ذهب السودان بين الثروة والنقمة (فيديو)

التعدين التقليدي يدمر الصحة والبيئة

ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان (أ.ف.ب)
ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان (أ.ف.ب)
TT

ذهب السودان بين الثروة والنقمة (فيديو)

ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان (أ.ف.ب)
ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان (أ.ف.ب)

تشتبه السودانية عوضية أحمد في أن كومة من مخلفات التعدين قرب منزلها في قرية نائية بشمال السودان كانت وراء ولادة طلب؛ أصغر أطفالها، مصاباً بالعمى والشلل.
خلال السنوات الأخيرة توافد عدد متزايد من عمال المناجم إلى قرية بانت في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم، والتي تقطنها «أحمد»، بحثاً عن الذهب، مما جعل القرية موقعاً يتخلصون فيه من نفاياتهم المحملة بمواد كيميائية سامة مثل مادة الزئبق التي تستخدم في استخراج الذهب.
وقالت «أحمد»؛ التي كان يستلقي بجوارها طفلها طلب غير قادر على الحركة: «أشقاؤه الأربعة ولدوا بصحة جيدة؛ لكن طلب هو الوحيد الذي ولد بعد انتشار تراب الكرتة (مخلفات تعدين الذهب)».
ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، ويعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون نحو 80 في المائة من كمية الذهب الإجمالية المستخرجة في البلاد.
وساهم انفصال جنوب السودان الغني بالنفط عن السودان في انتشار التعدين التقليدي وازدهاره، خصوصاً في ظل معاناة السودانيين من الظروف الاقتصادية الصعبة وعقوبات دولية تحت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أطاحه الجيش في أبريل (نيسان) 2019 إثر احتجاجات شعبية حاشدة.

ويشكل التلوث الكيميائي الناجم عن استخراج الذهب أخطاراً صحية على مجتمعات التعدين والمقيمين قرب الأماكن التي تنشط فيها أعمال التعدين.
وبحسب منظمة الصحة العالمية؛ فإن التعرض للزئبق يشكل خطراً على الأجهزة العصبية والهضمية والمناعة لدى الإنسان، وقد يكون قاتلاً. إلا إن التعدين يعدّ مصدر ربح سريع ويجذب عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يعانون ظروفاً معيشية صعبة في أحد أفقر بلدان العالم. وفي بانت؛ القرية التي يبلغ عدد سكانها نحو 8 آلاف نسمة، لاحظ العديد من القرويين؛ وبينهم «أحمد»، ظهور العديد من حالات تشوهات المواليد الجدد وإجهاض النساء بعد انتشار نشاط التعدين.
وفي منزل مجاور لمسكن أحمد، قال عوض علي حاملاً ابنته البالغة 8 سنوات: «نفيسة (ابنته) ولدت طبيعية جداً، ونمَت بصورة عادية، وعندما بلغت الثالثة صارت لا تقوى على الحركة ولا الحديث».
من جانبه، قال الجعلي عبد العزيز؛ وهو ناشط مجتمعي في قرية بانت: «منذ 5 سنوات ومع انتشار الكرتة، بدأت تظهر ولادات مشوهة وعمليات إجهاض»، مشيراً إلى أنه في عام واحد ولد 22 طفلاً مشوهاً. وأظهر تقرير صدر في يناير (كانون الثاني) عن مجموعة من الباحثين السودانيين، أن نحو 450 ألف طن من مخلفات تعدين الذهب المليئة بالزئبق تنتشر في المنطقة بولاية نهر النيل.
وأظهرت عينات من الدم والبول ومياه الشرب والتربة في أرجاء عدة من الولاية، مستويات مرتفعة من آثار الزئبق وفق التقرير. وأكد الباحث السوداني في مجال البيئة، صالح علي، أن التخلص من هذه المخلفات يحتاج إلى «مختصين، وتعامل محدد، ويجب أن يتم ذلك بعيداً من أماكن السكن ومصادر المياه».
وفي بانت، غالبا ما يشاهَد المعدّنون اليائسون وهم يحاولون استخراج المعدن النفيس من أكوام الكرتة، آملين في تخفيف وطأة الضغوط الواقعة على عائلاتهم نتيجة الاضطرابين السياسي والاقتصادي في السودان.
وأدى الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد، خصوصاً بعدما أوقف المجتمع الدولي بعض المساعدات المالية للبلاد التي تشهد ارتفاعاً شديداً في معدل التضخم تصاحبه أزمة في توافر النقد الأجنبي. وفي أحد مواقع التعدين، على مسافة نحو 50 كيلومتراً من قرية بانت، كان محمد عيسى يخلط الزئبق بالرمل في وعاء معدني كبير، آملاً في أن يفصل الذهب عن المعادن الأخرى.
وقال عيسى إنه ترك الزراعة والرعي في ولاية شمال كردفان في وسط البلاد بحثاً عن المعدن الأصفر. وأَضاف الشاب البالغ 25 عاماً، وهو يمسك بيديه العاريتين مزيجاً مليئاً بالزئبق: «هذه هي الطريقة التي يفعلها الناس هنا».
في عام 2019، أصدرت حكومة السودان الانتقالية؛ التي حُلت بموجب الانقلاب العسكري، قراراً يحظر استخدام الزئبق بعد احتجاجات ضد استخدامه في مناجم الذهب بمنطقة كردفان.
لكن القرار لم ينفذ إلا بشكل محدود، واستمر عمال المناجم في تنفيذ نشاطاتهم في مناطق معزولة بعيدة، وفقاً للأستاذ في جامعة النيلين السودانية صالح علي صالح. ورفضت الشركة الحكومية التي تشرف على نشاطات التعدين في السودان التعليق. ويُعدّ السودان أحد أكبر منتجي الذهب في القارة الأفريقية؛ إذ بلغ إنتاجه 30.3 طن في النصف الأول من عام 2021 وحده، بحسب الإحصاءات الرسمية. وبلغت عائدات الذهب لخزينة حكومة السودان 720 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2022؛ وفق تقرير التجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي.
ومع استمرار ازدهار النشاط، أعرب صالح عن قلقه بشأن الأثرين الصحي والبيئي للتعدين التقليدي. وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أن «التعدين التقليدي خلف دماراً للبيئة في مختلف مناطق السودان؛ حتى الصحراوية، بالأضرار الفيزيائية التي تسببها الحفر العميقة التي يتركها المُعدّنون».
وأضاف: «من الصعب التحكم في هذا النشاط، والآن انتقل المعدّنون التقليديون من استخدام الطرق البدائية إلى الآليات الثقيلة».


مقالات ذات صلة

حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

شمال افريقيا حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

دفع الصراع في السودان الشركات الدولية المصنعة للسلع الاستهلاكية إلى الدخول في سباق لتعزيز إمدادات الصمغ العربي، أحد أكثر المنتجات المرغوبة في البلاد، ويعد مكوناً رئيسياً لكل شيء بدءاً من المشروبات الغازية إلى الحلوى ومستحضرات التجميل. ويأتي نحو 70 في المائة من إمدادات العالم من الصمغ العربي الذي لا توجد له بدائل كثيرة، من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان الذي يمزقه القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع. وكشف مصدرون ومصادر من الصناعة لـ«رويترز»، أن الشركات التي تخشى من استمرار انعدام الأمن في السودان وتعتمد على المنتج، مثل «كوكاكولا» و«بيبسيكو»، عملت على تخزين إمدادات، وبعضه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا الخزينة السودانية مهددة بفقدان ملياري دولار من عائدات الذهب

الخزينة السودانية مهددة بفقدان ملياري دولار من عائدات الذهب

في وقت ما زالت فيه الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» تدور رحاها في الخرطوم، حذر خبراء اقتصاديون سودانيون بأن تمادي الحرب واتساع رقعتها سيكبدان الاقتصاد السوداني وخزينة الدولة خسائر كبيرة، تجهز على سعر الصرف، وتزيد من متوسط معدلات التضخم، التي بلغت نسبتها 600 في المائة، ويفقدانه أكثر من 50 في المائة من صادرات البلاد. - مطار الخرطوم ووفق تقديرات الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور محمد الناير، فإن خروج مطار الخرطوم من الخدمة، والذي عطل نسبة 5 في المائة من إجمالي الصادرات والواردات السودانية البالغة في مجملها 15 مليار دولار، أفقد الخزينة السودانية صادرات الذهب التي تعادل 50 في المائة من

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا سوداني يقرأ جريدة محلية في مدينة أم درمان (رويترز)

العجز التجاري للسودان يفتح باب زيادة الضرائب

سجل الميزان التجاري في السودان العام الماضي، عجزاً بقيمة 3.5 مليار دولار، ما سيدفع الحكومة إلى تغيير في السياسات المالية النقدية بفرض زيادات جديدة في الضرائب، في ظل تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
شمال افريقيا سوداني يقرأ جريدة محلية في مدينة أم درمان (رويترز)

العجز التجاري للسودان يفتح باب زيادة الضرائب

سجل الميزان التجاري في السودان العام الماضي، عجزاً بقيمة 3.5 مليار دولار، ما سيدفع الحكومة إلى تغيير في السياسات المالية النقدية بفرض زيادات جديدة في الضرائب، في ظل تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
شمال افريقيا مقر الجمارك السودانية (موقع هيئة الجمارك السودانية)

السودان يرفع قيمة الرسوم الجمركية على 130 سلعة مستوردة

رفعت السلطات السودانية رسوم الجمارك على 130 سلعة، من بينها البنزين والغازولين والقمح، وذلك لسد العجز المتوقع في موازنة العام الحالي، والتي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الذاتية للبلاد، وتخلو من أي دعم ومنح خارجية. ويتوقع أن تؤدي هذه الزيادات التي دخلت حيز التنفيذ الفوري إلى ارتفاع في أسعار كثير من السلع المستوردة من الخارج والمنتجة محلياً، في ظل الركود التضخمي الذي تعانيه البلاد.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»
TT

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة»، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال)، وشددت على «ضرورة سرعة تنفيذ الطرق والمرافق بمنطقة شمس الحكمة»، المخصصة لإقامة الأهالي.

و«رأس الحكمة»، مدينة ساحلية تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، على بُعد 350 كيلومتراً تقريباً شمال غربي القاهرة، وتبلغ مساحتها نحو 170 مليون متر مربع.

ودشّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطلع الشهر الماضي، مشروع «رأس الحكمة»، وأكد الرئيسان حينها «أهمية المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، لكونه يُمثل نموذجاً للشراكة التنموية البناءة بين مصر والإمارات»، وفق إفادة رسمية لـ«الرئاسة المصرية».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

وزير الإسكان ومحافظ مطروح خلال تفقد أعمال الطرق والمرافق بـ"شمس الحكمة" (مجلس الوزراء المصري)

وتفقد وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، ومحافظ مطروح، خالد شعيب، السبت، أعمال الطرق والمرافق للأراضي البديلة لـ«رأس الحكمة» بمنطقة «شمس الحكمة».

وأوضح الوزير المصري أن الأراضي البديلة بمنطقة «شمس الحكمة» مخصصة لأصحاب الأراضي بمدينة «رأس الحكمة»، وتشتمل المنطقة البديلة، وفقاً للمخطط، على مناطق سكنية وخدمية، وأنشطة تجارية واستثمارية، إضافة إلى شبكة الطرق الرئيسية.

ونهاية الشهر الماضي، أكدت الحكومة المصرية أنها تتابع مستجدات تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع «رأس الحكمة» مع الشريك الإماراتي. وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في وقت سابق، إنه يتابع بصورة يومية مستجدات الموقف في مدينة «رأس الحكمة»، والعقود الخاصة بالمستحقين للتعويضات من أهالي المنطقة.

مصطفى مدبولي خلال زيارته لـ«رأس الحكمة» اغسطس الماضي (مجلس الوزراء المصري)

كما زار مدبولي مدينة «رأس الحكمة» منتصف أغسطس (آب) الماضي للوقوف على «سير إجراءات تسليم التعويضات المخصصة للمستحقين». وقال حينها إن رأس الحكمة «تحظى بمقومات مميزة، تجعل منها نقطة جذب للاستثمارات ومختلف المشروعات على مدار العام».

وأكدت الشركة القابضة الإماراتية (ADQ) من جانبها في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة «رأس الحكمة» يستهدف ترسيخ مكانتها، بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى، لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».

وشدد وزير الإسكان المصري، اليوم السبت، على ضرورة الإسراع بمعدلات تنفيذ أعمال الطرق والمرافق بمنطقة «شمس الحكمة»، وتكثيف أعداد العمالة والمعدات، مؤكداً «اهتمام الدولة المصرية بتوفير الخدمات لأهالي المنطقة، وتوفير حياة كريمة لهم في مجتمعات حضارية».