أنتوني هوبكنز: أوسكار العفويّة وخفّة الظل

الممثل الثمانيني يزرع الفرح على وسائل التواصل الاجتماعي

الممثل أنتوني هوبكنز (أ.ب)
الممثل أنتوني هوبكنز (أ.ب)
TT

أنتوني هوبكنز: أوسكار العفويّة وخفّة الظل

الممثل أنتوني هوبكنز (أ.ب)
الممثل أنتوني هوبكنز (أ.ب)

بخطواتِ ابن عشرين، يراقص أنتوني هوبكنز متابعيه من على ارتفاع 84 عاماً. 17 ثانية من الرقص كانت كفيلة بإشعال منصات التواصل تفاعلاً وترحيباً.
وجد الممثل العالمي في وسائل التواصل الاجتماعي متنفساً ومساحةً يفرد من خلالها مواهب كانت مختبئة، وحس فكاهة وخفّة قد تفاجئ مَن اعتاد على هوبكنز في أدوارٍ مركّبة، وصارمة، ومرعبة، ودمويّة أحياناً.
ذاك الفارس الإنجليزي الذي مُنح لقب «سير» من الملكة إليزابيث عام 1993، يحلو له أن يترجّل عن صهوته بين الحين والآخر. تَراه يتنقّل بين منصات «تويتر»، و«إنستغرام»، وحتى «تيك توك»، زارعاً بسمةً هنا وحكمةً هناك.
هي حكمة الثمانين التي وصل إليها بعد اختمار السنوات، والتي تقول: «لا تأخذوا الأمور على محمل الجدّ دائماً... لا شيء يستحق التضخيم، ففي النهاية كلنا ذاهبون».
https://twitter.com/AnthonyHopkins/status/1546162981058355204
ليس هوبكنز أول ممثلٍ يستخدم صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة. لكن الرجل يفعل ذلك بعفويّة وطبيعيّة غير مسبوقتَين. وليست صدفةً بالتالي أن تتخطّى مشاهَدات فيديوهاته الملايين. فمنشوراته غير مكلفة ولا متكلّفة، والناس توّاقون إلى العفويّة والصدق فعلاً لا افتعالاً.

من «آكل لحوم البشر» إلى زارعٍ للبهجة
كان هوبكنز جالساً مع زميله مارك والبيرغ في كواليس تصوير أحد الأفلام عام 2016، عندما اقترح عليه والبيرغ أن يفتح حساباً على «تويتر» وهو لم يكن يعرف شيئاً عن الموضوع حينها. لكنه، ومن التغريدة الأولى، عَلِق في الشرك وعلّقَ متابعيه به. لينشئ بعد فترة قصيرة صفحة على «إنستغرام»، ويلتحق بركب «تيك توك» حيث يتابعه قرابة الـ3 ملايين شخص.
ليس هوبكنز من جيل «تيك توك» الراقص، إلا إنه عرف كيف يجاريه خطواتٍ وضحكات، مفتتحاً رحلته على منصة المراهقين عام 2020 برقصةٍ على نغمات «دريك».

@anthonyhopkins #Drake I’m late to the party... but better late than never. @oficialstallone @arnoldschnitzel #toosieslidechallenge ♬ original sound - Anthony Hopkins

إنه «هانيبال ليكتر» شخصياً، آكل لحوم البشر في فيلم «صمت الحملان» أو (Silence of the Lambs)، يتحوّل إلى إحدى أظرف الشخصيات في عالم السوشيال ميديا. وقد ساعده في ذلك، إلى جانب تلقائيّته وفلسفته الخاصة، مواهب عدة كالتقليد والرسم والعزف على البيانو. وهي اهتماماتٌ ملأ بها هوبكنز فراغ أيام الحَجر خلال جائحة «كورونا»، وشاركها مع متابعيه.
في مقابلة مع مجلة «People» الأميركية في بداية الجائحة، يختصر الهدف من نشاطه على وسائل التواصل بالقول: «يبدو أنني محبوب على السوشيال ميديا... الجميع يتفاعل مع حسي الفكاهي الغريب... هذا كل ما نملك حالياً، فلنحاول أن نحصل على بعض الضحك... الناس تعاني الألم والوحدة، يا ليتني أستطيع القيام بالمزيد، لكني أفعل ما بوسعي للترفيه عنهم».

عازف على أوتار القلوب
لم يتعلّم أنتوني هوبكنز العزف على البيانو من أجل أداء مَشاهده في فيلم «الباباوان» أو (The Two Popes). فهو صديق تلك الآلة منذ كان في الـ7 من عمره، يوم اشترت أمه بيانو مستعملاً صغيراً وحثّته على العزف. لم يحترف الموسيقى، لكنه مؤلّف وعازفٌ بالفطرة، وقد أصدر سنة 2012 ألبوماً ضمّ مجموعة من المقطوعات الكلاسيكية.
أما حين يجلس أمام آلته ويعزف لمتابعيه، فغالباً ما يرافقه هرّه «نيبلو» الذي تبنّاه خلال زيارة إلى بودابست، والذي يظهر في معظم الفيديوهات.

اللعب بالألوان
في المدرسة، لم تكن علاماته واعدة، فانصبّ اهتمامه على الفنون. في إحدى المقابلات يقول إن أساتذته وزملاء صفه وعائلته لطالما عيّروه بأنه غير صالح لأي عمل. لم يكن لديه أصدقاء، فصار يمضي ساعات ما بعد الظهر في الرسم أو العزف.
عام 1996، لعب دور الرسام بابلو بيكاسو على الشاشة الكبيرة، ثم وجد نفسه بعد 17 سنة يلعب بالريشة والألوان بتشجيعٍ من زوجته. وها هو اليوم يعرض لوحاته الارتجاليّة ويبيعها، بعد أن يشاركها مع متابعيه.

رفيق الأعياد والمناسبات
لا يمر عيد إلا ويكون «توني» (لقبه المفضّل) أول المحتفلين مع جمهوره الافتراضي. من رأس السنة إلى الميلاد، مروراً بعيد الحب، وعيد الشكر، والهالوين حيث يرتدي قناعه المفضّل. يحب التهريج، لا يتردّد في نزع البروتوكول الإنجليزي الصارم ومعه لقب «سير»، ولا في وضع صورة الممثل الجاد جانباً، ليتشارك لحظةً مجنونة مع محبّيه. يرقص كما لو أنّ أحداً لا يراه.

تواصل اجتماعي حقيقي
ليس هوبكنز خبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يحترف التواصل مع الناس. يُرفق صوره وفيديوهاته بتعليقاتٍ لطيفة، وبنصائح مشجّعة، كما يُطمئن محبّيه إلى أنه يقرأ كل رسائلهم. يتوجّه إليهم بشكل مباشر، ويشاركهم طاقته الإيجابية، وامتنانه لهم وللحياة بما فيها من أيام عملٍ واستراحة. وهو لا ينسى أن يفرد مساحةً لجديده الفني، ولأنشطته الإنسانية مثل حملة مكافحة جوع الأطفال في الولايات المتحدة.

فرح ما بعد الـ75
لا تُحصى الجوائز التي حصدها أنتوني هوبكنز خلال مسيرته التمثيلية، ومن بينها جائزتي «أوسكار» عن دورَيه في فيلمَي «صمت الحملان» (1991) و«الأب» (2020). دَوران معقّدان لا يشبهان في شيء الصورة البسيطة والطريفة التي يعكسها الفنان لمحبّيه.
لقد ارتوى هوبكنز من الشهرة والمجد. شَبِع من معارك الصعود والوصول. تبدّلت أولوياته وصارت أبسَط. يقول في حديثٍ مع صحيفة «ذا غارديان» عام 2018: «عندما تصل إلى أعلى الشجرة، لن تجد شيئاً فوق... كل هذا اللهاث بلا معنى ومجرّد كذبة... الأهم من كل ذلك هو الامتنان لأننا على قيد الحياة».
وصل إلى مرحلةٍ من حياته يستخف فيها بإنجازاته ولا يأخذها على محمل الجد. يحلو له أن يقارن بين ما يفعل، وبين عمّال التنظيف، والممرضين، وموظفي المطاعم، فيستنتج أنّ هؤلاء أحقّ بالجوائز والكؤوس والميداليات والأموال. كان نائماً ليلة أُعلنَ فوزه بالأوسكار الأخير، فهو بات يعتبر أن «الجوائز مسلية لكنها في النهاية بلا معنى».
قبل أن يصل إلى حكمة التخلّي هذه، وعندما كانت تراودُه مشاعر العظَمة والتميّز، كان يستحضر والدَه فوراً. ريتشارد آرثر هوبكنز، الخبّاز الذي قست نار الفرن على يدَيه فتركت فوقها ندوباً أبديّة علقت في ذاكرة أنتوني.

لم تأتِ حكمة هوبكنز من عدم، فهو خاض معارك كثيرة قبل أن يصل إلى هذه المرحلة من الاكتفاء والصفاء. حاربَ إدمانه على الكحول، وهو فخور بلحظة الوعي تلك التي أيقظته في ديسمبر (كانون الأول) 1975 وجعلته يختار الحياة. تخلّى أيضاً عن التدخين، والأهمّ أنه تخلّص من الغضب الذي كان يتحكّم به. ففي السبعينيات، كان معروفاً بطباعه الحادّة خلال التصوير، وكان يصل به الأمر أحياناً إلى التعرّض بالضرب للمخرجين.
«مهما كان في رصيدك من نجاحات، ليس هذا ما سيُصلحك». صدقَ قول هوبكنز، ففي قمة نجاحه عام 2002 عانى من الإحباط، لكنه تغلّب عليه تدريجياً بواسطة الموسيقى، والرسم، والحب. مع مرور السنوات، تعلّمَ أن لا شيء يستأهل الغضب. وبعد عامه الـ75، أَدرَكَ أنّ ثلاث كلمات تختصر السعادة: الاطمئنان، والقناعة، والرضا.

عندما ينظر اليوم إلى صورته طفلاً على هاتفه، يقول لـ«توني» الصغير: «أظنّ أننا أبلينا بلاءً حسناً يا ولد». أما حين يتابع فيديوهات بعض الجيل الصاعد على «تيك توك» و«إنستغرام»، فيفكّر أنّ بينهم وبين خفة الظل مسافات. مسافاتٌ بسَماكة القناع الذي يغطّي وجوههم، ويحجب عن متابعيهم القلق المُباح الذي يشعرون به.


مقالات ذات صلة

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

يوميات الشرق زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

حين تتحوّل المرأة إلى أيقونة، يُسلب منها حقّ التعب وحقّ التناقض وحقّ الشيخوخة. فالأيقونة يجب أن تبقى ثابتة، بينما يتغيَّر الإنسان. وبريجيت باردو تغيَّرت كثيراً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)

وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

أعلنت مؤسسة بريجيت باردو، اليوم (الأحد)، عن وفاة أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عامًا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق المخرج المصري داوود عبد السيد (وزارة الثقافة)

داوود عبد السيد... «فيلسوف السينما» صاحب «العلامات» الفريدة

منذ حضوره الأول اللافت بفيلم «الصعاليك» عام 1985، أعلن المخرج المصري داوود عبد السيد، الذي غيّبه الموت اليوم (السبت)، عن مدرسة إخراجية جديدة.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق محمد نزار (مهرجان البحر الأحمر)

محمد نزار: «غرق» يطرح أسئلةً صعبةً عن الحب والإنكار العائلي

في فيلم «غرق»، يقدّم الممثل الأردني محمد نزار أداءً مركباً في أولى تجاربه بالبطولة المطلقة، مجسداً شخصية «باسل»، المراهق العبقري المنعزل اجتماعياً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «هي» (المركز القومي للسينما)

«هي»... وثائقي مصري يستدعي سيرة «امرأة ملهمة»

لم يكن العرض الخاص للفيلم الوثائقي «هي» مثل كل العروض السينمائية المعتادة، إذ بدا عرضاً استثنائياً لحضور بطلته الحقيقية.

انتصار دردير (القاهرة)

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
TT

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)

كانت بريجيت باردو أكثر من جسد أيقوني علَّق عليه القرن العشرون خيالاته وأسئلته. وكانت، قبل كلّ شيء، امرأة وُلدت في زمن لا يعرف كيف يتعامل مع أنثى لا تطلب الإذن. امرأة خرجت من الشاشة لتدخل الوعي الجماعي، وتحوّلت من ممثلة إلى مُحرِّكة لقلق المجتمع الذكوري ولمخاوفه من الجسد المُنطلِق، ومن المرأة التي لا يمكن ضبطها أو احتواؤها.

الجمال الذي لا يطلب الإذن غالباً ما يُساء فهمه (أ.ف.ب)

حين ظهرت باردو في خمسينات القرن الماضي، لم يكن العالم مهيّأً لها. كانت السينما لا تزال تبحث عن نساء جميلات «مروَّضات»، وأنوثة يمكن استهلاكها من دون أن تُهدّد البنية الأخلاقية القائمة. لكن باردو جاءت مختلفة. جسدها لم يكن خاضعاً، ونظرتها لم تكن مطيعة، وحضورها لم يكن استعطافياً. لم تؤدِّ دور المرأة المرغوبة فقط، وإنما المرأة الواعية بجاذبيتها، لا تتبرأ منها ولا تُبالغ باستعراضها. هنا تحديداً بدأ الارتباك.

في أفلامها، وخصوصاً «وخلق الله المرأة»، كانت المسألة في الجرأة الوجودية قبل المَشاهد الجريئة. باردو شكَّلت تجسيداً لامرأة تختار وتقتحم وترفض وتُغادر. امرأة لا تُعاقب نفسها كي تُطمئن المجتمع. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت أكثر من نجمة. أصبحت سؤالاً أخلاقياً مُعلّقاً في الهواء.

امرأة صنعت حضورها ثم دفعت ثمنه (أ.ف.ب)

تحوّلت سريعاً إلى ظاهرة ثقافية تتجاوز الشاشة. شعرها الأشقر المنفلت، نظراتها التي لا تنحني، صارت جزءاً من خطاب اجتماعي كامل عن الحرّية والأنوثة غير المروَّضة. لكنها، في مقابل هذه الأيقونية، دفعت ثمناً باهظاً. فباردو التي رآها العالم رمزاً للانطلاق، كانت تعيش قلقاً دائماً واختناقاً من الضوء وشعوراً متنامياً بأنها صارت صورة أكثر مما هي إنسانة. تزوّجت أكثر من مرة، أحبَّت وجُرحت، ووجدت نفسها مُحاصرة بتوقّعات الآخرين، وبفكرة أنها «مُلكية عامة».

امرأة عَبَرَت الزمن بلا اعتذار وبلا محاولة لإرضائه (أ.ف.ب)

لكن المجتمع لا يكتفي بطرح الأسئلة، فيُسارع إلى معاقبة مَن يجرؤ على طرحها. فُتحت على باردو أبواب المجد كما تُفتح الأبواب على العاصفة. صُوّرت، كُتِب عنها، حوصرت بالكاميرات، اختُزلت في جسدها، ثم حُوسبت على هذا الجسد نفسه. أُعجِب بها العالم، لكنه لم يغفر لها أنها لم تطلب إعجابه بالطريقة «الصحيحة».

في عمق هذه المفارقة، عاشت باردو مأساة الأيقونات. حين تتحوّل المرأة إلى أيقونة، يُسلب منها حقّ التعب وحقّ التناقض وحقّ الشيخوخة. فالأيقونة يجب أن تبقى ثابتة، بينما يتغيَّر الإنسان. وبريجيت باردو تغيَّرت كثيراً.

انسحبت من السينما باكراً لتقول، بصيغة أو بأخرى، إنّ هذا العالم لا يُشبهها، ولم تُخلق لتُستَهلك إلى ما لا نهاية. انسحابها كان تمرّداً. كان قرار امرأة اختارت أن تُنقذ نفسها من صورة صنعتها ولم تعد تملكها.

خرج الجمال من القالب وصار موقفاً (أ.ب)

مع الزمن، تغيَّرت ملامحها وتبدَّلت نظرتها إلى العالم. لم تُحاول معاندة العمر، ولم تتصالح معه على الطريقة الرومانسية. كانت علاقتها بالزمن خشنة وصريحة وخالية من المجاملات. لم تُخفِ انزعاجها من الشيخوخة، ولا حنقها على عالم يُقدّس الشباب ثم يدير ظهره لمَن يتقدّم في السنّ. هنا أيضاً، كانت صادقة أكثر مما يحتمل الجمهور.

في مرحلة لاحقة، وجدت باردو في الحيوانات البراءة غير المشروطة والوفاء غير الملوَّث بالسلطة. تلك صفات لم تجدها في البشر. تحوَّل دفاعها عن حقوق الحيوان إلى قضية وجودية. أسَّست مؤسّستها، وكرَّست ما تبقّى من حياتها لمعركة ترى فيها شكلاً آخر من أشكال العدالة. قد يُختلف معها في حدّتها، أو في لغتها، أو في بعض مواقفها، لكن لا يمكن إنكار أنّ هذا الالتزام كان امتداداً لمنطقها نفسه القائم على رفض العنف أياً كان شكله، ورفض الهيمنة أياً كان مصدرها.

باردو كانت دائماً امرأة «غير مريحة». لم تُتقن فنّ إرضاء الجميع، ولم تحاول. وهذا بالضبط ما جعلها أيقونة جدلية تتجاوز التمثال الجميل. فالأيقونة الحقيقية لا تُحَبّ بالإجماع. تُساءَل وتُقلِق. ولمّا لم يكُن الزمن رحيماً بها، لا في ملامحها ولا في صورتها العامة، ولمّا تغيّر وجهها وقسا أحياناً، انعكست تحوّلاتها الداخلية في تصريحات أدخلتها في صدام مع الرأي العام الفرنسي. امرأة كانت رمز التحرُّر، وجدت نفسها لاحقاً على هامش الإجماع، تقول الكلمات بصراحة، وتُقرأ مواقفها أحياناً بمعزل عن سياقها الإنساني المُعقّد. لم تحاول باردو أن تُجمّل صورتها أو تستعيد ودّ الجمهور. بقيت كما هي، حادَّة وصريحة وغير معنيّة بأن تُحَبّ.

ترحل بريجيت باردو وتبقى سيرة المرأة التي دفعت بخيارها ثمن حرّيتها، إلى جانب صورة المرأة الجميلة من زمن مضى. امرأة أحبَّها العالم حين كانت شابّة، وضيَّق عليها حين كبرت. امرأة كشفت، من دون تنظير، كيف يُحبّ المجتمع النساء طالما بقيْنَ ضمن صورته، وكيف يُعاقبهنّ حين يخرجْنَ منها.


قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
TT

قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)

احتفلت قرية باغليارا دي مارسي، وهي قرية ريفية عريقة تقع على سفوح جبل غيريفالكو في منطقة أبروتسو الإيطالية، بولادة أول طفلة منذ 3 عقود.

وحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن هذه الطفلة هي لارا بوسي ترابوكو، وقد ولدت في شهر مارس (آذار) الماضي، لتكون أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ ما يقرب من 30 عاماً.

وبولادتها، وصل عدد سكان القرية، التي يفوق عدد القطط فيها عدد السكان بكثير، إلى 20 شخصاً.

ونظراً لندرة الحدث بالقرية، أصبحت الطفلة الآن عامل الجذب السياحي الرئيسي بالمكان.

وقالت والدتها، سينزيا ترابوكو: «لقد حضر أشخاص لم يكونوا يعرفون حتى بوجود باغليارا دي مارسي، فقط لأنهم سمعوا عن لارا. لقد أصبحت مشهورة وهي لم تتجاوز التسعة أشهر من عمرها».

ويمثل قدوم لارا رمزاً للأمل، ولكنه أيضاً تذكيرٌ مؤلمٌ بتفاقم الأزمة الديمغرافية في إيطاليا.

وفي عام 2024، بلغ عدد المواليد في إيطاليا أدنى مستوى تاريخي له، حيث وصل إلى نحو 369 ألف مولود، مواصلاً بذلك اتجاهاً سلبياً استمر 16 عاماً، وفقاً لأرقام المعهد الوطني للإحصاء.

كما انخفض معدل الخصوبة إلى مستوى قياسي، حيث بلغ متوسط ​​عدد الأطفال المولودين للنساء في سن الإنجاب 1.18 طفل في عام 2024، وهو من أدنى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.

وتتعدد أسباب هذا التراجع، من انعدام الأمن الوظيفي وموجة الهجرة الشبابية الهائلة إلى عدم كفاية الدعم المقدم للأمهات العاملات، وكما هي الحال في بلدان أخرى، ارتفاع معدلات العقم لدى الرجال. علاوة على ذلك، يختار عدد كبير من الناس ببساطة عدم إنجاب الأطفال.

وتشير البيانات الأولية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء للأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى مزيد من الانخفاض.

وشهدت منطقة أبروتسو، ذات الكثافة السكانية المنخفضة أصلاً، انخفاضاً بنسبة 10.2في المائة في عدد المواليد بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

وتُعدّ باغليارا دي مارسي قرية صغيرة، لكنها تمثل مشهداً يتكرر في أنحاء البلاد، حيث يزداد عدد كبار السنّ، وتتراجع أعداد الطلاب في المدارس، مما يضع ضغوطاً على المالية العامة، ويُشكل تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة للقادة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية.

وقالت رئيسة البلدية، جوزيبينا بيروزي: «تعاني باغليارا دي مارسي من انخفاض حادّ في عدد السكان، تفاقم بسبب رحيل كثير من كبار السنّ، دون أيّ تغيير في الأجيال».

وأعربت بيروزي، التي تسكن على بُعد خطوات من منزل الطفلة لارا، عن امتنانها لترابوكو (42 عاماً)، وشريكها باولو بوسي (56 عاماً)، لتكوينهما أسرة، وتأمل أن يُلهم ذلك الآخرين لفعل الشيء نفسه.

ويُعدّ وضعهما غير مألوف. فترابوكو، مُدرّسة الموسيقى، وُلدت في فراسكاتي، بالقرب من روما، وعملت في العاصمة الإيطالية لسنوات قبل أن تُقرّر الانتقال إلى القرية التي وُلد فيها جدّها، لأنها لطالما رغبت في تربية أسرة بعيداً عن صخب المدينة. والتقت ببوسي، عامل البناء من المنطقة، قبل بضع سنوات.

واستفاد الزوجان من «منحة المولود» البالغة ألف يورو بعد ولادة لارا، وهي دفعة تُصرف لمرة واحدة عن كل طفل يُولد أو يتم تبنيه منذ يناير 2025، وقد أقرّتها حكومة جورجيا ميلوني اليمينية المتطرفة في جزء من تعهّدها بمعالجة ما وصفته رئيسة الوزراء بـ«الشتاء الديمغرافي» في إيطاليا. كما يتلقّيان أيضاً إعانة طفل تُقدّر بنحو 370 يورو شهرياً.

لكنّ معاناتهم الرئيسية تكمن في التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل. فنظام دعم رعاية الأطفال في إيطاليا يعاني من نقص مزمن، وحكومة ميلوني، رغم تصويرها لأزمة انخفاض معدل المواليد على أنها معركة من أجل بقاء الأمة، لم تفِ حتى الآن بوعدها بزيادة عدد دور الحضانة. وتُجبر نساء حوامل على ترك العمل، ثم يواجهن صعوبة في العودة إليه لاحقاً.

كما يشعر الزوجان بالقلق حيال مستقبل لارا الدراسي. فآخر مرة كان فيها لحضانة باغليارا دي مارسي مُعلّمة - كان منزلها يُستخدم بوصفه مدرسة - كانت قبل عقود.

وتوجد مدرسة ابتدائية في كاستيلافيوم القريبة، ولكن بالنظر إلى إغلاق المدارس في جميع أنحاء إيطاليا بسبب انخفاض معدل المواليد، فإنه من غير المؤكد ما إذا كان سيكون هناك عدد كافٍ من الأطفال لدعم هذه المنشأة على المدى الطويل.

وقالت ترابوكو إن الحوافز المالية وحدها لا تكفي لوقف هذا التوجه. وأضافت: «يحتاج النظام بأكمله إلى ثورة. نحن بلد ذو ضرائب مرتفعة، لكن هذا لا يُترجم إلى جودة حياة جيدة أو خدمات اجتماعية جيدة».


وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
TT

وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)

أعلنت مؤسسة بريجيت باردو، اليوم (الأحد)، عن وفاة أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عاماً، فيما نعاها الرئيس إيمانويل ماكرون معتبرا أنها "أسطورة" كانت "تجسّد حياة الحرية".

بريجيت باردو في قصر الإليزيه عام 2007 (أ.ف.ب)

وجاء في بيان أرسلته المؤسسة إلى وكالة الصحافة الفرنسية: «تعلن مؤسسة بريجيت باردو ببالغ الحزن والأسى وفاة مؤسستها ورئيستها، السيدة بريجيت باردو، الممثلة والمغنية العالمية الشهيرة، التي اختارت التخلي عن مسيرتها الفنية المرموقة لتكريس حياتها وجهودها لرعاية الحيوان ودعم مؤسستها».

ولم يحدد البيان وقت أو مكان الوفاة.

بريجيت باردو تقف في 11 مايو 1993 في باريس بجوار تمثالين نصفيين لماريان، رمز الجمهورية الفرنسية، والتي كانت باردو عارضةً لهما (أ.ف.ب)

وسطع نجم باردو عالميًا بعد ظهورها في فيلم «...وخلق الله المرأة» عام 1956، وشاركت في نحو 50 فيلماً آخر قبل أن تعتزل التمثيل لتتفرغ للدفاع عن حقوق الحيوان.

حضرت الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، نقاشًا ضد صيد الفقمة في المجلس الأوروبي بمدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، في 23 يناير 1978 (أ.ف.ب)

وقررت باردو أن تعتزل التمثيل في أوائل السبعينات بعد مسيرة حافلة بالنجاحات شاركت خلالها في نحو خمسين فيلما.

واستقرت باردو نهائيا بالقرب من مدينة سان تروبيه الساحلية على الريفييرا الفرنسية، حيث كرست نفسها للدفاع عن حقوق الحيوانات.

الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، تلهو مع كلب لدى وصولها إلى ملاجئ الكلاب في كابري (جنوب فرنسا) في 17 يناير 1989 (أ.ف.ب)

ونعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باردو، معتبرا أنها «أسطورة» كانت «تجسّد حياة الحرية». وكتب ماكرون على منصة إكس «أفلامها، صوتها، شهرتها الباهرة، أحرف اسمها الأولى، أحزانها، شغفها السخي بالدفاع عن الحيوانات، ووجهها الذي أصبح ماريان (شعار الجمهورية الفرنسية)، بريجيت باردو جسّدت حياة الحرية. وجود فرنسي وحضور عالمي. لقد لامستنا. نحن ننعى أسطورة من هذا القرن».

ونادرا ما شوهدت باردو في الأماكن العامة خلال الأشهر الأخيرة، لكنها نُقلت إلى المستشفى في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي الشهر التالي أصدرت بيانا تنفي فيه شائعات وفاتها.