هل تُعيد الحرب رسم سياسات الطاقة والمناخ؟

ما بين مقاطعة النفط الروسي والتمسُّك بالغاز

أنابيب لخط الغاز «نورد ستريم» التي تنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا والصورة من مارس الماضي (رويترز)
أنابيب لخط الغاز «نورد ستريم» التي تنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا والصورة من مارس الماضي (رويترز)
TT

هل تُعيد الحرب رسم سياسات الطاقة والمناخ؟

أنابيب لخط الغاز «نورد ستريم» التي تنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا والصورة من مارس الماضي (رويترز)
أنابيب لخط الغاز «نورد ستريم» التي تنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا والصورة من مارس الماضي (رويترز)

لا تزال الخريطة السياسية لمنطقة البحر الأسود تخضع للشدّ والجذب نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، ومعها يشهد قطاع الغاز الطبيعي صراعاً موازياً سيترك أثره على خريطة الطاقة العالمية. وتعدّ صدمة الطاقة التي أحدثتها الحرب الحالية هي الأخطر منذ أزمات النفط خلال سبعينات القرن الماضي، حيث تواجه الكثير من البلدان نمواً سيئاً، وتضخماً متزايداً، وتراجعاً في الاستقرار السياسي والاجتماعي. ولا بد أن تعوق هذه التحديات التزام كثير من البلدان بالأهداف المناخية المعلنة.
مساومة على الغاز الروسي
في شهر يونيو (حزيران) الماضي، تبنى الاتحاد الأوروبي حزمةً سادسةً من العقوبات تتضمن حظر واردات النفط الخام الروسي المنقولة بحراً اعتباراً من ديسمبر (كانون الأول) 2022، وحظر واردات المنتجات البترولية اعتباراً من فبراير (شباط) 2023. وسيتم إعفاء واردات النفط الخام والمنتجات البترولية عبر خطوط الأنابيب لبعض الدول الأعضاء، مثل المجر وسلوفاكيا والتشيك، من العقوبات.
ورغم وجود استثناءات عديدة في حزمة العقوبات، يعتقد الاتحاد الأوروبي أن الحظر المفروض على الواردات النفطية الروسية المنقولة بحراً، فضلاً عن تحرك ألمانيا وبولندا الطوعي لوقف واردات خطوط الأنابيب، سيسمح له بخفض واردات النفط من روسيا بنسبة 90 في المائة. وتشهد تدفقات النفط الخام العالمية تغيُّرات سريعة، حيث اتجهت أوروبا خلال الأشهر القليلة الماضية إلى زيادة وارداتها النفطية من الولايات المتحدة وغرب أفريقيا والشرق الأوسط، رغم محدودية الشحنات الفورية في الأسواق البديلة.
وفي المقابل، أثبتت روسيا قدرتها على الصمود نسبياً خلال الأشهر الماضية، عبر إعادة توجيه صادراتها من النفط والغاز إلى آسيا، ولا سيما الهند والصين. وفي حين تعتمد الهند بشكل كبير على واردات النفط الروسي لتلبية الطلب المحلي، زادت الصين وارداتها مستفيدة من تراجع سعر برميل خام الأورال بنحو 30 إلى 35 دولاراً مقابل خام برنت. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أنه في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام ارتفعت عائدات تصدير النفط الروسي بنسبة 50 في المائة مقارنة مع العام السابق، بفضل ارتفاع الأسعار.
وفي قطاع الغاز الطبيعي، تُعتبر أوروبا أكثر إدماناً على الغاز الروسي، إذ تحصل على 45 في المائة من واردتها الغازية من روسيا وحدها، وهي حصة أكبر بكثير من حصة النفط (27 في المائة). كما أن أوروبا هي أكبر زبون لروسيا في سوق الغاز، ويتم تسليم أغلب الكميات عبر خطوط الأنابيب. وهذا يجعل تحويل الإمدادات إلى دول أخرى صعباً على روسيا إذا قرر الأوروبيون إغلاق الأنابيب.
ويتباين الاعتماد على الغاز الروسي بشكل كبير بين دول الاتحاد الأوروبي، وقد يؤدي القطع المفاجئ لإمدادات الغاز إلى كارثة في بعض الدول مثل ألمانيا، التي تعتمد على روسيا في تأمين 46 في المائة من حاجتها للغاز، وكذلك إيطاليا التي تصل النسبة فيها إلى 41 في المائة. ولذلك من غير المرجّح أن يُقدِم الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات شاملة على الغاز الطبيعي الروسي قبل عام 2024، وفقاً لتوقعات محللين.
وتستفيد روسيا من موقفها القوي في قطاع الغاز، إذ تلوّح بقطعه عن الدول «غير الصديقة»، مثلما فعلت مع بولندا وبلغاريا. كما قامت روسيا قبل أيام بوقف تدفقات الغاز في خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى ألمانيا بسبب الصيانة، ولم تقم بتوفير إمدادات بديلة عبر خطوط الأنابيب الأخرى، مثلما كانت العادة سابقاً. وكانت شركة الغاز الحكومية الروسية «غازبروم» خفّضت صادراتها عبر هذا الخط بنسبة 60 في المائة منذ الشهر الماضي.
وتؤدي هذه التجاذبات إلى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري بشكل مستمر منذ بداية الحرب. ولكن الحرب ليست السبب الوحيد لكل الزيادات، إذ لم يتمكن المنتجون العالميون من زيادة الإنتاج بما يكفي لتلبية طلب العالم، الذي أخذ يعود إلى نشاطه الطبيعي بعد التراجع الذي رافق جائحة كورونا.
وتسببت أزمة الطاقة المتصاعدة في إجبار البلدان الفقيرة، التي استثمرت في البنى التحتية القائمة على الغاز الطبيعي، على تنفيذ برامج تقنين للكهرباء. وتعاني البلدان الأكثر ثراءً من ركود اقتصادي واسع النطاق بسبب تضخم التكاليف. وهذا ما جعل قادة مجموعة الدول الصناعية السبع، خلال قمتهم الأخيرة في بافاريا، يشجّعون ضخ استثمارات كبيرة في البنى التحتية للغاز الطبيعي لمواجهة الوضع، وهي دعوة لاقت انتقاداً كبيراً باعتبارها تراجعاً عن التزامات سابقة تخص العمل المناخي.
ورغم كونه بديلاً أنظف من الفحم، سيترك النمو في البنى التحتية للغاز الطبيعي آثاره السلبية الواضحة على الأهداف المناخية العالمية. ويشير تقرير أصدره «مشروع السلامة البيئية» إلى أن البصمة الكربونية السنوية لجميع التوسعات المقترحة حالياً لمحطات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة ستعادل بصمة 20 محطة تعمل على الفحم.
ويوضح تقرير أصدرته وكالة بلومبرغ مطلع هذا الشهر تأثيرات الغاز الطبيعي على مستقبل الكربون في العالم وعلى الجغرافيا السياسية والاقتصاد الدولي الحاليين. ومع ارتفاع أسعار الغاز في بعض الأسواق الأوروبية بنسبة تصل إلى 700 في المائة، بعدما شددت العقوبات والمساومات قبضتها على الإمدادات بشكل كبير، أدّت الضغوط المستمرة نتيجة الطلب العالمي على الطاقة إلى تقديم جرعة حياة جديدة للفحم الحجري.
ولحين التوسع في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي وبناء البنية التحتية لمعالجته ونقله، ستضطر البلدان المعتمدة على استيراد الطاقة للعودة إلى الفحم. وقد بدأت ألمانيا والنمسا وهولندا بإعادة تشغيل محطات الطاقة العاملة على الفحم للحد من استخدام الغاز الطبيعي الروسي. ومع ذلك لا يبدو أن قطاع الفحم الأميركي سيحذو حذو نظيره الأوروبي، رغم ارتفاع أسعار الفحم عالمياً.
ويبلغ إنتاج الفحم في الولايات المتحدة اليوم نحو نصف ما كان عليه عندما بلغ ذروته قبل عقد من الزمن. وتمثل سلاسل التوريد وتكاليف الشحن إلى أوروبا عائقاً أمام إنعاش الفحم الأميركي، لا سيما بعد إغلاق محطات الطاقة التي تعمل على الفحم في الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، لا تعدّ الأزمة في أوروبا سوقاً مستدامة تشجّع على إعادة فتح المناجم وتوظيف العمّال.
ولذلك لم يكن من المستغرب أن يتركز اهتمام المشرّعين في الولايات المتحدة بالغاز الطبيعي، الذي طالبوا بإجراء زيادات فورية في إنتاجه. وهي مطالبة ظاهرها خفض نفوذ روسيا في سوق النفط والغاز، وتخفيف الضغط عن ميزانيات الأسر المجهدة بسبب ارتفاع الأسعار، فيما يرى ناشطون بيئيون أنها استثمار للأزمة الأوكرانية كحجة لتأمين عقود نفط وغاز جديدة ترضي مصالح الشركات الأميركية.
فوضى الطاقة كارثية على المناخ
تشير هذه التطورات، التي اندلعت شرارتها في أوكرانيا وعمّت العالم، إلى تغيُّر أسواق الغاز الطبيعي من نمطها المعزول إقليمياً إلى نمط السوق الفوري المعولم، الذي يؤدي أي اهتزاز يصيبه إلى أزمة في اقتصادات الدول المستوردة. ويستتبع ذلك انحرافاً، في بعض الحالات، عن السياسات التي تهدف إلى مكافحة تغيُّر المناخ، خاصةً في أوروبا.
وكان الاتحاد الأوروبي تبنى مؤخراً «الصفقة الخضراء» التي تتضمن تصنيفاً للأنشطة الاقتصادية المستدامة لجعل الاقتصادات والأعمال والمجتمعات الأوروبية أكثر مرونة في مواجهة الصدمات المناخية والبيئية. وفي حين أثار إدراج بعض استعمالات الغاز الطبيعي والطاقة النووية ضمن الأنشطة المستدامة اعتراضات من هيئات بيئية، أعلن مقرضون تدعمهم الحكومات، مثل بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، عن حصول تحوّل في سياساتهم، بحيث أصبحوا أكثر استعداداً لزيادة تمويل مشاريع الغاز الطبيعي إلى جانب الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
ولا يتردد سياسيون أوروبيون في إعلان دعمهم للطاقة النووية، كما فعل الرئيس الفرنسي عندما اعتبرها أنسب الطرق «سياديةً» لإنتاج الطاقة إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، أو كما صرّح رئيس الوزراء البريطاني عند زيارته لمحطة الطاقة النووية «هينكلي بوينت سي»، معتبراً المحطة جزءاً من استراتيجية أمن الطاقة في بلاده التي «لا يمكننا السماح لها بالاعتماد على النفط والغاز الروسي».
هذه الفوضى التي فرضتها الحرب على قطاع الطاقة ستكون كارثية إذا استمرت لفترة طويلة، لأنها قد تعطل التحوّل إلى الطاقة النظيفة. فالتضخم في أسعار الوقود والطاقة يجعل من الصعوبة بمكان إلغاء الدعم الحكومي والإعفاءات الضريبية للوقود، خشية فقدان الاستقرار السياسي والاجتماعي. وربما يكون الخيار المرحلي هو دعم مشاريع الغاز الطبيعي الأنظف، وتسريع عمليات التقاط الكربون من حرق الوقود واعادة استعماله وتخزينه، بما لا يتعارض مع الأهداف المناخية وتحقيق انبعاثات صفرية في سنة 2050.
ستثير صدمة الطاقة في 2022 الكثير من التساؤلات حول قدرة الدول المؤثرة على إجراء تحوّل سريع في السياسات للتوفيق بين أمن الطاقة وأمن المناخ، وستمتد آثار النجاح أو الفشل في معالجة هذه الصدمة لأجيال قادمة.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تسحب دعمها البالغ 1.15 مليار دولار لمشروع الغاز المسال في موزمبيق

الاقتصاد شعار شركة النفط والغاز الفرنسية «توتال إنرجيز» على أحد المباني في رويي-مالميزون قرب باريس (رويترز)

بريطانيا تسحب دعمها البالغ 1.15 مليار دولار لمشروع الغاز المسال في موزمبيق

أعلنت الحكومة البريطانية، يوم الاثنين، سحب دعمها البالغ 1.15 مليار دولار لمشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق الذي تقوده شركة «توتال إنرجيز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية عراقجي مصافحاً فيدان خلال استقباله في طهران (الخارجية التركية)

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة

أكدت تركيا وإيران ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة ووقف التوسع الإسرائيلي الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل من سوريا ولبنان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا خلال لقاء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين روسيا 28 نوفمبر 2025 (أ.ب)

بوتين خلال استقباله أوربان: سأكون سعيداً بعقد لقاء مع ترمب في بودابست

أكّد الرئيس الروسي بوتين خلال لقائه رئيس الوزراء المجري أوربان، الجمعة، أنه سيكون سعيداً بعقد لقاء قمة مع نظيره الأميركي ترمب في بودابست.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
أوروبا الشرطة ترافق سيرغي.ك قبل جلسة استماع مع المدعي العام الاتحادي الألماني في كارلسروه يوم 27 نوفمبر 2025 وهو المشتبه به في تنسيق تخريب خط أنابيب الغاز نورد ستريم عام 2022 (د.ب.أ)

إيطاليا تسلّم ألمانيا الأوكراني المشتبه في تدبيره تفجيرات خطَّيْ غاز «نورد ستريم»

بعد أكثر من ثلاثة أشهر قضاها قيد التحقيق والاحتجاز، سلّمت السلطات الإيطالية إلى ألمانيا المواطن الأوكراني المشتبه في تدبيره الهجمات على خطَّيْ غاز «نورد ستريم».

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية تبادل وثائق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية  بين الرئيس القبرصي  ووزير الأشغال العامة اللبناني (إ.ب.أ)

تركيا تعارض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص

عارضت تركيا توقيع لبنان وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، لأنها تمس بحقوق القبارصة الأتراك.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.