تتعمق الخلافات السياسية بين طرفي الانقسام، حركتي «فتح» و«حماس»، وتطال كل جوانب حياة الفلسطينيين، في التمثيل السياسي والانتخابات العامة وإدارة شؤونهم اليومية، الرواتب والوظائف والحريات وفي الوزارات والنقابات، غير أنها مؤخراً راحت تعصف بالجامعات بما يمس حياة الطلاب التعليمية.
المناكفات التي تشهدها الجامعات الفلسطينية منذ سنوات، أصبحت اليوم تتعدى المنافسة على الفوز في انتخابات مجالس الطلبة، التي تكتسب أهميتها طبعاً بصفتها مقياساً مهماً لمدى شعبية وتأثير وقدرة أي فصيل على حشد مناصريه، وتعكس صورة مهمة عن الرأي العام. مع ملاحظة أن الانتخابات تجري في جامعات الضفة، ولا تسمح لها «حماس» في قطاع غزة.
الأحداث الأخيرة في جامعة النجاح الوطنية في نابلس كبرى الجامعات الفلسطينية، دقت ناقوس الخطر من تأثير المناكفات السياسية على المسيرة التعليمية، بعد مناوشات بين شبيبة حركة «فتح» والكتلة الإسلامية التي تمثل حركة «حماس». وقد بدأت بخلافات تحولت إلى ضرب وإطلاق نار، قبل أن يختلط الحابل بالنابل، فيتدخل رجال أمن مدنيون وكذلك أمن الجامعة، في مواجهات تحولت فيديوهاتها إلى «ترند»، وتناقلها الفلسطينيون عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهي تزخر بمشاهد مؤلمة لطلبة يعتدون على بعضهم بعضاً بلا رحمة، بما فيها الرش بالغاز، قبل أن تتعطل المسيرة التعليمية لأيام ويضرب الطلبة عن الدوام، حتى بعد اتخاذ الجامعة إجراءات لتدارك الأزمة التي انتهت بفصل مدير أمن الجامعة وحراس أخرين. الكاتب الفلسطيني رباح جبر، كتب معلقاً، إن الانقسام بآثاره المدمّرة الاجتماعية والقيمية السلبية، امتدت لتطال النسيج الاجتماعي والوحدة الميدانية في مواجهة الاحتلال، وعلى تنشئة الأجيال المقبلة. ورأى، أن لغة التشكيك والتخوين والحملات الإعلامية المتبادلة «لن تجد متنفساً لها وتعبيراً عنها، إلا بالاشتباك والاقتتال الداخلي بين الكتل التي تعدّ امتداداً تنظيمياً لطرفي الانقسام». وانعكس الوضع في الجامعات في تبادل الاتهامات المتصاعد بين حركتي «فتح» و«حماس» حول أحداث جامعة النجاح، ففي الوقت الذي اتهمت فيه «حماس»، الفتحاويين، بمحاولة عسكرة الجامعات وتحويلها إلى مقرات أمنية، اتهمت «فتح»، الحمساويين في الضفة، باختلاق الأزمات والفوضى، في محاولة لأضعاف السلطة والسيطرة على الضفة كما فعلت في قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن جامعة النجاح اتخذت إجراءات قاسية لوضع حد لتصاعد العنف داخل الجامعة، وفصلت طلاباً من «حماس» و«فتح»، فإنها تراجعت أمام سطوة التنظيمات، فأعادتهم، قبل أن تتفجر اشتباكات أخرى قادت لقرارات أقسى، بفصل مدير أمن الجامعة وعدد من رجال الأمن فيها، والقضية لا تزال نتفاعل تنظيمياً رغم أنها مسألة داخلية خاصة بالجامعة. ويمكن رؤية مدى تحكم الفصائل في كل تفصيلة صغيرة في الحرم الجامعي، بردود الفعل التي رافقت قرارات مجلس أمناء الجامعة التي اعتمدت كافة توصيات لجنة التحقيق المعينة عقب إقدام عناصر أمن الجامعة بقمع الطلبة.
وكان مجلس أمناء جامعة النجاح، قد اعتذر للطلبة ولأسرة الجامعة، ولكل من تضرر من هذا الحدث، وقرر منح مدير دائرة أمن الجامعة إجازة مفتوحة، لحين اتخاذ القرار بشأنه. كذلك إنهاء خدمات ستة من موظفي أمن الجامعة ممن ثبتت مشاركتهم في العنف بمواجهة الطلبة. كما أحال 16 موظفاً آخرين شاركوا في الاعتداء على الطلبة، إلى اللجان المختصة، لاتخاذ الإجراء التأديبي المناسب وفق أنظمة الجامعة. وقبل مجلس الأمناء التوصية بإجراء انتخابات مجلس الطلبة في موعدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وانتظام الانتخابات في كل عام.
لكن كل ذلك كان محل خلاف فصائلي أيضاً. ففي حين رحبت «حماس» وفصائل يسارية بهذه القرارات، وقالت «حماس»، إنها تأمل في أن تكون «مؤسسة لمرحلة جديدة في جامعة النجاح، يسودها الاحترام والعمل النقابي الحرّ والتنافس الشريف»، اعتبرت «فتح»، أن القرارات «مجتزأة» بحثت عن المعالجات السهلة لتحمي المتسببين الحقيقيين في افتعال وتصاعد الأزمة. واعتبرت أن «حماس» افتعلتها «لغايات سياسية حزبية ضيقة»، واصفة القرارات بأنها «للاستهلاك الإعلامي وتنفيس الرأي العام، على حساب وضع حلول جذرية لأزمة الجامعة المتراكمة». وأنها خضعت لابتزاز حركة «حماس». وانتقدت موقف لجنة التحقيق المسبق من الأزمة، حيث إنها «عالجت آثار الأزمة ولم تعالج جذورها» المتمثلة بمن خطط وافتعل الأزمة داخل جامعة النجاح. وحمّلت حركة «فتح» مجلس أمناء الجامعة مجتمعاً، وحركة «حماس»، «مسؤولية تداعيات قراراتهم المجتزأة». يتساءل الفتحاويون في الضفة، عن السبب الذي يقود «حماس» للمشاركة في انتخابات الجامعات في الضفة الغربية، في حين تمنع أي انتخابات في جامعات قطاع غزة منذ سيطرت الحركة على القطاع في 2007، مثلما منعت انتخابات المجالس المحلية وبعض النقابات.
وهو أمر وصفه الكاتب جبر، بأنه ساهم إلى حد كبير «في إفساد الحياة الجامعية وأبعدها عن تحقيق أهدافها».
لكن المحامي علي أبو حجلة، لا يرى المسألة «عنفاً سياسياً فقط، وإنما اجتماعي كذلك». واعتبر أن غالبية الجامعات، مثل الخليل والقدس ورام الله وجنين، إضافة إلى النجاح، شهدت أعمال عنف بين الطلبة، كامتداد لمشاكل عائلية أو خلافات شخصية وسياسية بين الطلبة؛ نظراً للانقسام الفلسطيني.
وتساءل، إن كان وجود السياسة صحياً في العملية التعليمية؟ وماذا عن تطبيق وثيقة الشرف التي وقعتها الكتل الطلابية؟ وهل الكتل تنفذ أجندات تنظيماتها؟ أسئلة لا بد من الإجابة عنها «لتجنيب الجامعات العنف السياسي الذي ينعكس بمردوده على الأمن والسلم المجتمعي».
في الختام، تجدر الإشارة، إلى أنه لا يمكن الفصل بين ما يحدث في الجامعات، بعيداً عن الأزمة السياسية العميقة في فلسطين، وانعدام الثقة المتبادل بين المؤسسات. وقد طالب مجلس الجامعات الفلسطينية بـ«ضرورة إعداد البرامج التوعوية التربوية والإرشادية لمجالس الطلبة، وتنظيم ورش عمل، تؤصل لدى الطلبة احترام الرأي والرأي الآخر، وتغليب ثقافة الحوار على ثقافة العنف».
لكن لا شيء في فلسطين التي تقبع تحت الاحتلال، لا يخضع لسطوة الفصائل حتى الجامعات.
الانقسام الفلسطيني يضرب كل شيء حتى الجامعات
(تحليل إخباري)
الانقسام الفلسطيني يضرب كل شيء حتى الجامعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة