلبات مجموعة العمل المالية الدولية (فاتف) في مجال مكافحة تبييض (غسل) الأموال وتمويل الإرهاب وتجارة الأسلحة، وذلك وفقاً للقواعد والمندرجات التطبيقية والإجراءات الإدارية والتنفيذية التي تضعها مجموعة العمل الإقليمية التي تتخذ من المنامة (البحرين) مقراً لها.
وليس مصادفة في التوقيت والمحتوى، وفقاً للمسؤول المالي، صدور مجموعة تعاميم عن مصرف لبنان المركزي موجهة لهذه المؤسسات التي تقوم بمهام مالية ونقدية خارج الجهاز المصرفي، تزامناً مع مهمة التقصي والمتابعة التي ينفذها الفريق الرقابي التابع للمجموعة الإقليمية في بيروت والتي تشمل المؤسسات الحكومية والرسمية من نقدية وقضائية وأمنية، والمستمرة لأسبوعين حتى نهاية الأسبوع المقبل، على أن تختتم بإعداد تقرير تفصيلي يحدد الثغرات القائمة أو المحتملة لإمكانية مرور عمليات مالية مشبوهة.
وشملت لائحة المؤسسات الملزمة بتطبيق التعاميم الجديدة التي حملت صفة «قرار وسيط» كونها تنص على تعديلات لتعاميم سابقة، كامل الشركات اللبنانية والأجنبية المرخص لها بإصدار بطاقات دفع وإيفاء وائتمان، وطرد مجموع العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية، ومؤسسات الوساطة المالية وهيئات الاستثمار الجماعي، ومؤسسات الصرافة، والمصارف والمؤسسات المالية وشركات الإيجار التمويلي التي تصدر وتروج بطاقات الإيفاء أو الائتمان العاملة في لبنان، و«كونتوارات» التسليف.
وتنص التعليمات عموماً، على تعيين ضابط امتثال على مستوى إدارة المجموعات، وتزويده بالمعلومات المتعلقة بالعملاء والحسابات والعمليات من الفروع والشركات التابعة. فضلاً عن توفير ضمانات كافية بشأن السرية واستخدام المعلومات المتبادلة، بما يشمل ضمانات لعدم إعلام أو تنبيه العميل، والحصول على موافقة الإدارة العليا قبل إقامة أي علاقة مع بنوك مراسلة والتثبت من تطبيقها لمتطلبات «العناية الموجبة» تجاه العملاء.
كذلك، ينبغي التأكد بالنسبة للفروع والشركات التابعة العاملة في الخارج التي تمثل أغلبية فيها، من تطبيقها لإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب المفروضة في لبنان عندما تكون متطلبات الحد الأدنى في الدولة المضيفة أقل صرامة من تلك المطبقة محلياً.
وفي حال كانت الدولة المضيفة لا تسمح بالتنفيذ الملائم لتدابير خاصة بمكافحة تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب تكون منسجمة مع الإجراءات المعمول بها في لبنان، على المجموعة المالية تطبيق إجراءات إضافية مناسبة لإدارة المخاطر وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة لدى البنك المركزي بذلك.
وتفرض التعليمات الجديدة التي تصبح نافذة بعد صدورها في الجريدة الرسمية، الاحتفاظ بجميع السجلات التي يتم الحصول عليها من خلال إجراءات العناية الواجبة تجاه العملاء وصاحب الحق الاقتصادي لمدة 5 سنوات على الأقل، على أن تكون كافية للسماح بإعادة تركيب العمليات الفردية، بحيث تكون هذه السجلات عند الضرورة دليلاً للادعاء والملاحقة في حال وجود أي نشاط جرمي.
أيضاً، تم الطلب من المؤسسات المعنية اعتماد سياسة خاصة وضوابط وإجراءات من قبل الإدارة العليا تستند إلى الموجبات المنصوص عليها لتصنيف المخاطر وخفضها. وتوثيق نتائج تقييم المخاطر عند اللزوم وحفظها لتزويد السلطات المختصة بها عند الضرورة؛ وتطبيق إجراءات العناية الواجبة على عملائها الحاليين على أساس الأهمية النسبية والمخاطر، واتخاذ تدابير العناية الواجبة تجاه علاقات العمل الحالية في أوقات مناسبة، مع الأخذ بالاعتبار ما إذا كانت إجراءات العناية الواجبة قد تم اتخاذها وموعدها ومدى كفاية البيانات المستحصل عليها. وثمة توجس في الأوساط المعنية يرقى إلى مستوى التوقعات الجدية، بأن وضع لبنان «ليس على ما يرام» لجهة تكاثر الثغرات التي يمكن للجرائم المالية النفاذ عبرها إلى القنوات المالية الشرعية، ما يثير الشكوك المشروعة أو الاحتمالات المرجحة لحصول عمليات تبييض أموال؛ وبالتالي إخضاعه لبرنامج التقييم المشترك الذي ينذر ببلوغ مرحلة الانضمام إلى تصنيف «الدول الرمادية».
ومن شأن الوقوع في المحظور «الرمادي»، أن يفاقم خصوصاً تعقيدات العمليات المالية عبر الحدود وشبكة العلاقات مع البنوك المراسلة. علماً بأن الفريق الإقليمي سيستخلص بحصيلة جولته النتائج التي سيتم عرضها على أول اجتماع دوري للمجموعة في الخريف المقبل؛ ثم تعود بتقرير مفصل وخريطة طريق إصلاحية ومفصلة للجانب اللبناني، وبما يشمل تحديد المشكلات ودور السلطات والهيئات في معالجتها أفرادياً وبالتكافل من قبل الهيئات المعنية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 10 وإصابة 17 في صور

TT

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 10 وإصابة 17 في صور

تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)
تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

أفادت الوكالة اللبنانية اليوم (الأثنين) بمقتل 10 أشخاص وإصابة 17 آخرين في غارات إسرائيلية على صور بجنوب البلاد، فيما تجددت الغارات على ضاحية بيروت الجنوبية بعد إنذارات إسرائيلية للسكان بالإخلاء.

ونقلت وسائل إعلام لبنانية في وقت سابق من اليوم (الاثنين) وقوع غارتين إسرائيليتين على الضاحية الجنوبية في بيروت. وتصاعدت سحابتا دخان وغبار ضخمتان من المنطقة، إثر غارتين على الأقل، بعدما كان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للغة العربية أفيخاي أدرعي حدّد عبر منصة «إكس» ثلاثة أبنية في حارة حريك، طالباً من السكان إخلاءها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن الطائرات الحربية شنت غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت مستهدفة ما وصفه بأنه «مقرات قيادة عسكرية تابعة لـ (حزب الله)».

وأضاف في بيان، «تأتي هذه الغارات في إطار ضربات تستهدف قدرات (حزب الله) لتنفيذ مخططات إرهابية ضد دولة إسرائيل، وفي إطار الجهود الرامية لتدمير مواقع الإنتاج ومستودعات الأسلحة التي أقامها (حزب الله) على مدار السنوات الماضية في منطقة الضاحية».

وكان أدرعي قد نشر، في وقت سابق اليوم، عبر موقع «إكس»، إنذاراً بالإخلاء «إلى جميع السكان الموجودين في منطقة الضاحية الجنوبية». وتابع :«أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله) حيث سيعمل ضدها جيش الدفاع بقوة على المدى الزمني القريب».

وكانت بلدات يحمر الشقيف والجبل الأحمر بين حاروف وشوكين وزبدين في جنوب لبنان تعرضت صباح اليوم (الاثنين) لغارات إسرائيلية، بحسب ما أوردته «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية.

وأسفرت الغارات الحربية الإسرائيلية الكثيفة في بلدة يحمر الشقيف، عن تدمير 15 منزلاً. كما سُجلت غارات على أرنون وكفرتبنيت وحرج علي الطاهر ومحيط قلعة الشقيف وعلى مجرى الليطاني بين زوطر وديرسريان وبين شوكين وميفدون وأطراف كفرصير، بالإضافة إلى ثلاث غارات على عين قانا في إقليم التفاح.

من جانبه، أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيانين منفصلين، اليوم الاثنين، أن عناصره استهدفت مستوطنة شتولا وتجمعاً لقوات إسرائيلية شرق مدينة الخيام، بـ«صلية صاروخية»، وفق ما أوردته «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية.