«المصالحة الليبية»... مبادرة وطنية تاهت في «غياهب السياسة»

سياسيون يدعون لـ«استرداد الدولة» أولاً

جانب من إطلاق المجلس الرئاسي لاستراتيجية المصالحة الوطنية في ليبيا مؤخراً (المجلس الرئاسي)
جانب من إطلاق المجلس الرئاسي لاستراتيجية المصالحة الوطنية في ليبيا مؤخراً (المجلس الرئاسي)
TT

«المصالحة الليبية»... مبادرة وطنية تاهت في «غياهب السياسة»

جانب من إطلاق المجلس الرئاسي لاستراتيجية المصالحة الوطنية في ليبيا مؤخراً (المجلس الرئاسي)
جانب من إطلاق المجلس الرئاسي لاستراتيجية المصالحة الوطنية في ليبيا مؤخراً (المجلس الرئاسي)

استبعد سياسيون ليبيون نجاح «أي مبادرة تتعلق بإجراء مصالحة وطنية» بين الأطياف المختلفة في البلاد، ورأوا أن أي حديث عن ذلك «ضرب من الخيال»، مطالبين أولاً بجبر الضرر وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
وقال عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة إن «كلاً من المجلس الرئاسي، وكذلك أغلب الحكومات السابقة لم يمتلكوا خططاً أو برامج واضحة لتحقيق المصالحة الوطنية»، لافتاً إلى أنهم «لم يحددوا مَن المعنيّ بالمصالحة، هل ستكون على مستوى المدن والقبائل، أم على المستوى السياسي كي نعرف أطراف الصراع الذي يجب إجراء المصالحة بينهم، وأجندة الخلاف».
ورأى أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «جميع من في السلطة جاؤوا بمشروع حكم فقط وليس إدارة الدولة؛ ولذا نجد المصالحة عنواناً واسعاً وفضفاضاً»، متابعاً: «المجلس الرئاسي يكرر حديثه عن المصالحة دون وجود ترجمة واضحة على المستوى الميداني».
وكان المنفي قد أطلق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة في سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب الإفراج عن بعض رموز نظام معمر القذافي، وفي 23 من يونيو (حزيران) الماضي، أطلق الرؤية الاستراتيجية للمشروع، لكن لم يحدث تطور على الأرض، وبالتالي تاهت المبادرة في تفاصيل النزاعات السياسية، وفق بعض المتابعين.
غير أن أوحيدة، ربط بين المصالحة الحقيقة واسترداد الدولة، قائلاً: «في ظل الصراع الراهن على الحكومة والانسداد السياسي، الدولة تكاد تكون مفقودة»، مشدداً على أنه «لا بد من استرداد الدولة أولاً لنتمكن من سن قوانين عدالة انتقالية قابلة للتنفيذ عبر سلطة تبسط نفوذها على عموم البلاد». ورأى أن «هذا سيُمكن كل متضرر على مدار العقد الماضي من نيل حقه بالقانون وبغض النظر عن موقعه وانتمائه وولائه السياسي»، واعتبر أن «الأولوية حالياً هي عقد مصالحة بين الأطراف السياسية والتي تتمثل في الاحتكام لصندوق الانتخابات».
من جانبه، وصف عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، «الحديث عن المصالحة في الوقت الحاضر بأنها «ضرب من الخيال لانعدام الثقة بين الفرقاء وما تشهده البلاد من تنازع على السلطة التنفيذية وانقسامها سياسياً وما تبع ذلك من ارتفاع نبرة التهديد بالعودة للاقتتال».
وأشار التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تحديات تحقيق المصالحة لم تقتصر على الوضعين الأمني والسياسي بعد عام 2014 ولكنها أيضاً تمثلت في النظرة السطحية بحصرها في نطاق جلسات عرفية وندوات تنشد فيها الخطب والأشعار وتقام المآدب»، وقال إن ذلك يقام «دون ترضية حقيقية بالاعتراف بالخطأ أو دفع الدية؛ والأهم دون قوة تساند وتنفذ التوصيات التي تم التوافق عليها بين المتخاصمين، أو توفير أموال من قبل الدولة لدفع الدية وجبر الضرر».
وحول خطط العلاج المقترحة، دعا التكبالي لتشكيل لجنة تقصي حقائق من عموم البلاد لوضع قوائم حقيقة بأسماء من سقط قتيلاً من المدنيين أو تضرر بشكل أو بآخر خلال السنوات الـ11 الماضية، مبرزاً أن هناك «قوائم مزيفة في السنوات الأولي للثورة وتحديداً من قبل بعض الكتائب والميليشيات التي تأسس أغلبها بعد ثورة فبراير (شباط) أو شاركت بها، وللأسف تم صرف التعويضات لها».
وذهب التكبالي إلى أنه «لم يعد مقبولاً أن يكون هناك ليبي مسجون لمدة طويلة بدون محاكمة كونه ينتمي للنظام السابق، أو مبعد عن أسرته وفي الوقت نفسه يجري الحديث عن المصالحة، بل يتم تعيين رموز أخرى من التيار ذاته في مواقع رسمية عليا لوجود مصالح تربط البعض بهم».
ورأى التكبالي أن البعثة الأممية «تعمق الفجوة بين الفرقاء في ملف المصالحة والعدالة الانتقالية، متابعاً: «البعثة عمدت دوماً للانحياز إلى طرف ما ومحاولة إبراز تضحياته وخسائره مقارنة بالآخرين»، وزاد: «البعثة والمسؤولون التابعون لها لم يزوروا إلا المقابر الجماعية بترهونة في محاولة للتلميح بتورط (الجيش الوطني) بها، ولم يشيروا بالمقدار نفسه للعمليات الإرهابية التي ارتكبت في بنغازي قبل تحرير الجيش لها، وحجم من سقط كضحايا لهذه العمليات».
ودافع التكبالي في المقابل عن دور مجلسه الذي أصدر في أبريل (نيسان) عام 2015 قراراً بعودة النازحين قسراً إلى منازلهم التي أخرجوا منها خلال «ثورة 17 فبراير»، ومن قبل ذلك ألغى قانون العزل السياسي والإداري بحق شخصيات عملت مع نظام القذافي».
أما عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، فاعتبر أن الخلاف في ليبيا ليس آيديولوجياً أو سياسياً أو جهوياً، وإنما هو «عبارة عن صراع من أجل السلطة والمال، صراع تقاسم الحصص والحقائب الوزارية».
وكان الشيباني، قد علق في إدراج له على إطلاق المجلس الرئاسي للرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة، وقال: «هذا النوع من الصراعات لا تجدي معه المصالحة الوطنية»، مضيفاً: «الحقيقة المرة التي نريد أن نطردها من تفكيرنا هي أن هذا الصراع لا ينفع معه إلا الحسم من طرف قوي قد يكون بالسلم أو بالقوة أو التلويح بها من الأطراف الفاعلة في المشهد عندما تخلص النوايا».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

مصر والغابون تنسقان لتحقيق السلم والأمن في أفريقيا

جانب من محادثات السيسي وبريس أوليغي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
جانب من محادثات السيسي وبريس أوليغي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والغابون تنسقان لتحقيق السلم والأمن في أفريقيا

جانب من محادثات السيسي وبريس أوليغي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
جانب من محادثات السيسي وبريس أوليغي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

توافقت مصر والغابون، السبت، على «أهمية استمرار التشاور والتنسيق بين إزاء مختلف القضايا بما يضمن تحقيق السلم والأمن في القارة الأفريقية». وتبادل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع الرئيس الانتقالي للغابون، بريس أوليغي نغيما، «الرؤى إزاء مختلف القضايا الإقليمية، وجهود الدولتين في إرساء الأمن والاستقرار في محيطهما الإقليمي».

وأكد السيسي في كلمته خلال مؤتمر صحافي في القاهرة، السبت، أنه اتفق مع بريس أوليغي على «تعزيز الدعم المصري للغابون في القطاع الصحي، وإتاحة المجال للاستفادة من الدواء المصري في السوق الغابونية».

وأكد الرئيسان «أهمية تعزيز التعاون المشترك في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة والصناعة والنقل وفي بناء قدرات الكوادر الغابونية».

وأشار السيسي إلى «حرص البلدين على تعزيز التعاون الثنائي بهدف تحقيق التكامل الأفريقي»، مثمناً العلاقات التاريخية بين البلدين ودور الغابون «الحيوي في إقليم وسط أفريقيا»، مشيداً «بالتنسيق المستمر بين البلدين في القضايا التي تهم القارة الأفريقية، ومساعي تحقيق الاستقرار والتنمية في مختلف ربوعها».

السيسي اتفق مع أوليغي على تعزيز الدعم المصري للغابون في القطاع الصحي (الرئاسة المصرية)

ولفت السيسي إلى أن «الغابون تخوض عملية انتقالية سلمية ناجحة، تحقيقاً لتطلعات شعبها في الديمقراطية والتغيير، وهي عملية تحظى بمتابعة وتقدير الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة»، مهنئاً نغيما على «إتمام الاستفتاء على الدستور الغابوني الجديد بنجاح»، وعدَّ ذلك «خطوة مهمة نحو استكمال العملية الانتقالية خلال الأشهر القليلة المقبلة».

وقال السيسي: «تؤكد مصر وقوفها مع الغابون الشقيقة واستعدادها لتقديم كل الدعم لإنجاح المرحلة الانتقالية»، وأضاف أنه بحث مع بريس أوليغي «الفرص المتاحة لتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين البلدين، لا سيما في مجالات التجارة والاستثمار»، حيث «اتفقنا على أهمية زيادة معدلات التبادل التجاري، وتكثيف علاقات القطاع الخاص في البلدين، وأولوية تنفيذ مشروعات للبنية التحتية في الغابون، لتشمل تشييد طرق جديدة، ومشروعات في مجالات الكهرباء والصرف الصحي بهدف دعم جهود التنمية في دولة الغابون».

وأكد السيسي أن زيارة أوليغي «تمثل خطوة مهمة في مسار الارتقاء بمستوى التعاون وتنشيط وتيرته، وصولاً إلى المستوى المأمول»، لافتاً إلى تطلعه لتفعيل نتائج هذه الزيارة بما يلبي تطلعات الشعبين المصري والغابوني في مستقبل مشرق للبلدين، وللقارة الأفريقية بوجه عام.