«عنصر التحفيز» في ثلاث روايات عربية

عبد الرحمن مبروك يتناوله نموذجاً في كتابه عن آليات المنهج الشكلي

«عنصر التحفيز» في ثلاث روايات عربية
TT

«عنصر التحفيز» في ثلاث روايات عربية

«عنصر التحفيز» في ثلاث روايات عربية

يرى الناقد د. مراد عبد الرحمن مبروك في كتابه «آليات المنهج الشكلي في نقد الرواية العربية المعاصرة... التحفيز نموذجاً» الصادر حديثاً ضمن سلسلة «دراسات أدبية» لهيئة الكتاب المصرية أن الدرس النقدي لا تكتمل جوانبه وأبعاده إلا بالتطبيق. وتكمن مشكلة الدراسات النقدية العربية، حسب مبروك، في أن التنظير دائماً ما يبدو في وادٍ والتطبيق في وادٍ آخر، فضلاً عن أن الجانب التنظيري في بعض منها يبدو طاغياً على التطبيقي.
تضمن الكتاب مبحثين، الأول تنظيري ارتكز على محورين. تناول أولهما مفهوم المنهج الشكلي وتطوره، بداية من الشكلانيين الروس، ونهاية بالبنائيين، وارتكز ثانيهما على آليات تشكيله من حيث المقاربات الشكلية، والمتن والمبنى الحكائيين، والسرد والتحفيز. أما المبحث التطبيقي فقد عني بالتحفيز كنموذج تطبيقي من نماذج المنهج الشكلي، وتضمن 4 محاور، دار الأول حول «التحفيز السياقي»، من حيث التحفيز اللغوي والشخصية والحدث، أما الثاني فقد اهتم بـ«التحفيز الفعلي للمتن الحكائي»، وتم على أساسه دراسة التحفيز الفعلي المركزي، ونظيره الفرعي الثانوي، وانصب الثالث على تحفيز الطبيعة من حيث التحفيز التأليفي، والواقعي والجمالي. أما المحور الرابع فقد تضمن عدداً من العناصر التي تمحورت حول تحفيز الدلالة الموضوعية التي تنوعت بين التحفيز السياسي والاجتماعي والأسطوري والنفسي والتوليدي.
وراعى المؤلف في هذا المحور الأخير تطور آليات المنهج الشكلي، وما طرأ عليها عند الشكلانيين والبنائيين والدلاليين، ثم انتهى بتصور كلي يفيد من الأطروحات السابقة، ويضيف ما يراه متوافقاً مع تطور الراوية العربية المعاصرة التي تندر فيها الدراسات التي تعنى بالتحفيز، وذلك من خلال دراسة مطولة تركزت على 3 روايات، هي «الصياد واليمام» للأديب المصري إبراهيم عبد المجيد، و«المستنقعات الضوئية» للروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و«الغرف الأخرى» لجبرا إبراهيم جبرا.
وفي حديثه عن نموذج «التحفيز» في الروايات الثلاث، ركز مبروك على عدد من العناصر التي تندرج في سياقاته المختلفة، بداية من التحفيز البنائي الذي يتشكل عبر اللغة والمشترك اللفظي، وضرب له مثلاً بطلقات الرصاص عند جبرا إبراهيم جبرا في روايته «الغرف الأخرى» حيث تتكرر في أكثر من موضع في الرواية، وتقوم بدور أساسي في سياق التحفيز الروائي منذ بداية السرد، حيث تمثل صوت القوة السلطوية التي تجعل العصافير والناس والجمهور يفرون من مواقعهم ليسقطوا في حصارهم الأبدي داخل الغرف التي لا نهاية لها.
وفي رواية «الصياد واليمام» يأتي التحفيز عبر المشترك اللفظي في حديث الطفل لأبيه الصياد، وهو يطلب منه أن يأخذه معه ليصطاد العصافير، مبرراً ذلك بقوله: «أنت كبير تصطاد اليمام وأنا صغير أصطاد العصافير»، وهي كلمات مفتاحية، بدأ بها إبراهيم عبد المجيد روايته وتسربت في أحداثها وعبر كثير من مشاهدها حتى نهايتها بتذكره كلمات الشرطي حول مصرع طفله تحت عجلات قطار لا يذكر له رقمه، ويظل هكذا صوت الطفل وتداعيات صورته مسيطراً على وعي الصياد واعتزاله وشعوره بالعدمية والانسحاق والضياع، لأنه كلما صوب بندقيته ناحية طيورها تذكر مصرعه المفجع.
أما عن المشترك اللفظي في رواية «المستنقعات الضوئية» فيشير مبروك إلى أنه يتضح في سياقات كثيرة في النص وبعبارات مختلفة على لسان الراوي، وهو يتحدث عن انفصاله عن زوجته التي تركته لتتزوج صديقه: «طلقتني وتزوجت أخلص صديق لي»، «منذ 4 سنوات طلقتني»، وبهذا المشترك اللفظي يؤكد الكاتب المدلول الإيحائي الذي أراد توصيله عبر الراوي، وهو انفصال الذات عن نفسها عندما تغيب الحرية ويسيطر الضياع بعد فقدانه زوجته التي عاش معها لحظات التوحد والحياة والوجود، غير أنه عندما وضعوه في السجن دون جريمة اقترفها تخلت عنه وتزوجت أعز رفيق في حياته، وهذا الفعل يظل بمثابة صدمة تلازم بطل الرواية كلما استحضر وعيه الماضي، أو ارتد لواقعه الحاضر المر.
ومن مفارقة الصور والألفاظ والمواقف في الروايات الثلاث ينتقل الدكتور مراد عبد الرحمن إلى الحديث عن عناصر تحفيز أخرى، منها تحفيز الشخصية التي تكون دافعاً لحركة شخصيات أخرى في سياق الأحداث، عبر ما يعتمل في طبيعتها من صفات وما تقوم به من تصرفات مثل الكراهية والخوف، بوصفهما نمطي سلوك سلبيين، والتواصل والرغبة والمشاركة كأفعال إيجابية، كما يتحدث عن التحفيز الوصفي للشخصيات التي تتبدل طبيعتها من العطف والمحبة للأنانية والطفيلية، وهو ما يظهر في شخصية زوجة المسجون في رواية «المستنقعات الضوئية» التي تغيرت من رفيقة مخلصة في حياته إلى امرأة خائنة.
هكذا، وفي باقي فصول الكتاب يسعى الدكتور مراد عبد الرحمن في مقارباته للروايات الثلاث للحديث عن عناصر تحفيز أخرى يراها تشكل بنية تدفع الأحداث للتطور حتى النهاية، وتتشكل من خلالها كل وحدة حكائية صغرى، سواء أكانت جملة أو صورة أو موقفاً أو لوحة روائية لتنتج فعالية ما، أساسية كانت أو ثانوية، تطور الأحداث وتدفعها للتنامي داخل متن الراوية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.