اطمئنان روسي لعدم التصعيد العسكري في سوريا

ملصق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق يوم 7 مارس الماضي (أ.ب)
ملصق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق يوم 7 مارس الماضي (أ.ب)
TT

اطمئنان روسي لعدم التصعيد العسكري في سوريا

ملصق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق يوم 7 مارس الماضي (أ.ب)
ملصق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق يوم 7 مارس الماضي (أ.ب)

كان ملاحظاً، أمس، أن موسكو تجنبت التعليق بشكل رسمي على التصريحات التركية حول قرب شن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لضمان إقامة «منطقة آمنة» بهدف إعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري فيها. ومع التريث الرسمي في إعطاء تقييم لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في هذا الشأن، كان لافتاً أن الأوساط المقربة من المؤسسة الدبلوماسية الروسية أبدت نوعاً من الثقة بأن أنقرة لن تذهب نحو تصعيد يعيد ترتيب التوازنات وخطوط الفصل القائمة حالياً في سوريا. وقال دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط» إن موسكو وأنقرة تربطهما علاقات تعاون متينة في سوريا، وإن موسكو تنطلق من تفهم المصالح الأمنية التركية، لذلك فهي «لا تعلّق على تصريحات لا تخص بشكل مباشر جوهر الوضع والتفاهمات الروسية - التركية القائمة».
وعكست هذه العبارة اطمئنان الجانب الروسي إلى أن التلويح التركي بعمل عسكري يدخل في إطار «مناورات» إردوغان مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أكثر من كونه يعكس تبدلاً ملموساً في موقف بلاده حيال الوضع الحالي في سوريا.
وكانت موسكو عارضت بشدة في السنوات السابقة إقامة مناطق آمنة في الشمال السوري بمساعدة الغرب، وفضلت العمل مع أنقرة على إقامة شريط حدودي تسيطر عليه القوات التركية، لكن بمساعدة من موسكو التي سيّرت دوريات مراقبة مشتركة مع الجانب التركي في هذه المناطق.
وكان لافتاً أن المطالب التي تقدمت بها تركيا لحلف شمال الأطلسي أخيراً، لإبداء مرونة في الموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، تضمنت الحصول على مساعدة من جانب الحلف لإقامة المنطقة الآمنة في سوريا، ما عكس التأثيرات المتزايدة للحرب في أوكرانيا على الملفات الإقليمية، خصوصاً حول الوضع في سوريا.
لكن بالتزامن مع ترقب الخطوات الروسية على الانعكاسات المحتملة للموقف التركي في سوريا، فإن موسكو ترصد بشكل حثيث تطور النقاشات الداخلية في حلف الأطلسي حول هذا الموضوع. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن «هذا شأن داخلي للعلاقات بين بلدان الحلف». ووفقاً للدبلوماسي الروسي، فإن هذه العبارة «لا تعكس عدم اهتمام موسكو بالمسألة بقدر ما تعكس أن روسيا لا ترغب في أن تتحول تصريحاتها العلنية أو مواقفها المعلنة إلى عنصر ضاغط في هذه المسألة. بمعنى أن يتم استخدامها لتحفيز الأطراف الأطلسية على اتخاذ مواقف أكثر تشدداً». بهذا المعنى تفضّل موسكو ألا تظهر كأنها تضغط في اتجاه فريق داخل الحلف، وتفضل أن تراقب تصاعد حدة السجالات داخله من دون تدخل.
أيضاً، لا ترى موسكو، وفقاً لخبراء، أن تغييراً كبيراً قد يطرأ على الوضع الحالي في سوريا بسبب المطالب التركية، بسبب توفر قناعة بأن الحلف الغربي لن يذهب نحو الاستجابة لشروط تركيا بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، نظراً لأن خطوة من هذا النوع سوف تعني أن تكون بلدان الحلف مضطرة لتوفير غطاء جوي يحمي هذه المنطقة، ما يعني احتمال الانخراط المباشر بالحرب السورية، وهو أمر ترى موسكو أن الولايات المتحدة لا ترغب به، كما أن البلدان الكبرى في الحلف تتجنبه بقوة. وبالعكس من ذلك تتوفر قناعة لدى موسكو بأن كل الأطراف الغربية لها مصلحة حالياً في تجميد الصراع السوري وليس إعادة تأجيجه.
النقطة الثانية المهمة على هذا الصعيد أن موسكو لم تمانع أصلاً في تطوير تركيا خطة إعادة مليون لاجئ إلى مناطق شمال سوريا بعد إنشاء بنى تحتية لازمة لذلك، وهي الخطة التي تعمل عليها تركيا بالفعل، ما يعني أن أنقرة عملياً، وفقاً لقناعة موسكو، ليست محتاجة لإنشاء «منطقة آمنة بغطاء جوي أطلسي»، بل تستخدم الورقة فقط للضغط على الحلف. وقال الدبلوماسي الروسي، في هذا الإطار، إن ثمة قناعة في موسكو بأن تصريحات إردوغان تعكس إصرار أنقرة على مواصلة العمل بخطة إعادة مليون لاجئ، ولا تعني بالضرورة أن تكون أنقرة مضطرة لخوض عملية عسكرية جديدة.
وتطرق المصدر إلى المعطيات التي انتشرت أخيراً حول انخراط موسكو بسحب قوات من سوريا ونقلها إلى أوكرانيا، مع ما يمثله ذلك من احتمال إعادة رسم التموضع العسكري في سوريا. وقال إن موسكو «ليست لديها خطط لإعادة توزيع القوات، والمهمة الرئيسية التي تلتزم بها هي المحافظة على نظام التهدئة في سوريا». وزاد أن المهام العسكرية الأساسية للقوات الروسية في سوريا تتمثل حالياً بمواجهة ما تبقى من مجموعات إرهابية في بعض المناطق، ومواصلة القيام بمناورات وتدريبات مع القوات الحكومية السورية بهدف رفع خبرة وكفاءة هذه القوات بما في ذلك على صعيد إعادة تأهيل سلاح الدفاع الجوي. ولفت إلى أن القوات الروسية العاملة في قاعدة «حميميم» (بمحافظة اللاذقية) لها مهام أخرى خاصة بحماية المصالح الروسية في المنطقة.
ولفت الدبلوماسي إلى أن التصعيد الإسرائيلي في الفترة الأخيرة ضد مواقع في سوريا «يجري تنسيقه مع الولايات المتحدة في إطار الحرب الهجينة التي تهدف إلى الإضرار بهيبة روسيا وتصويرها على أنها عاجزة في أوكرانيا وعاجزة في سوريا».
على صعيد آخر، بدا أمس أن الإعلان الكازاخي عن ترتيب لقاء جديد لمجموعة «مسار آستانة» الشهر المقبل يأتي في إطار مساعي إعادة ضبط الساعات بين روسيا وتركيا وإيران ورسم ملامح التحرك في المرحلة المقبلة. وقال ايبيك صمادياروف المتحدث باسم وزارة خارجية كازاخستان، إنه سيتم في الشهر المقبل استئناف المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة. وقال إن المفاوضات ستجري في عاصمة كازاخستان نورسلطان، بين 14 و16 يونيو (حزيران) المقبل. وأوضح أن وزارة خارجية كازاخستان وجّهت دعوات للدول الضامنة للمحادثات وكذلك للمراقبين، وهي تنتظر تأكيد مشاركتهم.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.