يرى محللون أن خسارة «حزب الله» وحلفائه للأكثرية في البرلمان اللبناني قد تعقّد إنجاز الاستحقاقات المقبلة الملحة، ما ينذر في أحسن الأحوال بشلل سياسي طويل أو حتى احتمال الانزلاق إلى العنف.
ورغم خسارته الأكثرية في مجلس النواب، احتفظ «حزب الله» وحليفته حركة أمل بكامل المقاعد العائدة للطائفة الشيعية (27)، لكن حلفاء تقليديين بارزين له، وبينهم من التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، خسروا مقاعدهم، ما جعله غير قادر على تأمين 65 مقعداً من 128 هو عدد مقاعد مجلس النواب. وحقق خصمه اللدود حزب «القوات اللبنانية» بعض التقدم في عدد المقاعد (18)، بينما كانت المفاجأة في وصول 13 نائباً على الأقل من المعارضة المنبثقة عن الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة السياسية بكاملها التي انطلقت في 2019، وستجعل هذه النتيجة تركيبة البرلمان مشتتة، من دون أكثرية واضحة لأي طرف.
وتقول لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس: «سيسعى الحرس القديم إلى تأكيد هيمنته السياسية في مواجهة التغييريين الذين دخلوا البرلمان للمرة الأولى». وتبدأ ولاية المجلس الجديد في 22 مايو (أيار)، وسيكون أمامه مهلة 15 يوماً لانتخاب رئيس له، وهو منصب يشغله رئيس حركة أمل نبيه بري منذ عام 1992، ولا ينوي التنازل عنه رغم بلوغه الرابعة والثمانين.
وأعلن «التغييريون» والمعارضون الآخرون، وبينهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أنهم لن ينتخبوا بري رئيساً للبرلمان. لكن قد لا يكون اعتراضهم مجدياً، كون كل النواب الشيعة ينتمون إلى حركة أمل و«حزب الله» أو ما يعرف بـ«الثنائي الشيعي»، وبالتالي، لن يكون لديهم مرشح بديل لتقديمه، علماً بأن رئاسة المجلس النيابي تعود للشيعة في لبنان. فهل تشكّل عملية انتخاب رئيس المجلس أول اختبار للمعارضين لمعرفة إلى أي مدى هم مستعدون للمخاطرة بتحدي «حزب الله»؟
وسارع الحزب إلى البدء بتوجيه رسائل إلى النواب المعارضين له فور ظهور نتيجة الانتخابات، وقال رئيس كتلة «حزب الله» النيابية محمد رعد: «نتقبّلكم خصوماً في المجلس النيابي، ولكن لن نتقبّلكم دروعاً للإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي».
ويثير هذا الانقسام الحاد مخاوف من تكرار حوادث العنف التي شهدتها منطقة الطيونة في بيروت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بين أنصار «القوات اللبنانية» وأنصار «حزب الله» وحركة أمل على خلفية مظاهرة احتجاجية.
وأشارت صحيفة «لوريان لوجور» اللبنانية الصادرة بالفرنسية، اليوم (الأربعاء)، إلى أن الغالبية التي كان يتمتع بها «حزب الله» في البرلمان خلال السنوات الأخيرة مكنته «من فرض قراراته من دون اللجوء إلى العنف وحماية خطوطه الحمراء». ويقول الباحث دانيال ميير، الذي يتخذ من فرنسا مقراً: «هناك خطر حقيقي بحصول شلل تام»، مضيفاً: «الطرق المسدودة اختصاص لبناني».
ويرأس نجيب ميقاتي حكومة يفترض أن تقدم استقالتها بعد بدء ولاية البرلمان الجديد، منذ سبتمبر (أيلول) 2021 بعد فراغ استمر 13 شهراً. ويفترض أن الحكومة مؤلفة من وزراء تكنوقراط بمعظمهم، لكن تبين أن لكثيرين منهم مرجعية سياسية واضحة توجههم.
ويستبعد أن يشارك أي من المعارضين الجدد الذين ينتهجون خطاباً جديداً عصرياً بعيداً عن اللغة التقليدية للسياسيين اللبنانيين المتجذرين، في أي حكومة ائتلافية. ويقول المحلل السياسي سامي نادر: «هناك تغيير في ميزان القوى، لكن ذلك لن يترجم في برنامج تغييري، لأنه، رغم كل شيء، يحتفظ «حزب الله» بقدرته على الفيتو». وقد يجد ميقاتي نفسه في موقع من يدير حكومة تصريف أعمال إلى أن يحين موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية نهاية هذه السنة.
وسيكون انتخاب الرئيس ليخلف ميشال عون (88 عاماً) بدوره استحقاقاً صعباً آخر على جدول أعمال المجلس النيابي. ويتم تداول أسماء عدة لخلافته، بينها صهره جبران باسيل، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والنائب والوزير السابق سليمان فرنجية، وقائد الجيش جوزيف عون. لكنها كلها أسماء لا تلقى إجماعاً ويصعب أن تحصد أكثرية في مجلس النواب.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت جوزيف باحوط: «سنشهد على الأرجح فترة طويلة من الشلل داخل البرلمان»، مشيراً إلى أن الأزمات يمكن أن تؤخّر الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي في مقابل تقديم مساعدة ملحة إلى لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، منذ أكثر من سنتين.
تخوف من شلل سياسي أكبر بعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية
تخوف من شلل سياسي أكبر بعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة