أسرار ولادة «يونيب» كما يرويها مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»

50 عاماً على مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية (1)

مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
TT

أسرار ولادة «يونيب» كما يرويها مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»

مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972
مؤتمر استوكهولم يونيو (حزيران) 1972

يُفتتح اليوم في العاصمة السويدية مؤتمر «استوكهولم +50»، في ذكرى مرور نصف قرن على «مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية»، الذي عُقِد في استوكهولم في يونيو (حزيران) عام 1972. وقد أطلق هذا المؤتمر العمل الدولي في مجال البيئة، إذ تمخّض عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، الذي قاد العمل البيئي العالمي منذ ذلك التاريخ. وقد برز في المؤتمر اسم العالم المصري مصطفى كمال طُلبة، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا آنذاك، الذي مثّل بلده واختارته الدول العربية والأفريقية متحدثاً باسمها. ويُعتبر طُلبة مؤسس مفهوم «دبلوماسية البيئة»، إذ نجح في تحويل العمل البيئي من شعارات وأمنيات أطلقها مؤتمر استوكهولم حول البيئة الإنسانية عام 1972، إلى معاهدات واتفاقات دولية، منذ عمل مع موريس سترونغ على تأسيس «يونيب»، قبل أن يتولى قيادة المنظمة كمدير تنفيذي حتى عام 1992. وهو استمر في نشاطه البيئي الدولي حتى وفاته في جنيف عام 2016.

طُلبة مُستقبِلاً كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك خلال زيارته مقر «يونيب» في نيروبي عام 1981

خلال السنوات الأخيرة من حياته، عكف طُلبة على كتابة مذكّراته، التي طلب مني مراجعتها وتحريرها، قبل أن تُنشر على حلقات في مجلة «البيئة والتنمية» في السنة التي سبقت وفاته. هذا المقال حول استوكهولم وبدايات «يونيب» يستند إلى ذاكرة مصطفى كمال طُلبة وأحاديثي معه، وقد رافقتُه وعملت معه في مهمات عدة منذ 1977.
- البداية من استوكهولم
انتخب مؤتمر استوكهولم للبيئة البشرية مصطفى كمال طُلبة نائباً للرئيس، وعيّنته المجموعتان العربية والأفريقية متحدثاً باسمهما. تأزمت الأمور في المؤتمر حول مسودة «إعلان استوكهولم»، إذ دار حوله جدل كبير بين الدول النامية والدول الصناعية، في جلسات مفتوحة كانت تمتد حتى ساعات الصباح. وفي محاولة لحل الخلافات، شكّل الأمين العام للمؤتمر، موريس سترونغ، لجنة مصغّرة من رؤساء الوفود، نصفهم من الدول النامية ونصفهم الآخر من الدول الصناعية، يجتمعون في مشاورات غير رسمية لإيجاد حل للقضايا المعلّقة. وبعد مباحثات استمرت يومين كاملين في حجرة مغلقة تم التوصل إلى حل. وقد كان لطُلبة الدور الأساسي في إعداد صياغات توفيقية بين الدول النامية والدول الصناعية، وصولاً إلى صيغة مقبولة من الطرفين. وكما في الاتفاقيات البيئية اللاحقة، وأبرزها تلك المتعلقة بالمناخ، كان محور الخلاف حول تحديد درجات المسؤولية عن التلويث واستنزاف الموارد، تمهيداً لتوزيع الأعباء والتكاليف.

موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً) إلى جانب طُلبة في مؤتمر «استوكهولم +10» عام 1982 بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس «يونيب»

ذهب موريس سترونغ بنتائج المؤتمر، إعلان استوكهولم وخطة العمل، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 1972، وكان المؤتمر قد أوصى بإنشاء منظمة أو كيان ما في الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ توصياته. وبالفعل أنشأت الجمعية العامة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) كما اقترحه المؤتمر، أي يتكوَّن من مجلس محافظين من 56 دولة تنتخبها الجمعية العامة، وصندوق تمويل، وسكرتارية يرأسها مدير تنفيذي، يُنتخب بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مجلس تنسيق مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى يسمّى مجلس تنسيق البيئة. وكان الكندي موريس سترونغ أول مدير تنفيذي تنتخبه الجمعية العامة.
مع انطلاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) بداية 1973، تمنى سترونغ على طُلبة قبول ترشيحه كنائب للمدير التنفيذي «لأنه يحتاج إلى شخص قادر علمياً ومقبول من الدول النامية إلى جانبه». كان تبريره لذلك أن الدول النامية ما زالت غير متحمسة لقضية البيئة، ووجود أحد أبنائها في القيادة يحفزها على الاهتمام بالموضوع. وبعدما حصل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم على موافقة الحكومة المصرية، تم تعيين طُلبة نائباً للمدير التنفيذي للمنظمة الجديدة.
- من جنيف إلى نيروبي
بدأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة عمله من مكاتب مؤقتة في جنيف، قبل أن ينتقل إلى مقره الدائم في نيروبي في أواخر صيف 1973. ويتذكر طلبه أن اختيار نيروبي مقراً للبرنامج لم يكن أمراً سهلاً. فعند إقرار إنشاء «يونيب»، عرضت كينيا مشروع قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة من فقرتين، تنصّ الأولى على أن أي منظمة جديدة تُنشأ في الأمم المتحدة لا بد أن يكون مركزها الرئيسي في دولة نامية، إذ لم يكن هناك أي منظمة في ذلك الوقت خارج أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. وتنصّ الفقرة الثانية من مشروع القرار على اختيار نيروبي مقراً للمنظمة الجديدة.

المقر المؤقت لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نيروبي 1975

وافقت كل الدول النامية على الفقرة الأولى، ودار تنافس على مقر البرنامج بين المكسيك والهند وكينيا. فازت نيروبي، عاصمة كينيا، لأنها اعتبرت الأجمل جواً وطبيعة وموقعاً جغرافياً، وكان عرضها سخياً. فقد قدمت الحكومة الكينية للأمم المتحدة ناطحة سحاب جديدة في نيروبي تحمل اسم «مركز كينياتا للمؤتمرات»، نسبة إلى جومو كينياتا أول رئيس للجمهورية في كينيا. وتم تخصيص ستة عشر طابقاً في المبنى المكوَّن من 29 طابقاً للمنظمة الوليدة، تتكفل الحكومة الكينية بدفع نصف إيجارها لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى مائة فدان من الأراضي في منطقة غابات جيجيري خارج نيروبي مباشرة.
ويروي طُلبة أنه، بعد سنتين من العمل في نيروبي، اقترح موريس سترونغ على الحكومة الكينية أن تدفع مقدماً قيمة مساهمتها في إيجار المقر عن السنوات الثلاث الباقية، ووافقت الحكومة الكينية على ذلك. أبلغ سترونغ بعدها مجلس المحافظين في «يونيب» أنه حصل على مليون دولار، هو نصيب الحكومة الكينية في الإيجار عن السنوات الثلاث التالية. وطلب موافقة المجلس على قبول هذا المبلغ، على أن يستدين من صندوق المنظمة مليون دولار أخرى ليشيّد مبنى خاصاً ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة على الأرض التي قدمتها كينيا، وأن يُعيد المبلغ إلى صندوق المنظمة على أقساط سنوية تعادل قيمة الإيجار بعد الانتقال إلى المبنى الجديد. وافق المجلس، وشيّد «يونيب» مبنى بسيطاً تسلمه في نهاية 1975، كما شغلت المكاتب الإقليمية لمنظمات أخرى أقساماً منه بالإيجار.
بعد أقل من ثلاث سنوات على إدارته لـ«يونيب»، أقنع موريس سترونغ الحكومة الكندية بإنشاء مؤسسة وطنية للطاقة، تم تعيينه رئيساً لها، وترك «يونيب» في نهاية 1975. عقب هذا، انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مصطفى كمال طُلبة مديراً تنفيذياً للبرنامج لأربع سنوات، وتم تجديد ولايته أربع مرات حتى عام 1992.
وكان «يونيب» قد انتقل عام 1984 إلى مكاتبه الدائمة، التي شيّدها بالاشتراك مع منظمات أخرى في الأمم المتحدة، في طليعتها برنامج المستوطنات البشرية (هابيتات). وضمّ المقر، الذي بُني في أحضان الطبيعة، مركزاً حديثاً للمؤتمرات. وكانت قد فازت بعقد البناء شركة عبد المحسن الخرافي الكويتية، نتيجة لمناقصة عالمية، من بين المشاركين فيها شركة إسرائيلية. ونتج عن هذا احتجاجات شديدة، اتهمت مصطفى طُلبة بالانحياز، ووصلت إلى حد تقديم شكوى إسرائيلية إلى الرئيس المصري أنور السادات، تتهم طُلبة بالعمل ضد معاهدة السلام، لكنه نجح بحنكته الدبلوماسية في الخروج من المأزق.
- بين مطرقة الاستخبارات وسندان إسرائيل
ويتذكر طلبه مشكلتين واجهتاه مع الولايات المتحدة بعد قضية المقر، كانت وراءهما السياسة. الأولى عام 1987 حين كانت الحرب الباردة على أشدّها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فقد أبلغ البيت الأبيض نيّته إلغاء الدعم الطوعي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى «يونيب»، ومقداره عشرون مليون دولار، لأن المنظمة، في رأيهم، «مفتوحة لرجال الاستخبارات السوفيات كي ينقلوا كل شيء إلى حكومتهم». ويعلّق طُلبة أن هذا بدا أمراً غريباً، رغم الحرب الباردة. «فمنذ بدء عمل (يونيب) كان في المناصب الكبرى الأميركي بيتر ثاتشر، الذي كان يعمل أصلاً في وكالة الاستخبارات الأميركية، والروسي سفين أفتييف. وكلّنا كان يعلم أن الترشيح لأي منصب كبير في الأمم المتحدة من الاتحاد السوفياتي لم يكن يتم إلا إذا كان للمرشح وضع خاص مع الاستخبارات السوفياتية». وبعدما اعترض طُلبة على الملاحظات الأميركية، قررت الولايات المتحدة الاستمرار في تسديد مساهمتها. فبعدما لمَّح إلى تشابه الممارسات الأميركية والسوفياتية، أوضح أنه ليس لدى البرنامج أي أسرار لا يعرفها كل مندوبي الدول الدائمين المعتمدين لديه في اللقاءات الشهرية التي تُعقد معهم.
أما المشكلة الثانية مع الولايات المتحدة فحصلت عام 1991 حين هدد أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي بعدم الموافقة على المساهمة في ميزانية «يونيب» لعدم تعيين موظفين ومستشارين إسرائيليين فيه ولعدم قيام المدير التنفيذي بزيارتها. وكان رد طُلبة أن التعيين يتم بناءً على اقتراح لجنة شؤون العاملين، التي تختار أفضل ثلاثة مرشحين تقدمهم إلى المدير التنفيذي للاختيار من بينهم. وإذا لم تقدم اللجنة أي اسم من إسرائيل، فهذا يعني أن إسرائيل لا ترشح إلا من هم في مستوى متواضع من القدرة العلمية لا يرقى إلى مستوى المنافسة مع مرشحي الدول الأخرى. كما شرح طُلبة أنه عيّن أحد الإسرائيليين مستشاراً في مكتب اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط في أثينا، لكنه عمل لأشهر معدودة، استقال بعدها لأنه لم يستطع التأقلم مع زملائه في المكتب. أما عن زيارة إسرائيل، فوعد بتلبية الدعوة حين يتلقاها كرئيس منظمة دولية، لكنه أشار إلى قرار من المجلس التنفيذي لـ«يونيب» بأن يقدم له تقريراً سنوياً عن حالة البيئة في الأراضي المحتلة من فلسطين، ولا بد أن يتضمن برنامج الزيارة تنفيذ هذا الطلب. فما كان من أعضاء مجلس الشيوخ المحتجّين إلا الموافقة على المساهمة في الميزانية تجنباً للإحراج. ويعلّق طُلبة أنه «لم يكن لهذا أي علاقة بعمل المنظمة أو كفاءتها، ولكن الأمر كلّه كان مرتبطاً بدعم مجلس الشيوخ الأميركي لإسرائيل».
- البحار الإقليمية
كانت مشكلات البيئة التي حددها مؤتمر استوكهولم عام 1972 تتفاقم، وكان لا بد من التركيز على قضية التعاون الدولي في حلّها، لأنها جميعاً نتيجة النشاط الإنساني، ولكن نتائج هذا النشاط عابرة للحدود والقارات. وكان رأي طُلبة أن يبدأ «يونيب» بالمشكلات الإقليمية، انطلاقاً من البحر المتوسط، باعتبار أن المشكلات التي ترتبط بالبحار أقل تعقيداً من تلك الناجمة عن مصادر المياه العذبة، التي صُنّفت أيضاً بين الأولويات.
كان الكابتن كوستو، وهو بحّار فرنسي كرَّس نفسه لخوض غمار البحار والدعوة إلى محاربة التلوث فيها، قد جاب البحر المتوسط بسفينته الشهيرة «كاليبسو»، ثم أعلن في مؤتمر صحافي في باريس أن البحر المتوسط يموت بسبب التلوث. وكانت هذه فرصة مواتية لمحاولة عقد اتفاقية إقليمية بين كل الدول المطلة على البحر المتوسط، أُطلقت فكرتها عام 1974 لكن الدول العربية الثماني التي تطل على البحر المتوسط، بما فيها مصر والأردن، كانت في حالة حرب مع إسرائيل وترفض أن تجلس معها إلى طاولة الحوار، ناهيك بالمفاوضات. إضافةً إلى ذلك، كانت الجزائر والمغرب على خلاف مستمر بسبب الصحراء. ومن ناحية أخرى، كانت الدول العربية، أي دول جنوب وشرق البحر المتوسط، تُحمِّل الدول الصناعية في شماله مسؤولية التلوث، ولذا عليها أن تتحمل مسؤولية الإنقاذ. أما دول شمال البحر المتوسط، الأوروبية، فكانت ترى أن دول الجنوب هي المسؤولة عن التلوث بسبب ما تُلقيه في البحر من مخلّفات بشرية غير معالجة. وفي دول شمال المتوسط نفسها، كانت اليونان وتركيا على خلاف بسبب قبرص.
بعد حوار استمر شهوراً طويلة، نجح فريق طُلبة بإقناع الدول بأنْ لا بديل من التعاون لإنقاذ المتوسط، فجلست أخيراً إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل. وانتهى الأمر إلى إقرار خطة عمل لحماية البحر المتوسط عام 1974 أعقبتها اتفاقية برشلونة عام 1975، وهي اتفاقية دولية ملزمة. وقد أقرّت الدول كلها خطة العمل ووقّعت على الاتفاقية، وأنشئت في أثينا سكرتارية للإشراف على التنفيذ.
عُدّ هذا أول نجاح لـ«يونيب» في تحقيق واحد من أهم أهداف حماية البيئة، مما شجّع دولاً في مناطق أخرى على مطالبة «يونيب» بإجراء مفاوضات توصلاً إلى اتفاقيات مماثلة لحماية البيئة البحرية. وهي تطورت لاحقاً لتشمل قضايا متشعبة أخرى، بينها التنوع البيولوجي والتصحر والنفايات الخطرة والأوزون والتغيُّر المناخي.

خفايا الاتفاقيات البيئية... من الأوزون إلى المناخ


مقالات ذات صلة

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

الاقتصاد يشاهد المشاركون عرضاً تقديمياً خلال جلسة عامة في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في «كوب 29».(إ.ب.أ)

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

جدَّدت مناقشات اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الأذربيجانية باكو، تطلعات دول العالم إلى التوصل لاتفاقات جادة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
أوروبا طفل وسط مخيمات النازحين في وسط غزة (رويترز)

كوارث الطقس دفعت 220 مليون شخص إلى النزوح في العقد الأخير

يُسهم تغير المناخ في دفع عدد قياسي من الناس إلى الفرار من منازلهم حول العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر متحدثاً في «كوب 29» (د.ب.أ)

رئيس الوزراء البريطاني يحدد هدفاً جديداً للمناخ لعام 2035

قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بريطانيا ستخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة بحلول عام 2035.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في مؤتمر «كوب 29» في باكو (د.ب.أ)

غوتيريش يحذر في «كوب 29»: ادفعوا... أو واجهوا كارثة تهدد البشرية

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لقادة العالم في قمة «كوب 29» في باكو يوم الثلاثاء، إنهم بحاجة إلى «دفع المال»؛ لمنع الكوارث الإنسانية

«الشرق الأوسط»
الاقتصاد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يتحدث في حفل افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (رويترز) play-circle 01:32

الرئيس الأذربيجاني في «كوب 29»: النفط والغاز «هبة من الله»

أكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الذي تستضيف بلاده مؤتمر «كوب 29» للمناخ الثلاثاء أن النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى هي «هبة من الله».

«الشرق الأوسط» (باكو)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.