وسط معمعة كبرى تتصل بقضايا الاقتصاد والسياسة الدولية فائقة الحساسية، لم تغب مخاوف حدوث ركود عالمي عن أروقة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، لتطفو على السطح تباينات حادة في الرؤى بين مسؤولين وبيوت مالية معتبرة.
وقالت كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي يوم الاثنين إن تأزم الأوضاع المالية وارتفاع الدولار وتباطؤ اقتصاد الصين؛ كلها عوامل تؤثر على الاقتصاد العالمي، لكن صندوق النقد لا يتوقع ركودا عالميا.
وأضافت غورغييفا لتلفزيون بلومبرغ أن «كل هذه العوامل تجعل تخفيض التصنيفات أمرا واردا وبالنسبة لبعض الدول هناك خطر متزايد من الركود؛ لكننا لا نتوقع ركودا عالميا».
توقعات غورغييفا تبدو شديدة الاختلاف عن رؤى أخرى حاضرة بالمنتدى، على رأسها تحذير وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من حدوث ركود عالمي، ما لم يكن القادة قادرين على حل بعض المشكلات الاقتصادية الكبرى في العالم.
وقال هابيك إن هناك ما لا يقل عن أربع أزمات مترابطة يجب معالجتها، مشيرا إلى ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة ونقص الغذاء وتغير المناخ، وقال: «إذا لم يتم حل أي من هذه المشكلات، فأخشى حقا أن نواجه ركودا عالميا»، والذي سيكون له «تأثير هائل» ليس فقط على جهود مكافحة تغير المناخ، بل أيضا على الاستقرار العالمي ككل.
وأضاف هابيك، الذي يشغل أيضا منصب نائب المستشار الألماني: «علينا أن نرى أنه لا ينبغي لنا حل مشكلة على حساب أخرى»، مشيرا إلى أن الجوع في جميع أنحاء العالم «مريع بما فيه الكفاية»، لكنه مجرد واحدة من المشكلات التي تحتاج إلى حل عندما يتعلق الأمر بحماية الاستقرار العالمي.
أما بالنسبة لإمدادات الطاقة، فقال هابيك المنتمي لحزب الخضر: «الاهتمام بأمن جديد لإمدادات الطاقة لا يتعارض مع الهدف الأكبر المتمثل في الاستغناء عن الوقود الأحفوري».
ورغم عدم وجوده في أروقة المنتدى، فإن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن في هذا الصدد كانت حاضرة، إذ إنه قال إن الركود ليس حتميا بالنسبة للولايات المتحدة، مؤكدا أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد الداخلي أقل خطورة منها في الكثير من الدول الأخرى في العالم، ومن بينها الصين.
وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن بايدن رد بشكل قاطع على سؤال حول ما إذا كان الركود أمرا لا مفر منه قائلا: «لا»، وذلك عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في طوكيو.
وبدأ الاقتصاد الأميركي يظهر علامات ضعف تحت وطأة أعلى معدل تضخم خلال عقود وتزايد معدلات أسعار الفائدة، ما أثار مخاوف من الانكماش الاقتصادي.
وفي تصريحات بايدن خلال زيارته لليابان، المحطة الثانية بعد كوريا الجنوبية في جولة تستمر خمسة أيام هي الأولى له في آسيا منذ توليه الرئاسة، أشاد بوضع الاقتصاد الأميركي مقارنة بالصين. وقال: «الناتج المحلي الإجمالي لدينا ينمو بشكل أسرع من نظيره الصيني للمرة الأولى منذ 40 عاما...». وحتى نهاية الشهر الماضي، رجح نموذج وكالة بلومبرغ إيكونوميكس احتمالية حدوث ركود في الولايات المتحدة حتى يناير (كانون الثاني) 2024 بنسبة 44 في المائة.
وعلى صعيد مواز، وفي ظل مواجهة النظام الاقتصادي العالمي لـ«تقاطع محتمل للكوارث»، دافع صندوق النقد الدولي في المنتدى عن العولمة وحث الدول على عدم الاستسلام لمغريات الأنظمة الحمائية.
وكتبت غورغييفا في مدونة مشتركة مع مسؤولين في الصندوق: «بينما يتوجه صناع القرار السياسي وأصحاب الشركات إلى دافوس، يواجه الاقتصاد العالمي على الأرجح أكبر اختبار له منذ الحرب العالمية الثانية».
وشدد مسؤولو صندوق النقد الدولي على «تنامي خطر التفتت الجغرافي - الاقتصادي»، مشددين في المقابل على فوائد العولمة. ولفت مسؤولو الصندوق في مدونتهم إلى التغير في تدفق رأس المال والسلع والخدمات على مدى العقود الثلاثة الماضية مدفوعاً بانتشار التكنولوجيا الحديثة، قائلين: «لقد عززت قوى التكامل هذه مستوى المعيشة والإنتاجية وضاعفت حجم الاقتصاد العالمي ثلاث مرات وانتشلت 1.3 مليار شخص من الفقر المدقع».
إلا أن هذا التقدم مهدد اليوم بفعل الحرب في أوكرانيا وما صاحبها من عقوبات وقيود، إذ فرضت قيودٌ على تجارة الأغذية والطاقة والمواد الخام الأخرى في حوالي 30 بلداً، بحسب الصندوق. ومع ذلك من الضروري «تعزيز الحركة التجارية لزيادة القدرة على التكيف...». ومن شأن تقليص العوائق التجارية أن يساعد في تخفيف النقص في الإمدادات وخفض أسعار المواد الغذائية والمنتجات الأخرى.
ونصح صندوق النقد الدول والشركات بتنويع وارداتها لضمان تدفق الإمدادات و«الاستفادة من فوائد التكامل العالمي للشركات». وقد أظهرت دراسة أجراها الصندوق أن التنويع يمكن أن يخفض نصف الخسائر المحتملة المرتبطة بمشاكل العرض.
تباينات الركود تطفو في سماء دافوس
صندوق النقد يدافع عن العولمة
تباينات الركود تطفو في سماء دافوس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة