حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، من أن برنامج إيران النووي «يتقدم بسرعة»، وأن رصد الوكالة لما يجري هناك محدود للغاية. وفي طهران، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن 96 في المائة من نص الاتفاق النووي جاهزة، مشيراً إلى أن ما ينقصه يعود إلى طلب طهران الحصول على «ضمانات اقتصادية».
وبدأت إيران في يونيو (حزيران) في إزالة كل معدات المراقبة وكاميرات الوكالة التي وُضعت بموجب الاتفاق النووي الموقّع في 2015 مع القوى العالمية، وذلك رداً على إدانتها في مجلس محافظي «الطاقة الدولية» بشأن التحقيق حول المواقع السرية. وقال غروسي حينها إن الأمر قد يشكّل «ضربة قاتلة» لفرص إحياء الاتفاق الذي انسحبت الولايات المتحدة منه عام 2018.
وقال غروسي الذي يزور مدريد في مقابلته مع «إل باييس» الإسبانية نُشرت أمس (الجمعة)، إن «الخلاصة هي أنه على مدى ما يقرب من خمسة أسابيع كانت لديّ رؤية محدودة للغاية مع برنامج نووي يتقدم بسرعة. لذلك إذا تم التوصل لاتفاق سيكون صعباً للغاية بالنسبة لي أن أعيد بناء الأحجية بوجود كل تلك الفترة من العمى الإجباري»، حسبما نقلت «رويترز».
وأوقفت طهران العمل بالبرتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي في فبراير (شباط) العام الماضي، وقلصت بموجب الخطوة تعاونها مع فريق مفتشي «الطاقة الدولية». ولم تحصل الوكالة منذاك على تسجيل كاميرات فيديو مخصصة للتحقق من أنشطة إيران الحساسة، قبل أن توسع نطاق وقف الكاميرات الشهر الماضي.
وتحذّر قوى غربية من أن إيران تقترب من التمكن من الإسراع صوب صنع قنبلة نووية، بينما تنفي إيران رغبتها في ذلك من الأساس.
وقال غروسي إن إعادة بناء هذه الأحجية بالأجزاء المفقودة والناقصة بسبب غياب المراقبة من الوكالة «ليس مستحيلاً... لكنه سيتطلب مهمة بالغة التعقيد وربما بعض الاتفاقات المحددة»، مشيراً إلى أن الوكالة «تحتاج لإعادة بناء قاعدة بيانات من دونها سيتأسس أي اتفاق على أساس هش للغاية لأننا إذا لم نعرف ما الذي هناك، كيف يمكننا أن نحدد كمية المواد التي نصدرها وعدد أجهزة الطرد المركزي التي سنتركها دون استخدام؟».
ولدى سؤاله عن تقرير نشرته «رويترز» عن تصعيد إيران لأنشطة تخصيب اليورانيوم أكثر باستعمال معدات متقدمة في منشأة «فوردو» تحت الأرض، قال غروسي: «التقدم الفني للبرنامج الإيراني مستقر».
وأفاد التقرير بأن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من الجيل السادس يمكنها التبديل بسهولة أكبر بين مستويات التخصيب. مؤكداً أن الوكالة تحققت من أن إيران بدأت في ضخ سادس فلوريد اليورانيوم المخصب، لإنتاج يورانيوم - 235 بدرجة نقاء تصل إلى 5 في المائة، في سلسلة تتألف من 166 جهاز طرد مركزي من طراز «آي آر - 6» برؤوس فرعية معدلة للغرض المعلن وهو إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 20 في المائة.
وبدا إحياء الاتفاق وشيكاً في مارس (آذار) بعد 11 شهراً من الجهود الدبلوماسية، لكن المحادثات تعثرت بسبب مطالب روسية في اللحظة الأخيرة وأخرى إيرانية بإلغاء إدراج «الحرس الثوري» من قائمة أميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. وأوضحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لا خطط لديها لرفع اسم «الحرس الثوري» الإيراني من القائمة، وهي خطوة ستكون ذات تأثير عملي محدود على الأرجح لكنها ستُغضب الكثير من المشرعين الأميركيين.
وقال دبلوماسيون إيرانيون وغربيون إن العقبات الأخرى المتبقية أمام الاتفاق تشمل تقديم تأكيدات بأن واشنطن لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى وأن تسحب الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطالبها المتعلقة بأنشطة طهران النووية.
واستضافت الدوحة في نهاية يونيو محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة سعياً لردم الهوّة بينهما، لكنّ تلك المحادثات توقفت بعد يومين من دون تحقيق أي اختراق.
- تمسُّك بالثأر
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي ليل الخميس: «نحن الآن في هذه المرحلة لدينا نصّ جاهز أمامنا (لإحياء الاتفاق)، نتفق مع مختلف الأطراف على 96 في المائة من مضمونه».
وأضاف: «لا نريد أن نُلدغ من جحر واحد مرتين. لكي نحصل على كامل الفوائد الاقتصادية من الاتفاق النووي على الأميركيين أن يقبلوا تقديم التزامات وضمانات». وتابع: «نحن جدّيون في الوصول إلى اتفاق جيد، صلب، ومستدام، لكننا لا نريد إبرام اتفاق بأي ثمن كان»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
في نفس السياق، نقلت مواقع رسمية إيرانية عن عبداللهيان قوله للتلفزيون الإيراني إنه على هامش المفاوضات تلقت إيران معلومات من الوسطاء الذين ينقلون الرسائل الأمیركية بأن الإدارة الأميركية تنفق مليوني دولار لحماية بومبيو (وزير الخارجية الأمیرکي)، على خلفية تهديدات إيرانية بالثأر لمقتل قاسم سليماني، العقل المدبّر لعمليات «الحرس الثوري» في الخارج والذي قضى مطلع 2020 بضربة جوية أميركية أمر بها ترمب قرب مطار بغداد.
وأوضح عبداللهيان: «في مرحلة من المفاوضات، سعى الجانب الأميركي لنقل مخاوفه في إطار المقايضات عبر الوسطاء، لكننا رفضنا الأمر بشدة ونتابع القضية بجدية في وزارة الخارجية والقضاء».
وقال قائد القوات البحرية في «الحرس الثوري» الإيراني علي رضا تنكسيري، في 21 أبريل (نيسان) الماضي، إن «العدو وجّه رسائل تفيد بأنه إذا تخلينا عن الثأر لسليماني فإنهم سيقدمون لنا بعض التنازلات أو يرفعون بعض العقوبات»، وأضاف: «هذا محض أوهام... الثأر أمر حتمي، وسوف نختار الوقت والمكان لذلك». وفي 13 أبريل، قال قائد القوات البرية في «الحرس» محمد باكبور: «حتى إذا قُتل كل القادة الأميركيين، فإن ذلك لن يكفي للثأر لدماء سليماني. علينا أن نتّبع خطى سليماني ونثأر لمقتله بأساليب أخرى».
وقال الكثير من المصادر إن إيران رفضت شرطاً أميركياً للالتزام بخفض التصعيد الإقليمي، مقابل تخفيف القيود عن الجهاز العسكري الموازي للجيش النظامي.
- تبادل اللوم
تبادلت إيران والقوى الغربية هذا الأسبوع الشكوك بنيات كل منهما في العودة إلى الاتفاق النووي. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس (الخميس)، إن طهران لم تحسم قرارها بعد بشأن الامتثال لكل مندرجات الاتفاق مجدداً.
وقال برايس في مؤتمر صحافي: «يبدو أن (إيران) لم تتخذ بعد القرار السياسي أو القرارات المطلوبة من أجل تحقيق عودة متبادلة للامتثال للاتفاق النووي». وأضاف: «لقد واصلنا الانخراط في الدبلوماسية غير المباشرة مع إيران، بفضل جهود الاتحاد الأوروبي والشركاء الآخرين». وتابع: «لكنّ إيران، أقله حتى هذه المرحلة، لم تبدِ ميولا» لإنجاز تفاهم.
وجاء الرد سريعاً من المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الذي ألقى باللوم على الولايات المتحدة بأن «عدم اتخاذها القرار يمنع التوصل للاتفاق». وكتب على «تويتر» أن «الثنائية الكاذبة بين الاتفاق النووي والعلاقات الجيدة بين إيران والجيران، بما في ذلك روسيا، لا تخفي واقع الأمر أن عدم اتخاذ أميركا قرارها يمنع التوصل للاتفاق النووي» وأضاف: «سياسة إيران في الجوار ليست مرهونة بالاتفاق النووي، أو الإذن الأميركي».
وتخشى الأوساط الإيرانية المؤيدة للاتفاق النووي من فشل الفريق الحالي في إدارة المفاوضات النووية ودفع الولايات المتحدة إلى إعادة تنشيط الإجماع الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، إضافةً إلى أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي، ما يهدد بإعادة ملفها النووي إلى مجلس الأمن، وانهيار اتفاق 2015.
- شكوك غربية
وأعرب رئيس الاستخبارات الخارجية البريطانية ريتشارد مور (إم.آي.6)، عن شكوكه في أن يكون المرشد الإيراني علي خامنئي، يريد إحياء الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، رغم السعي لاستئناف المفاوضات حول هذه المسألة.
وأعرب مور أمام منتدى «آسبن» الأمني في كولورادو، عن اعتقاده أن إحياء هذا الاتفاق النووي هو أفضل وسيلة لكبح البرنامج النووي لإيران. وقال: «لست مقتنعاً بأننا سنصل إلى ذلك... لا أعتقد أن خامنئي يريد الوصول إلى اتفاق»، لافتاً إلى أن «الإيرانيين لن يرغبوا في إنهاء المحادثات أيضاً، لذلك سيستمرون لبعض الوقت». وقال: «أعتقد أنّ الاتفاق موجود على الطاولة. القوى الأوروبية والإدارة (الأميركية) واضحون جداً جداً بهذا الشأن. ولا أعتقد أنّ الصينيين والروس سيعرقلون هذه المسألة. لكنني لا أعتقد أنّ الإيرانيين يريدون» الاتفاق.
والأربعاء، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» ويليام بيرنز، إنّ الوقت الذي تحتاج إليه طهران لصنع قنبلة ذرية بات الآن يُقاس بـ«أسابيع»، بينما كانت هذه المدّة تزيد على عام قبل أن تنسحب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا.
لكنّ بيرنز الذي أسهم في انطلاق المحادثات النووية في 2013 طمأن إلى أنّه «حسب تحليلاتنا للمعلومات التي تمّ جمعها، فإنّ الإيرانيين لم يستأنفوا عسكرة (أنشطتهم النووية) والتي كانوا منخرطين فيها حتى عام 2004»، محذّراً في الوقت نفسه من أنّ «منحى الأمور مقلق فعلاً».
ورداً على تعهد بايدن في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل بالتصدي لسعى إيران بتطوير قنبلة نووية، أرسل مسؤولان إيرانيان هذا الأسبوع إشارات نادرة عن امتلاك طهران القدرة «الفنية» على إنتاج أسلحة نووية. وقال كمال خرازي في تصريحات صحافية إن لطهران «القدرات الفنية لصناعة قنبلة نووية. وقال الدبلوماسي السابق، محمد جواد لاريجاني للتلفزيون الرسمي، إن «إيران لا تسعى لإنتاج أسلحة دمار شامل (...) لكنها إذا أرادت القيام بهذا العمل، فلا أحد يستطيع إيقافها».
«الطاقة الذرية» تحذّر من تراجع رصدها للأنشطة «النووية» الإيرانية
«الطاقة الذرية» تحذّر من تراجع رصدها للأنشطة «النووية» الإيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة