الاستحقاق الرئاسي في لبنان يعمق التباعد بين الأقطاب المسيحيين

جبران باسيل (إ.ب.أ)  -  العماد جوزيف عون (غيتي)
جبران باسيل (إ.ب.أ) - العماد جوزيف عون (غيتي)
TT

الاستحقاق الرئاسي في لبنان يعمق التباعد بين الأقطاب المسيحيين

جبران باسيل (إ.ب.أ)  -  العماد جوزيف عون (غيتي)
جبران باسيل (إ.ب.أ) - العماد جوزيف عون (غيتي)

وسعت المنافسة على رئاسة الجمهورية في لبنان المسافة بين القوى السياسية المسيحية، التي لم تلتقِ بعد على مرشح واحد، قبل نحو مائة يوم على نهاية عهد الرئيس ميشال عون، في ظل «لا موقف محسوم» من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل حول ترشحه للمنصب، ومحاولة حشد رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية التأييد، وطرح اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشح تسوية، وسط نقاش لم يخرج من إطار العموميات والمواصفات بين القوى الحليفة حتى الآن.
وترتفع آمال معظم القوى السياسية بأن الاستحقاق سيجري في موعده، ما لم يحصل أمر طارئ. ويستند ذلك إلى قناعة داخلية تضع على جدولها أسماء مطروحة بدأت تتقلص مع اقتراب مهلة تحول البرلمان إلى هيئة ناخبة في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، كما تستند تلك القناعة إلى «ضغوط دولية تشبه ضغوطاً مورست قبل الانتخابات النيابية الأخيرة لإجراء الاستحقاق في موعده»، بموازاة «رسائل إيجابية إقليمياً حول ضرورة التوصل إلى صيغة تتيح انتخاب الرئيس»، حسبما تقول مصادر نيابية مواكبة للحراك الدولي والمحلي القائم.
وتشدد المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن الجو الدولي «مريح»، وثمة «مصالح للقوى الكبرى بالاستقرار السياسي في البلاد الذي يتيح الاستثمارات، ومنع البلاد من الغرق في الفشل في حال كانت هناك دولة». وتتزامن تلك المؤشرات مع «أجواء مريحة» رصدتها طبقة رجال الأعمال المحلية من الضغوطات الدولية في هذا الاتجاه. وأكدت المصادر ضرورة التوافق حول المواصفات ثم الاسم، «منعاً لاستخدام أي طرف فيتو ضد أي اسم»، وعليه، تنظر إلى أن الرئيس «ملزم بأن يكون تسووياً».
- باسيل وفرنجية
ضمن هذه الشروط، تتقلص حظوظ مرشحين طبيعيين من رؤساء الأحزاب، في حال لم ينخرطا في تسويات سياسية وحشد تأييد واسع يجب أن يشمل قوى مسيحية أيضاً. وبينما لم تبدأ بعد الاتصالات المكثفة بين القوى السياسية لبحث الملف، لم يعلن «حزب الله» حتى الآن أي موقف، فيما يتوقف تأييد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على دعم النائب جبران باسيل، وهو أمر غير واضح حتى الآن، ويُستدل إليه في تصريحات باسيل الأخيرة. إذ قال باسيل في حديث لمحطة «المنار» ليل الجمعة: «أستطيع أن أكون رئيساً أو صانع رئيس حسب الظرف»، لافتاً إلى أنه «مرشح طبيعي»، أي كماروني ورئيس أكبر تكتل نيابي. وأضاف: «لا أصبح مرشحاً رئاسياً إلا عندما أعلن ذلك أو أتحرك من أجل ذلك». وإذ أكد «أنني لا أرى السبب اللازم لتأييد فرنجية بسبب الاختلاف بالموضوع الداخلي»، رغم الاتفاق على ملفات استراتيجية، قال: «أعرف أنه لا يجب التسكير على أي احتمال، ويمكن الاتفاق مع فرنجية والقريبين عليه بالسياسة على أحد، أو مع (القوات) على أحد... لكن الهم الأول بالنسبة لي هو أننا إذا لم نكن نحن، فيجب أن ننقل تمثيلنا لأحد، لكن مرفوض بالكامل أن يأتي شخص لا تمثيل له أو بلا تمثيل منقول إليه إلى الرئاسة».
ويحتاج انتخاب الرئيس إلى تأمين نصاب نيابي في البرلمان بأغلبية الثلثين، وانتخاب الرئيس في الدورة الأولى بأكثرية الثلثين، وهو ما يدفع القوى السياسية للتأكيد على ضرورة عدم مقاطعة الجلسة، في حين يرى كثيرون أن التوافقات المسبقة ستسهل عملية تأمين النصاب وتأمين الأصوات للرئيس المقبل.
وعلى ضفة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، كان رئيسه وليد جنبلاط أعلن أنه لا يؤيد وصول باسيل وفرنجية، لأن جنبلاط يدفع باتجاه انتخاب رئيس لا يكون محسوباً على طرف سياسي، حسب ما تقول مصادر «الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط»، مشددة على أن موقف جنبلاط «واضح لجهة اختيار رئيس قادر على مخاطبة الدول العربية والمجتمع الدولي». وقالت المصادر إن الاشتراكي «لم يتعمق بالأسماء، ولا تزال النقاشات حول الشكل والمعايير ولم تدخل في العمق قبل 40 يوماً من بدء الاستحقاق»، مشددة على ضرورة أن تحضر كل الكتل جلسات انتخاب الرئيس ولا تقاطعها، بهدف التوصل إلى انتخاب رئيس جديد.
- قائد الجيش
في ظل عدم وضوح في المشهد الآن، يُطرح اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون للرئاسة، وهو يحتاج إلى تعديل دستوري في حال التوافق عليه. غير أن قائد الجيش لا يتناول هذا الملف في أي من تصريحاته أو لقاءاته، وتقول مصادر قريبة من وزارة الدفاع لـ«الشرق الأوسط»، إنه مشغول بتأمين معيشة العسكريين، وتوفير الظروف الملائمة لهم صحياً ومعيشياً بهدف الحفاظ على الاستقرار في البلاد، كون المؤسسة (الجيش)، ورغم ما تعانيه من شح في الموارد وتدهور قيمة الرواتب وتزايد الاحتياجات، تكاد تكون الوحيدة بين المؤسسات الرسمية الأخرى، التي تحافظ على استمراريتها وتنفذ مهامها على امتداد مساحة البلاد «بجهوده ومتابعته الدائمة مع العسكريين والضباط».
في الأروقة السياسية، يبدو الأمر مختلفاً، إذ يُطرح اسم العماد جوزيف عون شخصية محايدة وغير مسيسة للرئاسة، من ضمن الخيارات غير الحزبية، ورغم أنه في تجربته لم يراعِ القوى السياسية في التعيينات والمهمات، ينظر البعض إلى أن هذه التجربة قد تكون عاملاً مساعداً، في مقابل من يراها معوقاً، عملاً بالتجربة اللبنانية.
وتقول مصادر مواكبة لعلاقات قائد الجيش مع القوى السياسية، إنه في وقت سابق «لم يعبأ بالانتقادات السياسية حين عين ضباطاً في مواقع حساسة»، من بينها تعيين قادة لمخابرات الجيش في أكثر من منطقة، من دون مراجعة قوى سياسية نافذة في تلك المناطق. ورداً على تقديرات تتحدث عن أن «حزب الله» يضع «فيتو» على اسم قائد الجيش، تقول المصادر إن علاقته مع الحزب طبيعية، ولم تنقطع علاقاته واتصالاته مع أي من القوى السياسية التي تراجعه. وتوضح في ملف العلاقة مع الحزب: «لم يحصل أي توتر في العلاقة بينهما، وليس هناك من سبب لتوتر بينهما، فالحزب كما قائد الجيش يعرفان أن ملف الجنوب هو ملف دولي، وينفذ الجيش المهام المنصوص عليها في القرارات الدولية وتفويض الحكومة اللبنانية له، أما ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فإن الجيش لم يعد معنياً بالملف منذ نهاية جولة المفاوضات غير المباشرة الأخيرة في مايو (أيار) 2021».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».