أسرار ولادة «يونيب» كما يرويها مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»

50 عاماً على مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية (1)

مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
TT

أسرار ولادة «يونيب» كما يرويها مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»

مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972

يُفتتح اليوم في العاصمة السويدية مؤتمر «استوكهولم +50»، في ذكرى مرور نصف قرن على «مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية»، الذي عُقِد في استوكهولم في يونيو (حزيران) عام 1972. وقد أطلق هذا المؤتمر العمل الدولي في مجال البيئة، إذ تمخّض عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، الذي قاد العمل البيئي العالمي منذ ذلك التاريخ. وقد برز في المؤتمر اسم العالم المصري مصطفى كمال طُلبة، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا آنذاك، الذي مثّل بلده واختارته الدول العربية والأفريقية متحدثاً باسمها. ويُعتبر طُلبة مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»، إذ نجح في تحويل العمل البيئي من شعارات وأمنيات أطلقها مؤتمر استوكهولم حول البيئة الإنسانية عام 1972، إلى معاهدات واتفاقات دولية، منذ عمل مع موريس سترونغ على تأسيس «يونيب»، قبل أن يتولى قيادة المنظمة كمدير تنفيذي حتى عام 1992. وهو استمر في نشاطه البيئي الدولي حتى وفاته في جنيف عام 2016.

طُلبة مُستقبِلاً كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك خلال زيارته مقر «يونيب» في نيروبي عام 1981

خلال السنوات الأخيرة من حياته، عكف طُلبة على كتابة مذكّراته، التي طلب مني مراجعتها وتحريرها، قبل أن تُنشر على حلقات في مجلة «البيئة والتنمية» في السنة التي سبقت وفاته. هذا المقال حول استوكهولم وبدايات «يونيب» يستند إلى ذاكرة مصطفى كمال طُلبة وأحاديثي معه، وقد رافقتُه وعملت معه في مهمات عدة منذ 1977.
- البداية من استوكهولم
انتخب مؤتمر استوكهولم للبيئة البشرية مصطفى كمال طُلبة نائباً للرئيس، وعيّنته المجموعتان العربية والأفريقية متحدثاً باسمهما. تأزمت الأمور في المؤتمر حول مسودة «إعلان استوكهولم»، إذ دار حوله جدل كبير بين الدول النامية والدول الصناعية، في جلسات مفتوحة كانت تمتد حتى ساعات الصباح. وفي محاولة لحل الخلافات، شكّل الأمين العام للمؤتمر، موريس سترونغ، لجنة مصغّرة من رؤساء الوفود، نصفهم من الدول النامية ونصفهم الآخر من الدول الصناعية، يجتمعون في مشاورات غير رسمية لإيجاد حل للقضايا المعلّقة. وبعد مباحثات استمرت يومين كاملين في حجرة مغلقة تم التوصل إلى حل. وقد كان لطُلبة الدور الأساسي في إعداد صياغات توفيقية بين الدول النامية والدول الصناعية، وصولاً إلى صيغة مقبولة من الطرفين. وكما في الاتفاقيات البيئية اللاحقة، وأبرزها تلك المتعلقة بالمناخ، كان محور الخلاف حول تحديد درجات المسؤولية عن التلويث واستنزاف الموارد، تمهيداً لتوزيع الأعباء والتكاليف.

موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً) إلى جانب طُلبة في مؤتمر «استوكهولم +10» عام 1982 بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس «يونيب»

ذهب موريس سترونغ بنتائج المؤتمر، إعلان استوكهولم وخطة العمل، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 1972، وكان المؤتمر قد أوصى بإنشاء منظمة أو كيان ما في الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ توصياته. وبالفعل أنشأت الجمعية العامة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) كما اقترحه المؤتمر، أي يتكوَّن من مجلس محافظين من 56 دولة تنتخبها الجمعية العامة، وصندوق تمويل، وسكرتارية يرأسها مدير تنفيذي، يُنتخب بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مجلس تنسيق مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى يسمّى مجلس تنسيق البيئة. وكان الكندي موريس سترونغ أول مدير تنفيذي تنتخبه الجمعية العامة.
مع انطلاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) بداية 1973، تمنى سترونغ على طُلبة قبول ترشيحه كنائب للمدير التنفيذي «لأنه يحتاج إلى شخص قادر علمياً ومقبول من الدول النامية إلى جانبه». كان تبريره لذلك أن الدول النامية ما زالت غير متحمسة لقضية البيئة، ووجود أحد أبنائها في القيادة يحفزها على الاهتمام بالموضوع. وبعدما حصل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم على موافقة الحكومة المصرية، تم تعيين طُلبة نائباً للمدير التنفيذي للمنظمة الجديدة.
- من جنيف إلى نيروبي
بدأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة عمله من مكاتب مؤقتة في جنيف، قبل أن ينتقل إلى مقره الدائم في نيروبي في أواخر صيف 1973. ويتذكر طلبه أن اختيار نيروبي مقراً للبرنامج لم يكن أمراً سهلاً. فعند إقرار إنشاء «يونيب»، عرضت كينيا مشروع قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة من فقرتين، تنصّ الأولى على أن أي منظمة جديدة تُنشأ في الأمم المتحدة لا بد أن يكون مركزها الرئيسي في دولة نامية، إذ لم يكن هناك أي منظمة في ذلك الوقت خارج أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. وتنصّ الفقرة الثانية من مشروع القرار على اختيار نيروبي مقراً للمنظمة الجديدة.

المقر المؤقت لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نيروبي 1975

وافقت كل الدول النامية على الفقرة الأولى، ودار تنافس على مقر البرنامج بين المكسيك والهند وكينيا. فازت نيروبي، عاصمة كينيا، لأنها اعتبرت الأجمل جواً وطبيعة وموقعاً جغرافياً، وكان عرضها سخياً. فقد قدمت الحكومة الكينية للأمم المتحدة ناطحة سحاب جديدة في نيروبي تحمل اسم «مركز كينياتا للمؤتمرات»، نسبة إلى جومو كينياتا أول رئيس للجمهورية في كينيا. وتم تخصيص ستة عشر طابقاً في المبنى المكوَّن من 29 طابقاً للمنظمة الوليدة، تتكفل الحكومة الكينية بدفع نصف إيجارها لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى مائة فدان من الأراضي في منطقة غابات جيجيري خارج نيروبي مباشرة.
ويروي طُلبة أنه، بعد سنتين من العمل في نيروبي، اقترح موريس سترونغ على الحكومة الكينية أن تدفع مقدماً قيمة مساهمتها في إيجار المقر عن السنوات الثلاث الباقية، ووافقت الحكومة الكينية على ذلك. أبلغ سترونغ بعدها مجلس المحافظين في «يونيب» أنه حصل على مليون دولار، هو نصيب الحكومة الكينية في الإيجار عن السنوات الثلاث التالية. وطلب موافقة المجلس على قبول هذا المبلغ، على أن يستدين من صندوق المنظمة مليون دولار أخرى ليشيّد مبنى خاصاً ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة على الأرض التي قدمتها كينيا، وأن يُعيد المبلغ إلى صندوق المنظمة على أقساط سنوية تعادل قيمة الإيجار بعد الانتقال إلى المبنى الجديد. وافق المجلس، وشيّد «يونيب» مبنى بسيطاً تسلمه في نهاية 1975، كما شغلت المكاتب الإقليمية لمنظمات أخرى أقساماً منه بالإيجار.
بعد أقل من ثلاث سنوات على إدارته لـ«يونيب»، أقنع موريس سترونغ الحكومة الكندية بإنشاء مؤسسة وطنية للطاقة، تم تعيينه رئيساً لها، وترك «يونيب» في نهاية 1975. عقب هذا، انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مصطفى كمال طُلبة مديراً تنفيذياً للبرنامج لأربع سنوات، وتم تجديد ولايته أربع مرات حتى عام 1992.
وكان «يونيب» قد انتقل عام 1984 إلى مكاتبه الدائمة، التي شيّدها بالاشتراك مع منظمات أخرى في الأمم المتحدة، في طليعتها برنامج المستوطنات البشرية (هابيتات). وضمّ المقر، الذي بُني في أحضان الطبيعة، مركزاً حديثاً للمؤتمرات. وكانت قد فازت بعقد البناء شركة عبد المحسن الخرافي الكويتية، نتيجة لمناقصة عالمية، من بين المشاركين فيها شركة إسرائيلية. ونتج عن هذا احتجاجات شديدة، اتهمت مصطفى طُلبة بالانحياز، ووصلت إلى حد تقديم شكوى إسرائيلية إلى الرئيس المصري أنور السادات، تتهم طُلبة بالعمل ضد معاهدة السلام، لكنه نجح بحنكته الدبلوماسية في الخروج من المأزق.
- بين مطرقة الاستخبارات وسندان إسرائيل
ويتذكر طلبه مشكلتين واجهتاه مع الولايات المتحدة بعد قضية المقر، كانت وراءهما السياسة. الأولى عام 1987 حين كانت الحرب الباردة على أشدّها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فقد أبلغ البيت الأبيض نيّته إلغاء الدعم الطوعي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى «يونيب»، ومقداره عشرون مليون دولار، لأن المنظمة، في رأيهم، «مفتوحة لرجال الاستخبارات السوفيات كي ينقلوا كل شيء إلى حكومتهم». ويعلّق طُلبة أن هذا بدا أمراً غريباً، رغم الحرب الباردة. «فمنذ بدء عمل (يونيب) كان في المناصب الكبرى الأميركي بيتر ثاتشر، الذي كان يعمل أصلاً في وكالة الاستخبارات الأميركية، والروسي سفين أفتييف. وكلّنا كان يعلم أن الترشيح لأي منصب كبير في الأمم المتحدة من الاتحاد السوفياتي لم يكن يتم إلا إذا كان للمرشح وضع خاص مع الاستخبارات السوفياتية». وبعدما اعترض طُلبة على الملاحظات الأميركية، قررت الولايات المتحدة الاستمرار في تسديد مساهمتها. فبعدما لمَّح إلى تشابه الممارسات الأميركية والسوفياتية، أوضح أنه ليس لدى البرنامج أي أسرار لا يعرفها كل مندوبي الدول الدائمين المعتمدين لديه في اللقاءات الشهرية التي تُعقد معهم.
أما المشكلة الثانية مع الولايات المتحدة فحصلت عام 1991 حين هدد أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي بعدم الموافقة على المساهمة في ميزانية «يونيب» لعدم تعيين موظفين ومستشارين إسرائيليين فيه ولعدم قيام المدير التنفيذي بزيارتها. وكان رد طُلبة أن التعيين يتم بناءً على اقتراح لجنة شؤون العاملين، التي تختار أفضل ثلاثة مرشحين تقدمهم إلى المدير التنفيذي للاختيار من بينهم. وإذا لم تقدم اللجنة أي اسم من إسرائيل، فهذا يعني أن إسرائيل لا ترشح إلا من هم في مستوى متواضع من القدرة العلمية لا يرقى إلى مستوى المنافسة مع مرشحي الدول الأخرى. كما شرح طُلبة أنه عيّن أحد الإسرائيليين مستشاراً في مكتب اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط في أثينا، لكنه عمل لأشهر معدودة، استقال بعدها لأنه لم يستطع التأقلم مع زملائه في المكتب. أما عن زيارة إسرائيل، فوعد بتلبية الدعوة حين يتلقاها كرئيس منظمة دولية، لكنه أشار إلى قرار من المجلس التنفيذي لـ«يونيب» بأن يقدم له تقريراً سنوياً عن حالة البيئة في الأراضي المحتلة من فلسطين، ولا بد أن يتضمن برنامج الزيارة تنفيذ هذا الطلب. فما كان من أعضاء مجلس الشيوخ المحتجّين إلا الموافقة على المساهمة في الميزانية تجنباً للإحراج. ويعلّق طُلبة أنه «لم يكن لهذا أي علاقة بعمل المنظمة أو كفاءتها، ولكن الأمر كلّه كان مرتبطاً بدعم مجلس الشيوخ الأميركي لإسرائيل».
- البحار الإقليمية
كانت مشكلات البيئة التي حددها مؤتمر استوكهولم عام 1972 تتفاقم، وكان لا بد من التركيز على قضية التعاون الدولي في حلّها، لأنها جميعاً نتيجة النشاط الإنساني، ولكن نتائج هذا النشاط عابرة للحدود والقارات. وكان رأي طُلبة أن يبدأ «يونيب» بالمشكلات الإقليمية، انطلاقاً من البحر المتوسط، باعتبار أن المشكلات التي ترتبط بالبحار أقل تعقيداً من تلك الناجمة عن مصادر المياه العذبة، التي صُنّفت أيضاً بين الأولويات.
كان الكابتن كوستو، وهو بحّار فرنسي كرَّس نفسه لخوض غمار البحار والدعوة إلى محاربة التلوث فيها، قد جاب البحر المتوسط بسفينته الشهيرة «كاليبسو»، ثم أعلن في مؤتمر صحافي في باريس أن البحر المتوسط يموت بسبب التلوث. وكانت هذه فرصة مواتية لمحاولة عقد اتفاقية إقليمية بين كل الدول المطلة على البحر المتوسط، أُطلقت فكرتها عام 1974 لكن الدول العربية الثماني التي تطل على البحر المتوسط، بما فيها مصر والأردن، كانت في حالة حرب مع إسرائيل وترفض أن تجلس معها إلى طاولة الحوار، ناهيك بالمفاوضات. إضافةً إلى ذلك، كانت الجزائر والمغرب على خلاف مستمر بسبب الصحراء. ومن ناحية أخرى، كانت الدول العربية، أي دول جنوب وشرق البحر المتوسط، تُحمِّل الدول الصناعية في شماله مسؤولية التلوث، ولذا عليها أن تتحمل مسؤولية الإنقاذ. أما دول شمال البحر المتوسط، الأوروبية، فكانت ترى أن دول الجنوب هي المسؤولة عن التلوث بسبب ما تُلقيه في البحر من مخلّفات بشرية غير معالجة. وفي دول شمال المتوسط نفسها، كانت اليونان وتركيا على خلاف بسبب قبرص.
بعد حوار استمر شهوراً طويلة، نجح فريق طُلبة بإقناع الدول بأنْ لا بديل من التعاون لإنقاذ المتوسط، فجلست أخيراً إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل. وانتهى الأمر إلى إقرار خطة عمل لحماية البحر المتوسط عام 1974 أعقبتها اتفاقية برشلونة عام 1975، وهي اتفاقية دولية ملزمة. وقد أقرّت الدول كلها خطة العمل ووقّعت على الاتفاقية، وأنشئت في أثينا سكرتارية للإشراف على التنفيذ.
عُدّ هذا أول نجاح لـ«يونيب» في تحقيق واحد من أهم أهداف حماية البيئة، مما شجّع دولاً في مناطق أخرى على مطالبة «يونيب» بإجراء مفاوضات توصلاً إلى اتفاقيات مماثلة لحماية البيئة البحرية. وهي تطورت لاحقاً لتشمل قضايا متشعبة أخرى، بينها التنوع البيولوجي والتصحر والنفايات الخطرة والأوزون والتغيُّر المناخي.

خفايا الاتفاقيات البيئية... من الأوزون إلى المناخ


مقالات ذات صلة

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الاقتصاد الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

حقق 14 مبتكراً في 6 مسارات علمية جوائز النسخة الثانية من «جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه».

«الشرق الأوسط» (جدة)
الاقتصاد الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تصفق بحرارة في الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 29» (د.ب.أ)

«كوب 29»: مضاعفة التمويل المناخي إلى 300 مليار دولار

بعد أسبوعين من النقاشات الحامية، انتهى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (كوب 29)، باتفاق على مضاعفة التمويل المتاح لمساعدة الاقتصادات النامية.

«الشرق الأوسط» (باكو)
يوميات الشرق عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

حذر علماء من أن الأنشطة المنزلية اليومية مثل طي الملابس والجلوس على الأريكة قد تنبعث منها سحب من البلاستيك الدقيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (باكو)

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».