4 خطوات لتناول لحوم الضأن بطريقة صحية

خيارات انتقائها وطرق طهوها المطلوبة

4 خطوات لتناول لحوم الضأن بطريقة صحية
TT

4 خطوات لتناول لحوم الضأن بطريقة صحية

4 خطوات لتناول لحوم الضأن بطريقة صحية

الإكثار من تناول اللحوم الحمراء، وفقاً لنتائج دراسات كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، يمكن أن يرفع من مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل أمراض القلب، والنوع الثاني من مرض السكري، وأنواع معينة من السرطان. كما تحذر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة CDC من استهلاك الكثير من اللحوم الحمراء؛ لأن الدهون المشبعة التي تحتويها يمكن أن تزيد من نسبة الكوليسترول الضار في الدم، وهو عامل خطر لأمراض القلب والسكتة الدماغية.

- خيارات صحية
ولكن من نتائج عدد من الدراسات العلمية، فإن تناول لحم الضأن، ضمن ما يُعرف بـ«نمط التغذية للمناطق المُطلة على البحر الأبيض المتوسط» Mediterranean Diet، يُمكن أن يكون خياراً صحياً وعملياً لتغذية الجسم. ولذا؛ ووفق كثير من المؤشرات في التغذية الإكلينيكية، يمكن للكثيرين من الأصحاء جعل تناولهم للحوم الضأن إضافة صحية في تغذية الجسم ووقايته من الأمراض، إذا تم ذلك ضمن الحقائق الأربع التالية:
1) الاعتدال في التناول. عبر الاهتمام بالاعتدال في كمية اللحم المتناولة منه، يكتسب جسم الإنسان كثيراً من الفوائد الصحية بتناول لحوم الضأن، الغنية بالقيمة الغذائية العالية في جوانب عدة. والغاية الأساسية من تناول اللحوم هي الحصول على البروتينات. والجسم يحتاج إلى البروتينات الحيوانية بالذات؛ لأنها تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية Essential Amino Acids التي يحتاج الجسم إليها.
وكمية البروتين التي يحتاج جسم الرجال والنساء إليها هي 56 غراماً و46 غراماً يومياً، على التوالي. ولتلبية هذا الاحتياج، يجب أن يتناول المرء يومياً على الأقل، ما يقرب من 120 غراماً من الأطعمة البروتينية الحيوانية المصدر، مثل اللحوم (البيضاء أو الحمراء) أو البيض. والبقية، نحو 50 غراماً من الأطعمة البروتينية النباتية المصدر.
وفي مناسبات تناول لحوم الضأن، يُمكن باعتدال رفع تلك الكميات المتناولة منها، مع التخفيف في أيام تالية، لتعويض الفرق على الجسم والتخفيف عليه.
والاعتدال المطلوب في تناول لحوم الضأن الخالية من طبقات الشحوم، هو ألا تتجاوز كميتها في الأسبوع نحو نصف كيلوغرام، وهو ما يُمكن تقسيمه على وجبتين في الأسبوع بوزن 250 غراماً لكل منها. وفي كل 250 غراماً من لحم الضأن الهبر يوجد نحو 10 غرامات من الدهون المشبعة ونحو 12 غراماً من الدهون غير المشبعة، ونحو 100 مليغرام (ملغم) من الكولسترول. وهذه تعتبر كميات معتدلة من الدهون والكولسترول، ويُمكن للجسم أن يتحملها.
كما تشير بعض مصادر التغذية الإكلينيكية إلى أنه بإمكان الأصحاء من الناس، غير المُصابين بأمراض القلب أو السكري أو اضطرابات الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم أو ضعف الكلى أو ضعف الكبد، تناول لحم الضأن بشكل يومي على ألا يتجاوز وزن كمية اللحم الهبر من الضأن 100 غرام في اليوم.

لحوم وشحوم
2) التعامل مع الدهون «بذكاء». إضافة إلى الكولسترول، تحتوي لحوم الضأن على الدهون «المشبعة» غير الصحية لدى الإكثار منها، كما تحتوي على الدهون «غير المشبعة» Unsaturated Fat الصحية. هذه إحدى حقائق التغذية، التي لا تتطلب إلا التعامل بذكاء معها للحصول على الفوائد الصحية لتناول لحوم الضأن ولتخفيف أي سلبيات محتملة له. وإضافة إلى الحرص على «الاعتدال» في التناول، هناك خطوات عدة «أخرى» لتحقيق ذلك. ومن أهمها إزالة الشحوم، لتقليل تناول الدهون المشبعة، وخاصة طبقات الشحوم المختلطة والملتصقة باللحم. أي الحرص على تناول اللحم الهبرLean Meat بإزالة طبقات الشحوم الدهنية الملاصقة للحم.
وكذلك أن يكون طهو لحم الضأن دون إضافة للمزيد من السمن الحيواني أو الزيوت النباتية المهدرجة صناعياً. وأيضاً الحرص على إزالة طبقة دسم الدهون المتكونة على سطح مرق اللحم المسلوق، عند الفراغ من طهوه.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن شحوم لحم الضأن، كما تشير نتائج دراسات مجموعة من الباحثين الأستراليين، تختلف فيما بين الضأن الصغير (الذي عمره ما دون سنة) والذي تغذى على أعشاب المرعى، عن شحوم الضأن الأكبر سناً أو الذي لم يتغذَ بالرعي اليومي. وكذلك تختلف شحوم منطقة البطن (الغنية بالدهون المشبعة) عن شحوم ذيل الخروف أو «الليّة» (الغنية بالدهون غير المشبعة). وتفيد نتائج تحليلهم لمكونات الشحوم أن: الدهون المشبعة في لحم صغار ضأن المرعى، تشكل نسبة الثُلث فقط (والبقية هي دهون صحية وغير مشبعة)، وأنها تحتوي على كميات أعلى من دهون أوميغا - 3 وأوميغا - 6 الصحية.
وتعلل تلك الدراسات هذا الجانب الصحي بتأثير عاملين، الأول هو المكونات الغذائية في الأعشاب الطبيعية التي توفر للضأن مصادر غنية للتغذية الطبيعية. والآخر، هو فائدة نشاط حركة الضأن في التنقل والبحث عن غذائه الطبيعي بشكل يومي والتعرض لأشعة الشمس، بما يُسهم في بناء جسم الضأن بطريقة صحية ويزيل عنه تراكم كميات كبيرة من الدهون المشبعة الضار تناولها من قبل الإنسان.
3) انتقاء قطع اللحم. تحوي كمية بوزن 3 أونصات (85غراما) من لحوم الضأن بشكل تقريبي على نسبة 40 في المائة من احتياج الجسم اليومي لمعدن السيلينيوم، و35 في المائة في المائة من فيتامين «بي – 12»، و35 في المائة في المائة من فيتامين «بي – 3»، و30 في المائة من معدن الزنك، و25 في المائة من معدن الفوسفور، و20 في المائة من معدن الحديد، و15 في المائة من معدن النحاس، و12 في المائة من معدن الكالسيوم، و110 الكثير من مركبات تريبتوفان البروتينية.
وبالعموم، في كمية ثلاث أونصات (85 غراماً) مشوية من لحم الضأن، يشكل الماء نحو 50 غراماً، ولكن تختلف كمية السعرات الحرارية في تلك الكمية من اللحم باختلاف أجزاء جسم الضأن المأخوذة منه. وتلك الكمية من لحم الفخذ تحتوي على نحو 160 كالوري من السعرات الحرارية، ومن لحم سلسلة الظهر نحو 170 كالوري، ومن منطقة الكتف نحو 245 كالوري، ومن لحم «الموزات» (الذراع والساق) نحو 150 كالوري. بينما تحتوي الكمية نفسها من الضلوع المشوية مع الشحم،: «الريش»، على نحو 300 كالوري. ومن «كبد الضأن» تحتوي الكمية نفسها على 200 كالوري، ولكنها أيضاً تحتوي على كمية أعلى، بمقدار الضعف، من الكولسترول مقارنة باللحم الهبر من أي أجزاء الضأن.
ولأن لحم الضأن خالٍ تقريباً من سكريات الكربوهيدرات، فإن اختلاف كمية طاقة كالوري السعرات الحرارية سببه اختلاف كمية كل من الدهون والبروتينات في اللحم الهبر، من الأجزاء المختلفة لجسم الضأن. وتحديداً، قطع اللحم الهبر من الكتف أعلى احتواء على البروتينات والدهون. وقطع لحم «موزات» الساق والذراع تحتوي تقريباً على ربع كمية الدهون الموجودة في لحم خاصرة سلسلة الظهر أو بقية الفخذ والكتف، وغنية أكثر بألياف كولاجين ومنخفضة المحتوى بالكولسترول نسبياً. والبروتينات والدهون في لحم الفخذ ولحم سلسلة الظهر مقدارها متوسط.

طهو صحي
4) الطهو بطرق صحية. هناك العديد من الأسباب لطهو اللحم، بما في ذلك قتل الميكروبات في الطعام لجعله آمناً للأكل، وتحسين الملمس لتليين اللحوم الصلبة، وتحسين اللون للحم، وتحسين النكهة والرائحة. ومن المهم استخدام ظروف الطهي المناسبة، مثل درجة الحرارة ومدة الطهي. وطرق الطهي الصحية تعمل على إكساب اللحوم ألذ النكهات، والاحتفاظ بالعناصر الغذائية فيها، دون إضافة أي مقادير مفرطة من الدهون أو الملح.
ويتم طهو لحم الضأن بطرق متعددة، منها الشواء في الفرن أو على الجمر، والغلي إما بالماء الحار مباشرة أو على بخار الماء، والقلي السطحي. وخلال طهي لحم الضأن، تحصل تغيرات فيزيائية وكيميائية عدة فيه، بناءً على أن اللحوم بالأصل هي عضلات، والعضلات مكونة من خلايا عضلية وأنسجة ليفية ضامة ودهون وماء.
والنسيج الضام ينكمش بسرعة عند التعرض السريع للحرارة العالية، وتصبح قطعة اللحم غير قابلة للمضغ. ولكن هناك نوعاً ناعماً من النسيج الضام المتغلغل في تراكيب اللحوم، يتحول إلى جيلاتين مع النضج في الطهو، ويعطي قطع اللحم ليونة وطراوة. وكلما تم الطهو «ببطء» و«لفترة طويلة» لأجزاء اللحوم الغنية بالألياف والكولاجين، أصبحت تلك الألياف واللحوم أكثر ليونة وأكثر استرخاءً، وبالتالي أكثر سهولة للمضغ والبلع. وأثناء طهي اللحوم تحصل تفاعلات كيميائية عدة، لبروتينات العضلات نفسها. ومع بلوغ درجة حرارة 140درجة مئوية عند الشواء، تُنتج «تفاعلات ميلارد» المئات من المركبات الكيميائية الجديدة، التي تُكسب اللحم اللون البني وتعطيه النكهة والطعم المميزين للشواء. كما تحصل تفاعلات إنضاج تفتيت البروتينات، لتسهيل هضمها وامتصاص العناصر الغذائية منها في الأمعاء.
ولأن اللحم موصّل ضعيف للحرارة، فإن غلاف قطعة اللحم قد ينضج عند الشواء أو القلي، بينما الأجزاء الملتصقة بالعظم تظل نيئة. ولذا؛ فإن أفضل طريقة لطهو اللحوم هو بالحرارة المنخفضة وببطء ولمدة طويلة.

- 7 خطوات لشواء لحم الضأن بطريقة صحية
> يتطلب شواء لحم الضأن بطريقة صحية، مراعاة الجوانب الصحية التالية:
- إزالة قطع الدهن عن اللحم لتقليل تناول الشحوم ولتقليل انبعاث المركبات الكيميائية والغازات الضارة عند تساقط واحتراق الدهون على الجمر. وقطع اللحم الصغيرة يسهل اكتمال نضجها، وتقل مدة تعرضها لحرارة الجمر، ما يزيد من ليونة طراوتها وتكوين نكهة التوابل في داخلها.
- النقع في «تتبيلة» اللحم يُسهل سرعة النضج وخفض احتمالات تفحم بروتينات ودهون اللحم خلال الشواء. ومن تلك التتبيلات: الخل أو أوراق الروزماري أو مزيج من الكركم مع الثوم أو عصير أحد أنواع الفواكه الطازجة كالرمان. ثم تجفيف وتصفية اللحم من السوائل التي تم تتبيله فيها، قبل بدء شواء قطع اللحم.
- استخدام الحطب أو الفحم النباتي للشواء أفضل صحياً؛ لأن جمره أخف حرارة (بما يكفي لشواء اللحم)، والتأني في الشواء عبر تقليل كمية الجمر المستخدم وإبعاد قطع اللحم عنه شيئاً قليلاً. ويشير المجمع الأميركي للسرطان، إلى ضرورة تقليل كمية الفحم الصناعي. وتُضيف، أن جمر الحطب النباتي بالذات تصدر مع دخانه مواد طبيعية مضادة للأكسدة، أما الفحم الحجري فتتطاير منه غازات سامة ودرجة حرارته أعلى.
- بعد ضمان نضج الأجزاء الداخلية في قطع اللحم، الحرص على تقليل مدة بقاء اللحم فوق الجمر. كما يجدر حماية قطع اللحم من الحرارة المباشرة والشديدة للجمر عبر تخليل قطع اللحم بقطع من الخضار الغنية بالمواد المضادة للأكسدة، كالفلفل الحار أو الفلفل البارد أو الطماطم أو البصل أو غيرها؛ وذلك لتقليل نشوء المواد المسببة للسرطان.
- مما يُسهل امتصاص الأمعاء لحديد لحم الضأن، إضافة الفلفل الأحمر، بنوعيه الحار والبارد، وإضافة البقدونس، والطماطم، عند تناول لحم الضأن المشوي، لأن هذه المنتجات النباتية تحتوي كميات عالية من فيتامين سي.
- إضافة الفلفل الأسود (المحتوي على مركب ببرين Piperine) إلى لحم الضأن قبل الشواء، تُسهم في تسهيل امتصاص عدد من فيتامينات مجموعة بي المتوفرة في لحم الضأن، كما تُسهم في تسريع امتصاص معدن السيليونيوم المتوافر بغزارة في لحم الضأن.
- مما يساعد الجهاز الهضمي على هضم اللحوم، تناول عدد من الفواكه المحتوية مصادر مركبات طبيعية لأنزيم بروتييز Protease Enzyme، الذي لديه خصائص قوية لتفتيت البروتينات Proteolytic. ومن أمثلتها الكيوي، والأناناس، والبابايا، والمانغو، والتين.


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.