أخيراً، رأت حكومة إليزابيث بورن التي أعاد الرئيس إيمانويل ماكرون تكليفها لتشكيل الحكومة الثانية في ولايته الجديدة النور بعد سلسلة مشاورات مكثفة أجراها ماكرون شخصياً ثم بورن مع رؤساء المجموعات النيابية سعياً وراء توفير أكثرية مطلقة في البرلمان الجديد عقب الانتخابات التشريعية التي فشلت خلالها لوائحه في الحصول على الأكثرية المطلقة. بيد أن مساعي رأسي السلطة التنفيذية لم تكن مجدية؛ إذ لم يقبل أي حزب من أحزاب المعارضة اليمينية أو اليسارية الدخول في تحالف أو ائتلاف حكومي معه.
والصدمة جاءت بشكل خاص من حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الذي راهن ماكرون وبورن على اجتذابه لصف الأكثرية. والحال أن الأكثرية رفضت السير بالمشروع الرئاسي وقام أوليفيه مارليكس، رئيس مجموعة الحزب البرلمانية بإرسال رسالة إلى رئيسة الحكومة المكلفة يدعوها فيها لوقف مساعيها ويعلمها رفض الحزب القاطع التجاوب مع دعوة السلطة التنفيذية. والأسوأ من ذلك أن نواباً أو شخصيات كانت قد دعت إلى التعاون مع ماكرون وقبول اليد الممدودة لهم مستندين إلى أن سياسة ماكرون ليست بعيدة عن توجهات حزبهم وأن العديد من كبار وزرائه هم من اليمين مثل وزيري الداخلية والاقتصاد، فضلاً عن أن رئيسي حكومتيه في عهده الأول إدوار فيليب وجان كاستيكس جاء كلاهما من صفوف اليمين. وبالتوازي، كانت الأكثرية النسبية في البرلمان تراهن على اجتذاب مرشح الخضر الرئاسي السابق يانيك جادو، إلا أن الأخير اختار البقاء بعيداً عن الحكومة.
هكذا تكون جهود ماكرون ــ بورن لتوسيع القاعدة النيابية للحكومة قد ذهبت أدراج الرياح، وبالتالي سيتعين على إليزابيث بورن أن تسعى لدى كل مشروع قرار يرفع إلى المجلس النيابي أن تبحث عن أكثرية تدعمه، أحياناً من اليمين وأحياناً من اليسار. وما يدل على ضعف حكومتها أنها ستعمد يوم الأربعاء إلى إلقاء كلمة تعرض فيها سياسة حكومتها العامة. وتقليدياً، كان يفترض أن تطلب التصويت على الثقة بحكومتها بناءً على برنامجها. والحال أن بورن أفادت بأنها لن تطرح الثقة بحكومتها الأمر الذي يدل على ضعفها وعلى خوفها من فشلها في الحصول عليها، إلا أن إحدى نواب حزب «فرنسا المتمردة» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلانشون أكدت أن حزبها سيطلب طرح الثقة بالحكومة وأن الأخيرة لن تعمر أبعد من الأربعاء. وإذا قبل اقتراح طرح الثقة، فإن مصير الحكومة سيكون بأيدي الأحزاب المعارضة خصوصاً أن مساعدي النواب الذين دخلوا إلى الحكومة الجديدة لن يكون لهم حق التصويت قبل مرور شهر كامل. وستتوجه الأنظار إلى تصويت الأحزاب المعارضة ما سيعكس طبيعة تعاملها مع الحكومة في الأشهر المقبلة.
في الرابعة من بعد ظهر اليوم، عقدت الحكومة المؤلفة من 42 وزيراً ووزيرة بالتساوي اجتماعها الأول في قصر الإليزيه برئاسة إيمانويل ماكرون، واستفاد الأخير من المناسبة لتحميل المعارضة مسؤولية الضبابية التي ستحيط بعمل الحكومة ومجلس النواب بقوله إنه: «يتعين الأخذ بعين الاعتبار غياب الإرادة من جانب الأحزاب الحكومية للدخول في اتفاق حكومي أو في أي شكل من أشكال التحالف». وأشار إلى «الحقبة الاستثنائية» في الداخل والخارج بسبب الوضع السياسي الفرنسي من جهة والحرب الدائرة على التراب الأوروبي والتي ستنعكس نتائجها العميقة على الاقتصاد الوطني وحياة الفرنسيين بالإضافة للمشروع الأوروبي. ودعا الحكومة إلى التحلي بالإرادة الصلبة والطموح لأن فرنسا تحتاج إلى إصلاحات ولأنها تحتاج للتحلي بروح المسؤولية من أجل التوصل إلى التفاهمات المطلوبة. ولأن الوضع السياسي للحكومة تغير جذرياً عما كان عليه في الولاية السابقة، فإن ماكرون دعا إلى «إدخال تحولات عميقة على العمل الجماعي» حيث لم يعد يستند إلى أكثرية ساحقة في البرلمان ما يلزمه ويلزم الحكومة بالبحث عن تسويات مع المعارضة والاستماع لها ولمقترحاتها والتعديلات التي ستطرحها على مشاريع القوانين.
كان من الطبيعي أن تنصب الانتقادات على الحكومة الجديدة. وإذا لم تطرح الثقة بها يوم الأربعاء، فإن الاختبار الأول لها سيكون يوم 18 يوليو (تموز) مع البدء بمناقشة مشروع القانون الخاص بدعم القدرة الشرائية للمواطنين الذي تريد الحكومة إقراره قبل نهاية الشهر الجاري. ولا شك أن المعارضة ستتقدم بالعديد من التعديلات وسيكون موقف الحكومة تحت المجهر.
في الساعات القليلة الماضية، عمدت الأحزاب السياسية إلى «تشريح» التوليفة الحكومية التي أبرز ملامحها رغبة ماكرون في دعم حليفيه السياسيين الرئيسيين فرنسوا بايرو، رئيس الحركة الديمقراطية «موديم» من جهة وإدوار فيليب، رئيس حزب «هوريزون» من جهة أخرى وذلك عن طريق زيادة تمثيلهما الحكومي، إلا أن الحقائب الرئيسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد، الداخلية والعدل) بقيت بعهدة وزرائها في حكومة بورن الأولى.
وعمد ماكرون إلى نزع الشوكة التي كانت في قدمه والمتمثلة بـداميان آباد، وزير المعاقين في الحكومة السابقة الذي فُتح بحقه تحقيق قضائي بعد توجيه تهم له تتعلق بالاغتصاب. وآباد كان من غنائم ماكرون لأنه كان يرأس مجموعة نواب حزب «الجمهوريون» اليميني قبل أن يستقيل ويلتحق بـماكرون الذي عينه وزيراً. وكافأ ماكرون الوزراء الشباب الواعدين وعلى رأسهم وزير الشؤون الأوروبية في الحكومة السابقة كليمان بون الذي عينه وزيراً للنقل وعين مكانه الخبيرة الاقتصادية لورانس بون، وليس بين الاثنين أي علاقة قرابة. وكانت الأخيرة ترأس مجموعة الخبراء لدى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي مقرها باريس.
ومن الوجوه الجديدة سارة الحائري، الفائزة حديثاً بمقعد نيابي وقد عينت وزيرة دولة لشؤون الشباب وخدمة العلم وهي تنتمي إلى الحركة التي يرأسها الوزير السابق فرنسوا بايرو. كذلك يبرز اسم كارولين كايو، رئيسة بلدية مدينة بوفيه «شمال باريس» المنتمية إلى حزب «الجمهوريون» التي عينت وزيرة مفوضة لشؤون المجموعات المحلية واسم أوليفيه كلاين رئيس بلدية مدينة كليشي سو بوا، الاشتراكي السابق الذي عين وزير دولة لشؤون المدينة والإسكان.
الحكومة الفرنسية الجديدة: «أفضل الممكن»
رئيسا السلطة التنفيذية أخفقا في إقامة ائتلاف حكومي أو اجتذاب شخصيات وازنة من المعارضة
الحكومة الفرنسية الجديدة: «أفضل الممكن»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة