بعد أن تخلى عنه وزراء معينون حديثاً وأكثر من 60 مسؤولاً بالحكومة في حركة جماعية غير مسبوقة في التاريخ السياسي البريطاني، في تمرد جعل الحكومة مهددة على نحو متزايد بخطر الشلل، أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون استقالته أمس من زعامة الحزب. واستقال جونسون من منصبه رئيساً تنفيذياً لحزب المحافظين بعد 3 سنوات مضطربة خرجت خلالها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعانت من جائحة «كوفيد» وفضائح متزايدة. وأعلن جونسون، البالغ من العمر 58 عاماً، أنه سيبقى في منصبه رئيساً للوزراء حتى انتخاب بديل له. وقال جونسون، أمام مقر الحكومة: «يتعين أن تبدأ عملية اختيار زعيم جديد الآن». وأضاف: «اليوم، قمت بتعيين حكومة قائمة بالأعمال، وسأواصل عملي لحين انتخاب زعيم جديد».
وأذنت استقالة وزير الخزانة ريشي سوناك، ووزير الصحة ساجد جاويد، مساء الثلاثاء، بقرب سقوط جونسون بعد سلسلة من فضائح حفلات الحجر الصحي، وأخرى جنسية، تتعلق آخرها بالنائب المسؤول عن انضباط النواب المحافظين، الذي عيّنه في فبراير (شباط) رغم توجيه تهم له في السابق. فبعد نفي «داونينغ ستريت» علم جونسون بالاتهامات السابقة الموجهة له، كشف موظف حكومي كبير سابق أنه أُبلغ في 2019 بحادث آخر على صلة ببينشر. وأدت القضية إلى تغيير مواقف كثيرين في حزب المحافظين الذين غضبوا لاضطرارهم للدفاع عن أكاذيب جونسون كما قالوا.
لكن يبدو أن رحيل وزيرة التعليم ميشيل دونيلان، الخميس، ودعوة وزير المالية الجديد ناظم زهاوي له إلى الاستقالة، وكلاهما عينا قبل يومين فقط، هو ما رجح كفة الميزان. وكتب زهاوي على «تويتر»: «هذا وضع غير قابل للاستمرار، وسيزداد سوءاً بالنسبة لك ولحزب المحافظين، والأهم من ذلك، للبلد كله». وأضاف: «يجب أن تفعل الشيء الصحيح وترحل الآن».
وسيبقى جونسون رئيساً للوزراء حتى الخريف المقبل، عندما ينتخب الحزب الحاكم زعيماً جديداً خلفاً له. وقالت هيئة «بي بي سي»، نقلاً عن أحد مساعدي جونسون، إنه «سيستقيل من منصب زعيم المحافظين اليوم، وسيستمر رئيساً للوزراء حتى الخريف»، مضيفاً أن انتخابات زعيم حزب المحافظين ستجري هذا الصيف، وسيحل الفائز محل جونسون بحلول أكتوبر (تشرين الأول). وتعليقاً على الاستقالة، قال زعيم المعارضة العمالية، كير ستارمر، إنها «أنباء سارة (لكن) لسنا بحاجة إلى تغيير في قيادة حزب المحافظين. نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي في الحكومة».
بدأ تسارع الأحداث الخميس باستقالة وزير آيرلندا الشمالية، براندون لويس، الذي قال إن جونسون «تجاوز نقطة اللاعودة». ولكن حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء تحدى جونسون دعوات أنصاره وزملائه في مجلس الوزراء للتنحي عن طريق إقالة الوزير مايكل غوف حليفه السابق.
وذكرت تقارير أن وزير الدولة للإسكان كان أول من قال له إن عليه أن يستقيل من أجل مصلحة حزب المحافظين والبلد. وقال مصدر مقرب من جونسون لهيئة «بي بي سي» إن غوف كان «ثعباناً». وذكرت صحيفة «ذا صن» إن جونسون قال لوزرائه إنه سيتعين عليهم «غمس أيديهم في الدماء» لإزاحته عن منصبه. وقال ويل والدن، مدير الاتصالات لدى جونسون، عندما كان رئيس بلدية لندن، إن رئيس الوزراء «لا يتغير ولن يتغير». وكتب في صحيفة «ذا تايمز» إنه «لا يعبر عن أسف. ولن يفعل. ولا يقدم استقالته. على الأقل طالما بإمكانه ألا يفعل». لكن يبدو أن أحداث الخميس جعلت الأمور تخرج من يده.
وحصلت مواجهة بين جونسون وأعضاء حكومته، الأربعاء، بعد أن استجوبته لجنة برلمانية من بين أعضائها وزيرة الداخلية بريتي باتيل.
وقالت كاميلا كافنديش، الرئيسة السابقة لوحدة السياسات في الحكومة لهيئة «بي بي سي» إن بريطانيا لم تعد لديها «حكومة فاعلة»، فيما تكررت الدعوات لجونسون بالرحيل حتى وقت متأخر من المساء. وقالت المدعية العامة، سويلا برافرمان، لقناة «آي تي في» إنها لن تستقيل، لكنها ترى أن «الميزان يميل الآن لصالح القول (...) إنه حان وقت الرحيل». وقالت أيضاً إنها ستترشح لقيادة الحزب.
وكان جونسون قد نجا بفارق ضئيل من التصويت بحجب الثقة عنه بين نواب المحافظين قبل شهر. وهذا يعني عادةً أنه لا يمكن إعادة التصويت بالثقة لمدة عام آخر. لكن معلومات أفادت بأن «لجنة 1922» (المكتب السياسي للحزب، إذا صح التعبير) المؤثرة التي تضم نواباً محافظين ليسوا أعضاء في الحكومة تسعى لتغيير القواعد، وأعلنت الأربعاء أنها ستنتخب لجنة تنفيذية جديدة الأسبوع المقبل. وأكد جونسون أمام البرلمان، الأربعاء، أنه باقٍ في منصبه، وأصرّ على أن البلاد بحاجة إلى «حكومة مستقرة». لكن جاويد حثّ في كلمة ألقاها أمام النواب الوزراء الآخرين على الاستقالة. وقال في حين خيّم صمت على مجلس العموم: «المشكلة تبدأ من القمة، وأعتقد أن ذلك لن يتغير». لكن في نهاية كلمته، ترددت في القاعة صيحات «وداعاً بوريس». ورداً على سؤال عن الأزمة في بريطانيا، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: «نأمل أن يأتي يوماً أشخاص أكثر مهنية وقدرة على اتخاذ قرارات عبر الحوار، إلى السلطة في بريطانيا».
وكان المشهد مغايراً تماماً عما كان عليه الحال عام 2019 عندما تولى جونسون (58 عاماً) السلطة، مدعوماً بأغلبية كبيرة، بعد أن فاز بأصوات في دوائر انتخابية محسوبة على حزب العمال لم تكن قد دعمت حزب المحافظين من قبل.
ومن المتوقع بعد تقديم جونسون استقالته اليوم (الخميس)، أن تبدأ عملية البحث عن زعيم جديد. وقال كريس ماسون، المحرر السياسي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، على «تويتر»، إنه تم اختيار فريق حكومي بريطاني كامل، وذلك قبيل الاستقالة المتوقعة لجونسون.
ويمكن أن تختلف الفترة الزمنية لاختيار رئيس الوزراء اعتماداً على عدد المتقدمين للمنصب. كانت تيريزا ماي قد تولت المنصب بعد أقل من 3 أسابيع من استقالة ديفيد كاميرون في عام 2016 وانسحاب جميع المتنافسين الآخرين في منتصف السباق. وتنافس جونسون مع وزير الصحة السابق جيريمي هنت، قبل تصويت أعضاء حزب المحافظين لاختيار من يحل محل ماي في عام 2019. وتولى المنصب بعد شهرين من إعلان ماي اعتزامها تقديم استقالتها.
ويتعين أن يرشح اثنان من أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين، أي شخص يتقدم للمنصب، وقد يكون عدد المتقدمين كبيراً. ويجري النواب المحافظون بعد ذلك عدة جولات تصويت لخفض عدد المرشحين. وفي كل مرة يُطلب منهم التصويت بشكل سري لصالح مرشحهم المفضل، ويتم استبعاد من يحصل على أقل الأصوات. وتتكرر هذه العملية إلى أن يصل عدد المتنافسين إلى اثنين. وكان التصويت في السابق يجري في أيام الثلاثاء والخميس. لكن من المقرر أن يبدأ البرلمان العطلة الصيفية التي تستمر 6 أسابيع في 21 يوليو (تموز)، لذا قد يتعين تسريع العملية. يجري بعد ذلك تصويت بالبريد على المرشحين الاثنين الأخيرين، ويشمل جميع أعضاء حزب المحافظين، ويعين الفائز رئيساً للوزراء.
زعيم الحزب صاحب أكبر عدد من الأعضاء في مجلس العموم هو رئيس الوزراء الفعلي. ولا تتعين عليه الدعوة لانتخابات مبكرة، لكن يحق له ذلك.