أماكن التنزه في مصر بين معضلة المجانية والسلوكيات «المخالفة»

خبراء يطالبون بفرض رسوم لدخولها

حديقة عفلة بالقناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
حديقة عفلة بالقناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
TT

أماكن التنزه في مصر بين معضلة المجانية والسلوكيات «المخالفة»

حديقة عفلة بالقناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
حديقة عفلة بالقناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

مع توسع السلطات المصرية أخيراً في إعادة إحياء متنزهات وحدائق عامة قديمة أو إنشاء أخرى جديدة، يتفجر سجال بين من يطالبون بإتاحة دخول هذه المتنزهات مجاناً باعتبارها متنفساً لجميع المصريين، على غرار عدد كبير من بلدان العالم، وبين من يرون أهمية فرض رسوم رمزية لدخولها من أجل رفع وعي الزائرين، وإدراكهم لأهميتها لعدم إحداث تلفيات بها.
ويدور في مصر حالياً سجال واسع بين الفريقين بشأن فرض رسوم على دخول ممشى «أهل مصر»، بكورنيش القاهرة؛ حيث طالب برلمانيون وآلاف المتابعين الحكومة المصرية بالتراجع عن القرار وإلغاء الرسوم التي يبلغ مقدارها 20 جنيهاً (أكثر من دولار أميركي).
ممشى «أهل مصر» ليس النموذج الوحيد، الذي يتم السماح بدخوله برسوم بعدما بات الدخول إلى معظم حدائق القاهرة والمحافظات الأخرى لا يتم إلا عن طريق التذاكر المدفوعة.
ويرى الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن الأمر لا يستهدف الضغط على المواطن، بينما ثمة أهداف قومية واضحة يعكسها اتجاه الحكومة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «التوجه نحو فرض رسوم للاستمتاع بالمتنزهات العامة أمر قد تكون مصر في حاجة له راهناً، ليس بهدف اقتصادي، بينما هو نمط يستهدف تقويم سلوك المواطن، لا سيما أننا نعاني من آفة الاستهانة بقيمة كل ما يقدم بالمجان، غير أن دفع قيمة مادية، ولو محدودة، تدفع المواطن نحو الحفاظ على الخدمة المقدمة». ويردف: «كذلك، ثمة مردود اقتصادي محدود دفع لفرض الرسوم على المتنزهات العامة في مصر، يتمثل في أن يذهب دخل هذه المرافق إلى الجهات الحكومية المسؤولة عن صيانتها ومتابعة تطويرها، ما يضمن للمواطن وللدولة استمرارية عملية التطوير، هذا من شأنه أن يتماشى مع الاتجاه العام للدولة المصرية».
المساحات الخضراء تعد من العناصر الأساسية عند التخطيط للمدن ليس بغرض الترفيه فحسب، بينما بغرض تحقيق التوازن البيئي، لكن بسبب التوزيع السكاني في مصر، لا تتجاوز المساحات الخضراء سوى 10 في المائة من المساحات الواجب توافرها لعدد سكان مصر، حسب بيانات رسمية صدرت من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2018.
وتضم مصر بكامل محافظاتها 1800 حديقة، تتنوع بين المجانية وأخرى برسوم محدودة نسبياً، وحسب البيانات الرسمية، تحظى القاهرة بنصيب الأسد بينما تختنق محافظات أخرى بسبب ندرة الحدائق.
من جانبه، يعلق الخبير السياحي المصري، محمد كارم عز الدين، على قرار الرسوم، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ضمان الحفاظ على المتنزهات العامة يعتمد على وجود فريق من العمالة المسؤولة عن الحفاظ على نظافتها وصيانتها، في وقت ربما لا تتحمل الدولة توفيره، بينما دفع رسوم محدودة يضمن للمواطن نزهة ثرية ومستمرة في السنوات المقبلة، وإذا نحن بصدد بناء وطن علينا أن نفكر في ضمانات لحياة تناسب الأجيال القادمة».
وطوّرت مصر، أخيراً، عدة حدائق تاريخية تضم أشجاراً نادرة من بينها «عفلة» بمدينة القناطر الخيرية، التي تم تحديد تذكرة دخولها أيام الخميس والجمعة والسبت، 40 جنيهاً للفرد الواحد.
ويضيف كارم أن «أعلى رسوم لمتنزهات عامة لا تتخطى 50 جنيهاً، صحيح أن المواطن تحت وطأة أزمة اقتصادية، لكن هذا المبلغ المحدود لن يكون له أثر سلبي إلى هذا الحد، بينما يمكن أن يضمن للمرافق العامة استمرارية الجودة والتطوير، وهنا يتعين على المواطن أن يرعى مسؤوليته المجتمعية».
وبينما يرى خبراء أن القيمة المدفوعة للتمتع بالمتنزهات التي يجري تطويرها لا تتناسب مع الخدمة المقدمة، فإن متابعين يرون عكس ذلك، استشهاداً بمتوسط دخل المواطن المصري، ومرور البلاد بأزمة طاحنة بعد ارتفاع الأسعار.
ووفق بيان أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فإن معدل الفقر في مصر يُقدر بـ29.7 في المائة في عام 2019 – 2020، ما يعد تراجعاً مقارنة بعام 2017 - 2018، وحسب البيانات الرسمية، فإن هذه النسبة هي الأقل خلال الـ20 عاماً السابقة. كذلك، في أبريل (نيسان) الماضي، تم تنفيذ قرار رفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 2700 جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 18.9 جنيه مصري).
يقول عبد البصير: «صحيح أن قضية فرض رسوم على المتنزهات العامة محل سجال بارز على مواقع التواصل الاجتماعي لكن بتحقيق التوازن ومراعاة ظروف المواطن، يمكن أن يستمر هذا الاتجاه في الصعود، ما يضمن تحسين المظاهر العامة للشوارع المصرية، وهذا من شأنه أن ينعكس لا شك على أداء المواطن».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تقترب من إسناد إدارة مطاراتها للقطاع الخاص

جانب من مطار القاهرة الدولي (وزارة الطيران)
جانب من مطار القاهرة الدولي (وزارة الطيران)
TT

مصر تقترب من إسناد إدارة مطاراتها للقطاع الخاص

جانب من مطار القاهرة الدولي (وزارة الطيران)
جانب من مطار القاهرة الدولي (وزارة الطيران)

اقتربت الحكومة المصرية من «إسناد إدارة المطارات للقطاع الخاص». ووفق متحدث مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، فإن «الحكومة في المراحل الأخيرة من وضع خطة أو برنامج طرح إدارة المطارات للقطاع الخاص، وسيتم الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة».

وأعرب الحمصاني عن أمله في أن «يكون الطرح خلال 2025 يعقبه إعلان التوقيتات الخاصة بالتطبيق على أرض الواقع»، مؤكداً في تصريحات متلفزة، أخيراً، أن «الرؤية التي يجري الانتهاء منها تتم بالاتفاق مع مؤسسة التمويل الدولية، باعتبارها مستشاراً لبرنامج الطرح».

وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد التقى مطلع الشهر الحالي مسؤولي تحالف «مصري - فرنسي» لاستعراض مقترح مقدم للتعاون مع الحكومة في تشغيل وإدارة المطارات، بحضور وزير الطيران وعدد من المسؤولين، وهو التحالف الذي يضم شركة «حسن علام» المصرية، و«مجموعة مطارات باريس» التي أكد نائب رئيسها التنفيذي، خافيير هورستيل، رغبتهم في عقد «شراكات طويلة الأمد مع الحكومات ومشغلي قطاع الطيران حول العالم».

وبحسب بيان الحكومة المصرية، الشهر الحالي، فإن المجموعة الفرنسية المنضوية في التحالف «لديها شراكات مع 26 مطاراً في 18 دولة حول العالم، واستقبلت نحو 336.5 مليون مسافر خلال العام الماضي».

مصطفى مدبولي خلال لقاء «التحالف المصري - الفرنسي» مطلع الشهر الحالي (مجلس الوزراء المصري)

وعدّ وكيل لجنة «السياحة والطيران» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، أحمد الطيبي، أن «التوجه الحكومي لإسناد إدارة المطارات للقطاع الخاص يهدف إلى تحسين جودة الخدمة المقدمة في المطارات المصرية المختلفة»، مؤكداً أن الشركات التي تسند إليها مثل هذه الأعمال «تكون لديها قدرات تشغيلية كبيرة وتجارب سابقة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الاستعانة بهذه الشركات ستجعل هناك تعاملاً مختلفاً داخل المطارات المصرية من جانب الإدارة والتشغيل، بالإضافة إلى العوائد المالية التي تسدد للحكومة مقابل حقوق الإدارة ونسب الأرباح التي سيجري الاتفاق عليها، فضلاً عما ستكتسبه العمالة الموجودة من تدريبات وخبرات جديدة، بجانب ما قد يتم من زيادات في الرواتب.

رأي يدعمه أستاذ التمويل والاستثمار في مصر، محمد باغة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود القطاع الخاص سيؤدي إلى تحسين إدارة المطارات، وبالتبعية تحسين الإيرادات، فضلاً عن ضخّ رأس مال جديد بهدف التحسين والتطوير».

وأشار إلى وجود كثير من التجارب لدول حول العالم قامت بتفعيل شراكات مع القطاع الخاص، الأمر الذي أدّى إلى «تحسين في جودة الخدمة المقدمة وسرعتها»، ما ستكون له انعكاسات إيجابية على حركة السياحة والمترددين المتعاملين مع المطارات المختلفة.

مسؤولون مصريون خلال جولة تفقدية في مطار شرم الشيخ (وزارة الطيران)

وتعتزم الحكومة المصرية إتاحة الفرصة للشركات والتحالفات الدولية لتقديم عروض بشأن إدارة المطارات التي ستطرح في المرحلة الأولى، فيما نفت عدة مرات في وقت سابق ما تردد حول التوجه نحو «بيع المطارات»، مؤكدة أن الشراكات التي ستبرم مرتبطة بحقوق «الإدارة والتشغيل»، بما يسمح بتحسين جودة الخدمة المقدمة للمترددين على المطارات المختلفة.

وبحسب وكيل لجنة «السياحة والطيران» بـ«النواب»، فإن وجود القطاع الخاص بالمطارات والحرص على الاهتمام بالتطوير المستمر ومواكبة أحدث النظم العالمية، أمور تدعم الترويج للسياحة المصرية، خاصة أن المطار أول مكان يراه السائح وآخر موقع يتعامل معه، وبالتالي يجب أن يكون الانطباع عنه إيجابياً، مشيراً إلى أن «التغيرات التي حدثت في شكل وطبيعة الإدارة وطريقة تعامل الدولة مع القطاع الخاص، ستجعل هناك إصراراً على التمسك بنجاح التجربة وتحقيق أقصى استفادة منها».