البعض يرى استحقاق صلاح معاملة تماثل رونالدو وميسي بعد إنجازاته التاريخية مع ليفربول
فتح النجم المصري محمد صلاح أبواب الجدل بشأن مسيرته مع فريقه ليفربول، بعد الانتقادات اللاذعة إلى مدربه الهولندي آرني سلوت الذي أبعده عن التشكيلة في مباراة التعادل مع ليدز يونايتد 3 - 3 مساء أول من أمس، ضمن المرحلة الـ15 من الدوري الإنجليزي الممتاز.
لقد زادت المقابلة الصحافية النارية لصلاح الضغط على سلوت، الذي يعاني بالفعل مع ادعاء الجناح، البالغ من العمر 33 عاماً، أن علاقتهما «انهارت»، في إشارة تُعدّ تحدياً واضحاً لسلطة المدير الفني الهولندي من قبل أحد أبرز لاعبي ليفربول؛ إن لم يكن أفضلهم خلال السنوات الأخيرة.
«الملك المصري»، كما يُطلق عليه مشجعو ليفربول، أطلق تصريحات نارية أصبح من الصعب بعدها تصور كيف يُمكن التوفيق بينه وبين المدير الفني بعد كل هذه الانتقادات الشخصية والعلنية.
وقال صلاح إنه يشعر بأنه «خُذل» من قبل النادي بعد جلوسه على مقاعد البدلاء في المباريات الثلاث الأخيرة، ملمحاً إلى أن المباراة المقررة الأسبوع المقبل أمام برايتون قد تكون الأخيرة له مع بطل إنجلترا قبل الرحيل عن صفوف الفريق في سوق الانتقالات الشتوية.
ويغادر صلاح بعد مباراة برايتون للالتحاق بمنتخب بلاده للمشاركة في نهائيات «كأس أمم أفريقيا» في المغرب.
وأوضح صلاح قبل خروجه من ملعب «إيلاند رود» معقل فريق ليدز: «أنا محبط جداً جداً... لقد قدمت الكثير لهذا النادي على مر السنين، خصوصاً الموسم الماضي».
وأضاف: «الآن أنا جالس على مقاعد البدلاء ولا أعرف لماذا. يبدو أن النادي تخلى عني. هذا هو شعوري. أعتقد أن الأمر واضح جداً أن هناك من أراد أن يحملني كل اللوم عن سوء نتائج الفريق».
وتابع: «تلقيت كثيراً من الوعود في الصيف، وحتى الآن أنا على مقاعد البدلاء منذ 3 مباريات، لذلك لا يمكنني القول إنهم أوفوا بوعودهم. قلت مراراً من قبل إن علاقتي بالمدرب كانت جيدة، وفجأة لم تعد هناك أي علاقة. لا أعرف لماذا، لكن كما أراه، يبدو أن هناك من لا يريدني في النادي». وأردف: «هذا النادي سأظل دائماً أدعمه. أطفالي سيدعمونه دائماً. أنا أحب النادي كثيراً، وسأظل كذلك. اتصلت بوالدتي التي كانت تسأل هل سألعب أمام برايتون أم لا. قلت لها تعالوا إلى مباراة برايتون المقبلة. لا أعرف إن كنت سأشارك فيها أم لا، لكنني سأستمتع بها لعلها الأخيرة».
وتابع: «لا أعرف ما الذي سيحدث الآن. سأكون في (آنفيلد) لأودع الجماهير وأذهب إلى كأس أفريقيا. لا أعرف ما الذي سيحدث عندما أكون هناك».

ويعاني صلاح وليفربول خلال الفترة الأخيرة؛ إذ فاز الفريق مرة واحدة في آخر 6 مباريات بمختلف المسابقات، وتراجع إلى المركز الثامن في ترتيب الدوري الممتاز بفارق 10 نقاط عن آرسنال المتصدر.
ويعدّ صلاح ثالث أفضل هداف في تاريخ ليفربول برصيد 250 هدفاً في 420 مباراة، وفاز معه بلقب الدوري الإنجليزي مرتين ودوري أبطال أوروبا مرة واحدة منذ انضمامه من روما الإيطالي عام 2017. لكن اللاعب ظهر بعيداً عن مستواه المعتاد خلال معاناة ليفربول هذا الموسم؛ إذ حقق الفريق فوزين فقط في آخر 10 مباريات بالدوري.
وسجل صلاح 5 أهداف فقط في 19 مباراة هذا الموسم، لكنه كان أساسياً حتى الفوز على وست هام يونايتد 2 - 0 الأسبوع الماضي. وشارك صلاح بديلاً في التعادل أمام سندرلاند 1 - 1 في «آنفيلد» الأربعاء الماضي دون تأثير يُذكر.
ودافع سلوت عن قراره إبقاء صلاح على دكة البدلاء أمام ليدز يونايتد قائلاً: «كان الأمر يتعلق أكثر بالتحكم في المباراة (عند التقدم 3 - 2) ولم نكن بحاجة إلى دعم الهجوم».
وأضاف: «عادة عندما نحتاج إلى هدف، مثل الأسبوع الماضي أمام سندرلاند، نشرك محمد».
من المؤكد أن تصريحات صلاح ستزيد الضغط على سلوت الذي يواجه بالفعل انتقادات كبيرة مع تراجع النتائج.
بالنسبة إلى نادٍ يفخر بقدرته على إدارة شؤونه داخلياً بعيداً عن وسائل الإعلام، ويعتمد على الاستقرار والهدوء، فقد فجرت ثورة صلاح حالة من السخط داخل ليفربول. إنه تمرد مذهل من لاعب حقق عن جدارة مكانة عظيمة في تاريخ النادي على مر العصور.
وما زاد الأمر سوءاً بالنسبة إلى سلوت وليفربول أن هذا الهجوم من صلاح جاء وهو خارج الخطوط يشاهد الفريق يستقبل هدف التعادل القاتل في اللحظات الأخيرة لتنتهي المباراة أمام ليدز بالتعادل 3 - 3 بعد أن كان ليفربول متقدما بهدفين دون رد.
لم ينجح سلوت في إيجاد حلول للمشكلات التي أدت إلى تراجع مستوى ليفربول هذا الموسم، على الرغم من إنفاق النادي نحو 450 مليون جنيه إسترليني لتدعيم صفوفه في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة. لكن كبرى هذه المشكلات وقعت عندما قرر صلاح التعبير عن غضبه الواضح من الطريقة التي يُعامل بها.
يختار صلاح كلماته بعناية شديدة. وفي معظم المباريات منذ وصوله إلى ليفربول قادماً من روما عام 2017، كان النجم المصري يرفض طلبات الصحافيين المنتظرين للتحدث معه. ولا يتغير هذا الأمر إلا عندما يرغب صلاح نفسه في الحديث، كما حدث عندما وقف خارج ملعب «سانت ماري» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بعد تسجيله هدفين في المباراة التي فاز فيها ليفربول بثلاثة أهداف مقابل هدفين على ساوثهامبتون ليعلن أنه «ربما يكون أقرب للرحيل من البقاء» في ليفربول، حيث كانت مفاوضات تجديد عقده تسير ببطء.
وحُلّ هذا المأزق عندما وقّع عقداً لمدة عامين في أبريل (نيسان) الماضي، واحتفل صلاح بعقده الجديد بالجلوس على عرشه مرتدياً قميص ليفربول في ملعب «آنفيلد». كان كل هذا بعيداً كل البعد عن الحالة التي ظهر عليها النجم المصري في ملعب «إيلاند رود» مساء أول من أمس. لقد أصبح صلاح بالفعل أقرب للرحيل أكثر من أي وقت مضى، وإذا انتهت مسيرته مع ليفربول بهذه المرارة، فسيكون وداعاً حزيناً للغاية. وإذا كانت كلمات النجم المصري بمثابة تحدٍّ لليفربول وسلوت، فهي معركة من غير المرجح أن يفوز بها، على عكس الوضع في مثل هذا التوقيت من الموسم الماضي... رغم تفهم الحزن الذي يشعر به صلاح بعد هذا المشوار التاريخي بإبقائه على مقاعد البدلاء.
خلد صلاح اسمه في تاريخ هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز، بتسجيله 188 هدفاً وتقدّيم 88 تمريرة حاسمة، وبات يحتل المركز الثالث في قائمة هدافي ليفربول على مر العصور، خلف إيان راش وروجر هانت.
في الواقع، يقدم صلاح مستويات هذا الموسم تتناقض تماماً مع ما كان يقدمه خلال الموسم الماضي، حين كان يبدو مدفوعاً برغبة شخصية في إعادة لقب الدوري إلى ملعب «آنفيلد»، وهو ما نجح حقاً في فعله، حيث سجل 34 هدفاً في 50 مباراة بدأها أساسياً في جميع المسابقات. أما خلال الموسم الحالي، فقد شارك صلاح في التشكيلة الأساسية في 16 مباراة، وسجل 5 أهداف فقط.
كان المدير الفني الهولندي يبحث عن حلول في ظل معاناة حامل اللقب، لذا قرر استبعاد صلاح من التشكيلة الأساسية واستكشاف كيفية التأقلم من دونه، ليس فقط على المدى القصير، بل على المدى البعيد أيضاً، حيث يستعد صلاح للانضمام إلى منتخب مصر في كأس الأمم الأفريقية يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وهو أمر جعل الجناح المخضرم يدرك أنه لم يعد يضمن المشاركة في التشكيلة الأساسية بشكل تلقائي.
ستُقام المباراة المقبلة على ملعب «آنفيلد»، عندما يواجه ليفربول برايتون يوم السبت، تحت أنظار الجميع، حيث ستكون بمثابة اختبار للجماهير العاشقة لصلاح، التي لم تصب غضبها على سلوت بعدُ رغم تراجع المستوى هذا الموسم. ويرى كثيرون أن صلاح يستحق التقدير ومعاملته مثل الأسطورتين البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، خصوصاً أنه كان الأحق بجائزة «الأفضل في العالم» هذا العام وفقاً لأرقامه القياسية على مدار المواسم الـ5 أو الـ6 الماضية.
من الصعب أن نتصور أن النادي سيضحي بالمدير الفني بسبب انتقادات من لاعب في نهاية مسيرته الكروية، مهما كانت تلك المسيرة رائعة.
لقد أظهرت مكانة صلاح وشخصيته الفولاذية قدرته على تحدي سلطات المدير الفني من قبل، كما حدث عندما دخل في مشادة كلامية حادة مع المدير الفني الألماني يورغن كلوب على خط التماس عندما سجل وست هام هدفاً بينما كان ينتظر مشاركته بديلاً في أبريل (نيسان) 2024. في تلك المناسبة، رفض صلاح التوقف في المنطقة التي يمكن للاعبين فيها التحدث إلى وسائل الإعلام، قائلاً ببساطة: «إذا تحدثت، فستشتعل الأمور». أما هذه المرة، فقد اختار صلاح التحدث في ملعب «إيلاند رود»، وهو الأمر الذي أشعل الأمور بالنسبة إلى سلوت وليفربول!



