محمد عبلة: أعمالي مدونات لانفعالاتي

التشكيلي المصري حصد «وسام غوته» أرفع جائزة ألمانية في الثقافة والعلوم

محمد عبلة: أعمالي مدونات لانفعالاتي
TT

محمد عبلة: أعمالي مدونات لانفعالاتي

محمد عبلة: أعمالي مدونات لانفعالاتي

للفنان محمد عبلة مسيرة غنية ومتنوعة في مجال الفن التشكيلي، تجاوزت الفعاليات التي شارك فيها وأقامها على مدى أكثر من 40 عاماً مئات المعارض، قدم خلالها كثيراً من أعمال التصوير والنحت والطباعة وفن الفيديو، وقد تم تتويجه أخيراً بمنحه «وسام غوته» أرفع جائزة ألمانية في مجال الثقافة والعلوم، «تقديراً لما قدمه من جهود فنية شكلت جسراً بين الثقافتين المصرية والألمانية، وغيرهما من ثقافات العالم». بهذا التتويج، يكون عبلة ثالث مبدع عربي يحصل على هذا الوسام، بعد الشاعر أدونيس، وأستاذ الفلسفة الدكتور عبد الغفار مكاوي... هنا حوار معه حول هذا التتويج ومسيرته الفنية:
> بداية حدثني عن شعورك بحصولك على هذا الوسام الرفيع...
- هو تتويج لمسيرة فنية استمرت لأكثر من أربعين عاماً، ورد جميل لما قمت به في خدمة مجتمعي المصري، وما قمت به من مجهودات لخدمة الثقافة المصرية والتقريب بينها وبين الثقافة الألمانية، فالألمان يدركون مجهودي، ويتابعون ما أقوم به منذ زمن، لذا أراها بمثابة تقدير واحترام كبير لما قمت به وما قدمته على المستويين المصري والألماني. أما كون اقتران اسمي باسم غوته فهو شيء عظيم بالنسبة لي، فقد كان شاعراً وفيلسوفاً وفنان مسرح وعالماً.
وما يجعل هذه الجائزة مهمة هو لجنة التحكيم التي تمنحها، وما تتسم به من ترفع وموضوعية، فهي تمنحها لمن تراه مستحقاً لها، وقد حصلت عليها من بين المئات الذين تم ترشيحهم من دول العالم المختلفة، هناك حيادية، وتظل لجنة التحكيم تفحص الأسماء لمدة عام كامل، وهذا سر عظمتها.
> بالمناسبة، حدثني إذن عن جائزة محمد عبلة لفن التحريك... كيف تم التفكير في تنظيمها؟
- كانت من أجل دعم الفنانين الشباب، وقد قمت بإقامتها في فروع الرسم والتصوير، والتحريك، وهدفها الأساسي منح الشباب جوائز تشجعهم وتساعدهم في الاستمرار، وتدفعهم للأمام، وترسل لهم رسالة بأن أعمالهم محل تقدير. هؤلاء الشباب يصنعون أفلاماً كثيرة ووجدت أنه يجب أن تسلط الأضواء على أعمالهم بجائزة أقدمها بنفسي وأدعمها مالياً من خلال مسابقة يتم تنظيمها كل عام، وهو تقليد كان موجوداً في مصر منذ فترة طويلة، حيث كان الفنانون والأثرياء من محبي الفن يقدمون هذه الجوائز ويرعونها، وهي بلا شك مهمة إلى جانب جوائز الدولة التي لا يمكن أن نلقي على كاهلها مهمة عمل كل شيء، يجب على الفنانين الكبار ورجال الأعمال أن يقدموا ما يمكن أن ينشط الحركة الثقافية والفن ما دام ذلك في استطاعتهم. هذه الجائزة التي أقدمها تأتي كمبادرة لتشجيع آخرين على أن يسيروا في الطريق نفسها، وعمل مسابقات فنية مشابهة، أو تقديم خدمات يحتاجها المجتمع من تعليم وصحة وغير ذلك.
> تقيم كثيراً من المعارض في مدن مصرية ربما يتمتع فيها الفن التشكيلي باهتمام الناس ولا يلقى رواجاً، وبالتالي لا يحقق أي نجاح مادي...
- قضية بيع اللوحات وتحقيق فائدة مادية من إقامة المعرض ليست لها علاقة بما أقوم به، هذه القصة لها ناسها، فالفنانون لا يجيدون مطلقاً مهارات البيع والترويج. كل فنان له مهمته وعليه أن يجتهد ويقدم فنه، وينشره ويشارك في الفعاليات والمعارض، أنا شخصياً أقمت معارض في الأقصر ودمياط والمنيا، ومناطق أخرى كثيرة، وقد لاحظت أن ارتياد المعارض ومتابعة الفن التشكيلي غير شائعة، وهذه الأشياء ليست قاصرة على مدن بعينها لكنها موجودة في كل مكان، وهنا يأتي دور الدولة الحقيقي، وهو تشجيع الحوارات والكلام عن الفن وتذوقه عن طريق الصحافة والمدارس وحصص الرسم وأشياء من هذا القبيل، وهي أشياء للأسف غير متوفرة ولا توجد واحدة من المؤسسات تقوم بها.
> لهذا السبب ترى أن تجاربك مع وزارة الثقافة محبطة؟
- التجارب بشكل عام في هذا المناخ غير مشجعة، ويجب على مؤسسات الدولة أن تقوم بمجهود كبير من أجل محاربة الإرهاب، والفن والثقافة لهما دور كبير في محاربة الإرهاب، ويدرك الجميع أن الحلول الأمنية غير كافية، ونتائجها واضحة أمامنا، لأن طرفاً واحداً هو الذي يتصدى للعنف، وهذا غير كافٍ، القضاء على الإرهاب يحتاج كل المصريين، الشعب كله لا بد أن يحارب في هذه الجبهة، وبسلاح الفكر والثقافة والفن.
> لديك معارض تقيمها بين وقت وآخر لأعمال رسمتها في مراحل مختلفة من حياتك ولم تعرضها من قبل... ما الفكرة وراء ذلك؟
- الفكرة هنا لا تأتي فجأة، ولا بالقصد، لكن تتوقف على وجود فرصة مكان كبير، أستطيع أن أعرض فيه ما لديّ من لوحات، المكان هو الذي يحكم عدد الأعمال، ومعظم الأماكن تكون صغيرة، ولا تتيح لك عرض كل اللوحات، لكن الآن مثلاً وأنا أستعد لمعرضي الجديد، لدي مساحة كبيرة لعرض أعمالي، وهي فرصة تتيح لي أن أقدم أكبر عدد من رسوماتي من مراحل ماضية، لم أقم بعرضها من قبل ولم يشاهدها أحد.
> على أي أساس إذن تقوم بهذا الاختيار في معرض بهذا الاتساع؟
- أولاً هناك لوحات لم تحظَ من قبل بمشاهدة جيدة، وأخرى لم يتم عرضها أصلاً، وهناك لوحات رسمتها في فترة معينة، ولم أعرض منها غير عمل واحد، هذه الأعمال وغيرها، أقوم بعرضها، لسبب مهم يخصني كفنان، وهو أنني عندما أرسم لا يكون لدي خطة ولا أفكار جاهزة، وأعمالي كلها ناتجة عن انفعالاتي، أنا فنان أعمل تحت تأثير ما يعتمل في روحي، ولهذا أجد في بعض الأوقات أن هناك أعمالاً رسمتها من قبل تتراسل وتتحاور مع أعمال أخرى آنية، قمت للتو بتنفيذها، في هذه الحالة أضعها معاً في عرض واحد، المحدد الوحيد هو تاريخي وانفعالاتي الشخصية والفنية، هنا يمكن النظر إلى لوحاتي باعتبارها يومياتي التي أسجل من خلالها حالاتي المختلفة، في بعض الأوقات تكون لدي حدوته أو قصة، فأذهب لأحكيها عن طريق الرسم.
> معنى هذا أن معارض مثل «العائلة» و«أبراج القاهرة» و«مغارة علي بابا» تأتي في هذا السياق؟
- بالطبع، كل معارضي هكذا، وجميعها تأتي في سياق الحكايات، وهناك أعمال رسمتها بنوع من الحنين للماضي، ومحاولة تسجيله وتوثيقه. التركيز على الواقع - هنا - في فترة ما، مهم جداً، هذه المراحل التي عشتها تنتمي لي، وهذا الانتماء هو ما يدفعني للعودة لها وتصويرها من جديد بما أشعر به تجاهها في لحظات الإبداع والرسم.
على سبيل المثال التشوهات التي تحدث في القاهرة وغيرها من المدن، الجميع يراها ويعيشها وليس أنا فقط، لكن الفنان له طريقة أخرى للتفاعل مع الأحداث، وما يجري في الواقع من تفاصيل يراها قبيحة يجب وقفها أو التصدي لها ومواجهتها، والفنان هنا هو مرآة للمجتمع، وعليه ينعكس ما يدور على الأرض، وهكذا أنا أتفاعل مع الأشياء وأمتصها، وتعتمل داخلي ثم تخرج في صورة أو لوحة أو تمثال، وفي أعمال أبراج القاهرة كنت أريد أن أتحدث عن هذه المدينة التي تتكدس فوق بعضها، وتبني على بناياتها، طبقات لا علاقة لأي منها بغيرها، فيها ما ينتمي للعشرينات، وفوقه ما ينتمي للستينات، ثم الثمانينات، وهكذا تتوالى الطوابق المشوهة؛ واحدا تلو الآخر.
> هل كانت معارضك عن النيل رداً على هذه التشوهات؟
- لا... موضوع النيل ولوحاته جاء قبل هذا بعد احتراق مرسمي في المسافر خانة، وقد دفعني هذا لأن يكون المكان الذي أرسم فيه قريباً من المياه، من هنا اخترت أن يكون المرسم في جزيرة «القرصاية»، في قلب النيل، وأنا الحقيقة حين أقيم في أي مكان أقوم برسمه وتصوير ناسه وتفاصيل حياته وما يدور فيه.
> لكن كيف تفسر لجوءك الدائم لكثير من الوسائل والأساليب للتعبير الفني، فمرة تقدم نحتاً، ومرة أعمال تصوير ومرة تستخدم فن الفيديو ثم الطباعة، وغيرها من طرق وتقنيات؟
- هناك ضرورات تدفعني لاختيار وسيط دون آخر، هناك أعمال أجد أنها لا يمكن التعبير عنها إلا بالرسم، وأخرى يناسبها النحت أو «الفيديو أرت»، وهكذا تجد أن الموضوع هو الذي يفرض الخامة التي أقدمها بها، فمثلاً في بعض الأحيان أريد أن أقول جملة مفيدة مختصرة ومركبة، في هذه الحالة يكون النحت أقوى وسيلة ألجأ إليها لقنص الفكرة ووضعها في كتلة تظل طول الوقت نابضة وحية.
> ماذا إذن عن متحف الكاريكاتير الذي أقمته في مدينة الفيوم جنوب مصر؟
- في الحقيقة هذا المتحف كان هدفه الرد بطريقة ساخرة على ما يحدث هناك من ممارسات إرهابية للتنظيمات التي كانت منتعشة هناك، وقد جمعت كل الساخرين الذين انتقدوا المجتمع وممارساته في مكان واحد، كان هذا ردي، وقد اكتشفت فيما بعد أنه متحف الكاريكاتير الوحيد في الشرق الأوسط، وقد سعيت من خلاله لرد الجميل لهؤلاء الفنانين العظماء الذين تصدوا بلوحاتهم لما رأوه من تشوهات طالت المجتمع المصري.
> أقمت كثيراً من المعارض في مصر وخارجها... كيف تقيم ردود الأفعال عليها هنا وما يقابلها هناك؟
- في أوروبا، وبخاصة أنني عشت في ألمانيا لفترات طويلة دائماً ردود الأفعال إيجابية، وأنا أسافر كثيراً، ولدي لوحات مقتناة هتاك، لاحظت أن أعمالي يتم الاهتمام بها والمحافظة عليها، وهو جو آخر مختلف عن الأجواء هنا، هناك صحف الفن كثيرة، ونقاد الفن أيضاً، ولهذا ترى انتعاش الفن التشكيلي واضحاً.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».