فيليب سوليرز «يحتقر» الكثير من كتّاب باريس الذين لا يتمتعون بموهبة حقيقية

مذكراته تمتلئ بالثرثرات الممتعة عن مشاهير الأدب... قديمهم وحديثهم

فيليب سوليرز
فيليب سوليرز
TT

فيليب سوليرز «يحتقر» الكثير من كتّاب باريس الذين لا يتمتعون بموهبة حقيقية

فيليب سوليرز
فيليب سوليرز

لم ينتظر الكاتب الشهير فيليب سوليرز بلوغ الثمانين لكي يكتب مذكراته وإنما كتبها بعد السبعين مباشرة بعنوان «رواية حقيقية. مذكرات». إنها رواية بالفعل ولكنها ليست متخيلة، وإنما واقعية لأنه يروي فيها قصة حياته بكل ما فيها وما عليها. الشيء الممتع فيها هو حديثه عن لقاءاته بكبار أدباء فرنسا عندما كان لا يزال غراً صغيراً يبحث عن النجاح والشهرة ولم يصل بعد. كان مبهوراً بالشعراء والروائيين والمفكرين المشاهير في بداية حياته الأدبية. ومن منا لم يكن مبهوراً بمشاهير المثقفين العرب والفرنسيين يوماً ما؟ كان فيليب سوليرز، ولا يزال، من «عبيد الشعر» كما تقول العرب. بمعنى أن الأدب شعراً ونثراً ديدنه ومعبوده. ولكنه لم يكن مقلاً على عكسهم وإنما كان مكثراً، بل ومكثراً جداً. ينبغي الاعتراف بأنه متفرغ كلياً للأدب منذ وصوله إلى باريس وهو في العشرين من عمره. لقد وصل إلى العاصمة قادماً من بوردو مدينة مونتسكيو الشهيرة بعنبها وخمرها المعتق. ولحسن حظه، فقد كان من أسرة صناعية بورجوازية غنية. وبالتالي، فلم يكن في حاجة إلى البحث عن مهنة لكسب رزقه أو عيشه. أعتقد أن فيليب سوليرز عاش أسعد حياة على وجه الأرض. إنه ليس من الأدباء الملعونين أو المدانين أو المعذبين في الأرض على عكس بودلير وفرلين ورامبو مثلاً. وإنما من الأدباء السعداء الذين ولدوا وفي «فمهم ملعقة من ذهب» كما يقال في فرنسا. ولهذا السبب استطاع التفرغ للأدب كلياً. ولهذا السبب أنتج كل هذا الإنتاج الطويل العريض من روايات وكتابات ومقالات. من هذه الناحية فهو يشبه جان دورميسون الذي كان أرستقراطياً يعيش في القصور. كلاهما كان مولعاً بتاريخ الآداب الفرنسية، بل والأوروبية، بل والعالمية إلى أقصى حد ممكن. كلاهما كان ينسى نفسه وهو يتحدث عن غوته أو شاتوبريان أو تولستوي مثلاً. كلاهما كان يعبد الأدب عبادة. ولكن لا أعرف لماذا أتحدث عن فيليب سوليرز بضمير الغائب فهو لا يزال حياً يرزق على عكس دورميسون الذي غادر هذا العالم عام 2019. أما فيليب سوليرز فلا يزال شاباً في الخامسة والثمانية فقط! ولا يزال يكتب وينشر ويبدع.
على أي حال، فإن كتاباته ومذكراته تمتلئ بالثرثرات الممتعة جداً عن مشاهير الأدب قديمهم والحديث. وهذا الشيء هو ما يعجب القرّاء جداً فيه، ومن بينهم كاتب هذه السطور. إذا كنت تريد التعرف على تاريخ فرنسا الأدبي فما عليك إلا قراءتها، بل وحتى تاريخ أوروبا. ما رأيه بأندريه بريتون مثلاً؟ أو بلويس أراغون؟ أو برامبو؟ أو بنيتشه؟ أو بدانتي؟ أو بفرنسوا مورياك، إلخ... عندما قدم إلى العاصمة باريس من مدينته الأصلية بوردو كان يرغب بالطبع في مقابلة المشاهير؛ لأنه هو ذاته يحلم بأن يصبح يوماً ما أديباً مشهوراً. وقد أصبح. عندما التقى أراغون لأول مرة في أحد مقاهي العاصمة قال له الشاعر الكبير هذه العبارة «أهم شيء يا صغيري هو أن نعرف فيما إذا كنا نجذب النساء ولنا عشيقات. الباقي تفاصيل». عندما قال له أراغون هذه العبارة كان عمره 61 سنة وفيليب سوليرز 21 سنة. وكان أراغون رجلاً جميلاً جداً يعجب النساء وكذلك فيليب سوليرز الذي وصل حتماً إلى أجمل نساء البورجوازية الفرنسية... وبالتالي، فلا خوف عليهما من هذه الناحية ولا من يحزنون على عكس بعض كبار الأدباء القبيحين الآخرين كسارتر مثلاً. ولكن حتى سارتر كانت له عشيقات كثيرات لأن الشهرة والأضواء الساطعة تجذب السيدات إلى حد كبير. ومعلوم أن سارتر كان قد بلغ من الشهرة والمجد مبلغاً أسطورياً لم يحصل إلا لفولتير في القرن الثامن عشر وفيكتور هيغو في القرن التاسع عشر. ولكن سارتر لم يعجب سوليرز عندما استقبله في شقته الباريسية لمدة ساعتين متواصلتين. ويبدو أن عدم الإعجاب كان متبادلاً لأن سارتر قال في نهاية اللقاء «الأفضل أن نلتقي في الشارع عن طريق الصدفة!». المقصود شارع السان جرمان دوبري ومقهى الدوماغو أو الفلور، حيث يوجد عرين سارتر وسيمون دو بوفوار. أما أندريه بريتون الذي استقبله أيضاً مطولاً في شقته الباريسية فقد أعجبه أكثر بكثير من سارتر. بل ويقول عنه بأنه أهم شخص التقاه وأعجبه إلى مثل هذا الحد. ثم يتحدث سوليرز عن قراءاته قائلاً، لا يمكن لأي مثقف يحترم نفسه في باريس الخمسينات والستينات إلا وأن يهتم بالفلسفة والفلاسفة من أمثال: لايبنتز، وسبينوزا، وهوسيرل، وهيغل، وبالطبع السقوط في غرام نيتشه، وأيضاً تعميق العلاقة مع هيدغر.. ولكن هذا لا يعني نسيان الأدب والشعر. كل شيء بوقته. في الأدب مثله الأعلى كان بودلير وهذه العبارة التي بهرته وسحرته:
«من طبائعي الجميلة الاستمتاع بالحقد والكره إلى أقصى حد ممكن. بل ولا أبلغ ذروة السعادة والمجد إلا باحتقار عدد هائل من الكتاب والشعراء وصغار المثقفين. يضاف إلى ذلك أن إعجابي الشيطاني المفرط بالحماقة البلهاء يجعلني أستمتع كثيراً باغتياب الآخرين والنميمة عليهم». انتهى كلام بودلير الذي يتبناه فيليب سوليرز حرفياً. فهو أيضاً كان يحتقر الكثير من كتاب باريس ومثقفيها وشعرائها الذين لا يتمتعون بأي موهبة حقيقية. ولكنهم بارعون في إقامة شبكة من العلاقات العامة.

بمن يعجب فيليب سوليرز؟ بنيتشه، وهيدغر، وفولتير من بين آخرين عديدين. يقول عن هذا الأخير مثلاً ما فحواه: عندما أستيقظ كل صباح ماذا أفعل؟ أبتدئ نهاري بقراءة إحدى رسائل فولتير لكي أموت من الضحك والاستمتاع والانشراح. هل تعلمون بأن رسائل فولتير تشغل 13 مجلداً من منشورات «لابلياد» الشهيرة لدى «غاليمار»؟ أفتح اذن عن طريق الصدفة على إحداها الساعة السادسة والنصف صباحاً. إنها الرسالة رقم 14703. وهي موجهة إلى الفيلسوف ديدرو:
«يا صديقي العزيز:
على الرغم من كل شيء، فإن فلسفة الأنوار تكسب الأرضية يوماً بعد يوم ضد الأصولية الظلامية. ولكن ينبغي العلم أن أعداءنا اليسوعيين يمتلكون أسلحة لا نمتلكها نحن. فالماضي كله معهم والتراكمات التراثية ولكن المستقبل لنا يا صديقي. إنهم يمتلكون الهيبة الدينية والجلباب والقفطان والثروة والسيف وعامة الشعب الرعاع الذي يتبعهم كالقطيع. الشيء المؤلم يا عزيزي هو أن حزب الفلاسفة منقسم على نفسه وغير متوحد على عكس الأصوليين الذين يضطهدونهم والذين هم كالبنيان المرصوص... سمعت بأنك لا تعطي ثقتك في باريس إلا للأشخاص الذين تعرفهم عن كثب حق المعرفة. ومعك الحق؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تنجو من طعنات المتعصبين الغادرة.
أطال الله في عمرك يا سيدي. وأرجو أن تتمكن من توجيه ضربات مؤلمة لذلك الوحش الأصولي الذي لم أستطع حتى الآن إلا عض أذنيه فقط! إذا ما حصل وعدت إلى روسيا مجدداً فالرجاء أن تمر في طريقك عبوراً على قبري».
التوقيع: فولتير

كيف يمكن إلا أن تنتعش وتبتهج عندما تقرأ شخصاً عبقرياً مثل فولتير؟ كيف يمكن أن تمل من كاتب كهذا؟ عندما يقول: الماضي كله معهم ولكن المستقبل لنا تشعر بالفخر والاعتزاز، تشعر بجرعة من الأمل في عصر اليأس والإحباط. نحن المثقفون العرب نعيش الآن نفس حالة فولتير عندما كتب هذا الكلام قبل 250 سنة بالضبط.
هنا تكمن مسافة التفاوت التاريخي بين العرب والغرب. هذا لا يعني أن الدين أو التدين سوف ينتهي وإنما يعني أن إسلام الأنوار سوف ينتصر على إسلام التعصب والظلمات. هذه هي معركة الساعة، بل وكل ساعة من الآن وحتى عشرين أو ثلاثين سنة مقبلة. هذه الرسالة كتبها زعيم الأنوار الفرنسية قبل موته بسنتين فقط ولا أعرف فيما إذا كان ديدرو قد مر على قبره لكي «يقرأ الفاتحة» على روحه أم لا. حتماً فعل لأنه كان يعتبره قائداً لحزب الفلاسفة الذي يخوض حرباً شعواء ضد حزب الأصوليين المسيحيين الجبار.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.