إسبانيا تدرس تقديم شكوى ضد الجزائر أمام الاتحاد الأوروبي

بسبب تجميدها المبادلات التجارية بين البلدين... وانتهاك اتفاق الشراكة

رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خلال حديثه عن الأزمة مع الجزائر في البرلمان الإسباني بمدريد (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خلال حديثه عن الأزمة مع الجزائر في البرلمان الإسباني بمدريد (إ.ب.أ)
TT

إسبانيا تدرس تقديم شكوى ضد الجزائر أمام الاتحاد الأوروبي

رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خلال حديثه عن الأزمة مع الجزائر في البرلمان الإسباني بمدريد (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خلال حديثه عن الأزمة مع الجزائر في البرلمان الإسباني بمدريد (إ.ب.أ)

تدرس الحكومة الإسبانية تقديم شكوى أمام الاتحاد الأوروبي ضد الجزائر، لاعتبارها أن القرار الذي اتخذته هذه الأخيرة بتجميد المبادلات التجارية بين البلدين، «قد يشكل انتهاكاً لاتفاق الشراكة الموقع منذ عام 2005 بين بلدان الجنوب المتوسطية والمجموعة الأوروبية، الذي يحدد شروطاً تفضيلية للعلاقات التجارية بين الطرفين»، كما قال مصدر إسباني مسؤول أمس.
وأضاف المصدر في حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، أن الخارجية الإسبانية «تحضر رداً مناسباً، هادئاً وبناءً، لكن حازماً دفاعاً عن مصالح إسبانيا والشركات الإسبانية»، على القرار الجزائري.
كانت إسبانيا قد فوجئت مساء أول من أمس بخبر صدر عن جمعية المصارف والهيئات المالية في الجزائر، مفاده أنها أصدرت تعليمات إلى المصارف الجزائرية بتجميد جميع معاملات التجارة الخارجية للسلع والخدمات من إسبانيا وإليها، ما يعني وقف المبادلات التجارية الثنائية بين البلدين. وفيما تدرس الحكومة الإسبانية التداعيات العملية على الصعيدين المحلي والأوروبي للقرار الجزائري، الذي يأتي رداً على الانعطاف في موقف مدريد من قضية الصحراء، قرر وزير الخارجية الإسباني مانويل آلباريس، إلغاء رحلته المقررة إلى الولايات المتحدة للمشاركة في قمة البلدان الأميركية، ووصل أمس الجمعة إلى بروكسل للتباحث مع نائب رئيس المفوضية المسؤول عن السياسة التجارية في الاتحاد، التي تعود صلاحياتها للاتحاد وليس للدول الأعضاء.
وتنص المادة 38 من الاتفاق الموقع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي على «تعهد الطرفين السماح بكل المدفوعات الجارية بالعملات القابلة للتحويل لإبرام الصفقات، وضمان حرية تنقل رؤوس الأموال للاستثمارات المباشرة في الجزائر واستعادة الأرباح». كما ينص الاتفاق على أن أي نزاع ينشأ حول تطبيق المعاهدة، أو تفسيرها، يعرض على مجلس الشراكة الذي يضم الوزراء الأوروبيين والجزائريين، أو على لجنة مشتركة من مندوبي الطرفين، ويكون القرار الصادر عنها ملزماً.
وفيما صرحت أمس الناطقة بلسان السياسة الخارجية الأوروبية، نبيلة مسرالي، بأن قرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة الموقعة مع إسبانيا يبعث على القلق الشديد، ودعت الحكومة الجزائرية إلى إعادة النظر في قرارها، من غير أن تشير إلى تجميد العلاقات التجارية، اعتبر الناطق بلسان المفوضية الأوروبية، أريك مامير، أن القرار الجزائري «مصدر للقلق البالغ»، ودعا الجزائر إلى التراجع عنه.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإسباني، عقب وصوله أمس إلى بروكسل، أن القرار الجزائري ليس مفترضاً أن يؤثر على تدفق الغاز من الجزائر إلى إسبانيا، معرباً عن أمله في أن لا تتعرض هذه الإمدادات لأي عراقيل «لأنها تخضع لعقود مبرمة بين شركات خاصة لعشر سنوات». وقال آلباريس إن الحكومة الإسبانية حريصة على أفضل العلاقات مع الجزائر، على غرار بقية البلدان المجاورة، انطلاقاً من المبادئ التي أرساها اتفاق الصداقة الذي علقته الجزائر، وهي احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعاون لما فيه المصلحة المشتركة.
وفيما تستمر المساعي والاتصالات الدبلوماسية على أعلى المستويات لاحتواء الأزمة بين مدريد والجزائر، يسود قلق كبير في الأوساط الرسمية الإسبانية من «الأبعاد غير المتوقعة التي بلغتها هذه الأزمة»، على حد قول مسؤول إسباني رفيع، ومن احتمالات التصعيد التي نشأت عن هذا «الخطأ في حسابات الحكومة»، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي يواجه فيها قطاع الطاقة أزمة غير مسبوقة على الصعيد الأوروبي.
وتخشى الأوساط الرسمية الإسبانية أن تبادر الجزائر في خطوة تالية إلى الحد من جهودها لمراقبة الهجرة غير الشرعية، التي تعبر أراضيها باتجاه سواحل إسبانيا الأندلسية وجزر الباليار في الأسابيع المقبلة، علماً بأن هذه التدفقات كانت تراجعت بنسبة 35 في المائة منذ مطلع السنة الحالية. لكن تجدر الإشارة إلى أن تدفقات الهجرة عبر الخطوط، التي تخضع للمراقبة المغربية، هي أكبر بكثير من تلك التي تخضع لمراقبة السلطات الجزائرية.
ورغم أن الأوساط الإسبانية تستبعد لجوء الجزائر إلى قطع إمدادات الغاز، إلا أنها تتوقع صعوبة كبيرة في المفاوضات الجارية لمراجعة الأسعار، التي تتعثر منذ أسابيع بعد الفتور، الذي شاب العلاقات بين مدريد والجزائر.
تجدر الإشارة إلى أن الخطوة الجزائرية جاءت في أعقاب الجلسة التي خصصها البرلمان الإسباني، الأربعاء الماضي، لمناقشة السياسة الخارجية الإسبانية حيال منطقة شمال أفريقيا، حيث دافع رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز، عن قراره بشأن النزاع في الصحراء، مشدداً على أنه «ليس موجهاً في أي حال من الأحوال ضد الجزائر، التي ليست طرفاً في النزاع، ولا ضد الصحراويين لأنه يدعو إلى التسوية في إطار الأمم المتحدة».
وتستغرب الأوساط الرسمية الإسبانية كيف ذهبت الجزائر بعيداً في ردها على الموقف الإسباني، بعكس رد فعلها على الموقف الأميركي الذي ذهب إلى أبعد بكثير لصالح المغرب، أو على مواقف فرنسا وألمانيا وهولندا المطابقة للموقف الإسباني، أو على موقف الإمارات العربية المتحدة التي قررت فتح قنصلية لها في مدينة العيون المغربية.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».