القوى السياسية في العراق تواصل طرح المبادرات وتبادل الاتهامات

بعد 7 أشهر على إجراء الانتخابات

جلسة للبرلمان العراقي في مارس لمحاولة انتخاب الرئيس (إ.ب.أ)
جلسة للبرلمان العراقي في مارس لمحاولة انتخاب الرئيس (إ.ب.أ)
TT

القوى السياسية في العراق تواصل طرح المبادرات وتبادل الاتهامات

جلسة للبرلمان العراقي في مارس لمحاولة انتخاب الرئيس (إ.ب.أ)
جلسة للبرلمان العراقي في مارس لمحاولة انتخاب الرئيس (إ.ب.أ)

تبدو القوى السياسية العراقية في وضع لا تحسد عليه بعد مرور 7 أشهر على إجراء انتخابات عامة (نيابية) أصرت هي تحت تأثير الاحتجاجات الجماهيرية الغاضبة عامي 2019 و2020 أن تكون مبكرة. ذلك أن المهمة الأولى والأبرز للبرلمان العراقي الجديد، بعد أول جلسة له، في أعقاب انتخاب رئيسه، تتمثل في فتح باب الترشح لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في غضون 15 يوماً. إلا أن هذا البرلمان، بعد نهاية هذه المهلة الدستورية، ومع ترشح أكثر من 50 شخصاً لمنصب رئيس الجمهورية - الذي هو من الناحية العرفية من حصة الكرد طبقاً للمحاصصة العرقية والطائفية المعمول بها في العراق بعد عام 2003 - لم يتمكن من إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري. ومن ثم، مع توالي الجلسات، الواحدة تلو الأخرى، وإعادة فتح باب الترشح للمنصب ثانية على إثر إقدام المحكمة الاتحادية العليا على استبعاد المرشح الكردي للمنصب، وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، عجز البرلمان مجدداً عن انتخاب الرئيس العتيد.
على الرغم من كثرة عدد المرشحين لشغل منصب رئاسة الجمهورية، فإنه من الناحية العملية يتنافس عليه مرشحان اثنان فقط، هما مرشحا الحزبين الكرديين الكبيرين، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وفي حين رشح الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس الحالي الدكتور برهم صالح، الذي يعد أحد أكبر قيادييه، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني) رشح هوشيار زيباري. ولاحقاً، على إثر استبعاد الأخير بقرار من الاتحادية رشح الحزب بدلاً منه وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد.
الأسباب المباشرة التي حالت، ولا تزال تحول، دون قدرة البرلمان على انتخاب رئيس للجمهورية، تعود إلى أن أياً من التحالفين البرلمانيين الرئيسين، وهما «التحالف الثلاثي» بزعامة مقتدى الصدر - الذي يضم بالإضافة إلى «الكتلة الصدرية» كلاً من «تحالف السيادة» السنّي بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، ورجل الأعمال خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني - و«تحالف الإطار التنسيقي» الشيعي الذي يضم معظم القوى الشيعية الأخرى، بمن فيها كثير من الفصائل المسلحة، عجز عن جمع غالبية الثلثين اللازمة لانتخاب رئيس الجمهورية (220 نائباً من مجموع 329 نائباً).
في طليعة الأسباب غير المباشرة لعجز أي من التحالفين عن جمع هذا العدد من الأصوات، الخلاف الشيعي - الشيعي المستحكم بسبب إصرار زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر على تشكيل حكومة «غالبية وطنية»، شعارها «لا شرقية ولا غربية»، مقابل إصرار «الإطار التنسيقي» – الذي يضم قوى مؤيدة لطهران - على تشكيل حكومة «توافقية». وبما أن تحالف الصدر لا يملك غالبية الثلثين، فإنه حاول وأخفق، عبر 3 جلسات برلمانية، تمرير مرشحه الكردي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس الجمهورية. وعلى الرغم من الدعوات التي وجّهها الصدر شخصياً إلى النواب المستقلين لكسب دعمهم، فإنه لم ينجح بسبب امتلاك خصمه «الإطار التنسيقي» ما بات يسمى «الثلث المعطل».

                                                                      عمار الحكيم (أ.ف.ب)
مدد الصدر الزمنية
في ضوء هذا الواقع، أعلن زعيم «التيار الصدري»، قبيل حلول شهر رمضان الماضي «اعتكافاً سياسياً» لمدة 40 يوماً ينتهي في 9 شوال... أمهل خلاله خصومه في قوى «الإطار التنسيقي» تشكيل حكومة لا يشارك فيها الصدريون. وللتذكير، تضم قوى «الإطار التنسيقي» كلاً من ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وتيار «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة الدكتور حيدر العبادي... إلى جانب فصائل مسلحة تصرّ بقوة على أن تخرج الكتلة الأكثر عدداً ممّن تسميه «المكوّن الاجتماعي الأكبر» في إشارة إلى الشيعة كونهم يشكلون غالبية سكانية مذهبية.
المراقبون السياسيون العراقيون رأوا أن مهلة الصدر هذه لا تأتي فقط لرمي الكرة في ملعب خصومه داخل «البيت الشيعي» الممزق، بل أيضاً لإحراجهم وإظهارهم أمام الناس أنهم غير قادرين إلا على التعطيل. ولكن، في المقابل، أعلنت قوى «الإطار التنسيقي» رفضها المدة الزمنية التي أعلنها الصدر.
وأكثر من هذا، ردّت قوى «الإطار» على دعوة الصدر لها بتشكيل الحكومة في غضون 40 يوماً، داعية إلى ما أسمته تعاون الجميع «ووضع أيدينا معاً، والتعاون على البر والتقوى» بوصفه الضمانة لتحقيق مصالح الناس. أيضاً، في حين أعلنت قوى «الإطار» أنها لم تسعَ إلى الانفراد بالسلطة، ولم تطلبها، كما لم تعمل على إبعاد الآخرين، فإنها قالت إنها كانت حريصة على التعاون معهم، وبالتالي «فإن الإطار غير معنيّ مطلقاً بتحديد مدد زمنية لن تنتج سوى إطالة أمد الانسداد السياسي وتعطيل مصالح الناس... وهو يسعى بكل جهده للوصول إلى تفاهمات واقعية مع القوى السياسية الأخرى، بعيداً عن التفرد أو الإقصاء، ترتكز على عدم جعل المكوّن الأكبر أصغر المكونات وأضعفها».
الصدر، من جهته، لم يرد على بيان «الإطار»، بل أمر أتباعه بتحاشي الرد والتصريح طوال مدة الاعتكاف التي استمرت طوال شهر رمضان الماضي. ولكن في مطلق الأحوال، الأهم بالنسبة لموقف «الإطار التنسيقي» هو أن أصل خلافه مع زعيم «التيار الصدري» هو إصرار «الإطار» – الشيعي القريب من طهران – على تشكيل الحكومة المقبلة مما يسميه «المكوّن الاجتماعي الأكبر»، في إشارة إلى المكوّن الشيعي، من منطلق أن الشيعة هم الغالبية السكانية في العراق. وبالتالي، فإن منصب رئيس الوزراء للمكون الشيعي، وليس لأي طرف آخر... حتى لو كان تحالفاً سياسياً عابراً للعرقية والطائفية على شاكلة تحالف «إنقاذ وطن»... الذي يضم «الكتلة الصدرية» والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف «السيادة» السني. وينطلق «الإطار التنسيقي» في تصوره هذا من كون منصبي رئيس الجمهورية والبرلمان هما للمكونين الكردي والسني.
اعتراف بالفشل
على صعيد آخر، تزامن مع الانسداد السياسي في العراق مرور ذكرى 19 سنة على إسقاط نظام صدام حسين عام 2003. ومع أن العراق أجرى بعد سقوط النظام السابق 5 دورات انتخابية، بما فيها الانتخابات المبكرة الأخيرة، فإنه بعد مرور ما يقرب من 7 أشهر على إجرائها، لم يجد القادة العراقيون بعد ما يقدمونه للمواطنين العراقيين في ذكرى مرور هذه المناسبة التي أريد لها أن تكون نقطة فارقة في تاريخ العراق، يحتفل بها كل سنة. لكن واقع الحال، أنه بعد مرور كل هذه السنوات، تحوّلت الانتخابات إلى مصدر إحراج للقوى السياسية العراقية، في وقت يصبّ الشعب بمختلف فئاته جامّ غضبه سنوياً على الطبقة السياسية، كونها لم تقدم لها ما كانت وعدت به.
رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، الذي كما سبقت الإشارة، أحد أبرز المرشحين لمنصب الرئاسة مجدداً، حذر من استمرار الأزمة السياسية الحالية التي يمر بها العراق. وفي بيان له يوم المناسبة، قال صالح إنه «في يوم سقوط صنم الاستبداد؛ الحاجة مُلحة لتلبية مطلب العراقيين بحكم رشيد، ومعالجة الخلل البنيوي في منظومة الحكم». واستذكر الدكتور صالح المناسبة التي كانت في أول أمرها مدعاة فرح لغالبية العراقيين، وذلك لجهة انتقالهم من نظام شمولي إلى ما يفترض أنه نظام ديمقراطي تصان فيه الحريات، ويجري تداول السلطة سلمياً. إلا أنه أقر بأنه «بعد عقدين من التغيير، يمر بلدنا بظرف حساس، وسط انسداد سياسي، وتأخر استحقاقات دستورية عن مواعيدها المُحددة. وهو أمر غير مقبول بالمرة، بعد مضي أكثر من 5 أشهر على إجراء انتخابات مُبكرة استجابةً لحراك شعبي وإجماع وطني، لتكون وسيلة للإصلاح وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي وتصحيح المسارات الخاطئة وتحسين أوضاع المواطنين والاستجابة لمطالبهم». بيد أن الجانب الأهم هو أن صالح جدد الدعوة إلى «عقد سياسي واجتماعي ضامن للسلم الأهلي، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء الماضي».

موقف الحكيم
على أي حال، الشلل السياسي مستمر، بالتوازي مع الفشل في التعامل مع المعادلة السياسية الجديدة. ذلك أن إصرار السيد مقتدى الصدر على تشكيل حكومة «غالبية وطنية» يهدف إلى تخطي الوصفة الفاشلة السابقة، أي الحكومات «التوافقية»... التي تعني في النهاية «المحاصصة». ولكن الصدر لم يتمكن طوال هذه المدة من تشكيل حكومة «الغالبية» التي يريدها، وفي المقابل، لا يبدو «الإطار التنسيقي» جاهزاً للاعتراف بفشله في ضمان تشكيلها مع امتلاكه الثلث المعطل فقط. وليس بعيداً عن موقف «الإطار» هذا موقف زعيم تيار «الحكمة» عمار الحكيم. ولقد حذّر أخيراً من مغبة ما وصفه بـ«القفز على مبدأ التوافقية في العراق، والذهاب فوراً من دون حساب تدرج المراحل إلى حكومة الغالبية الوطنية».
ومن وجهة نظر الحكيم، أن الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 «خلقت حالة من اللاتوازن... أدت بدورها إلى حدوث اختلال واضح في العملية السياسية، ترتب عليه كل هذا الانسداد السياسي الذي تعانيه البلاد». وما يجدر ذكره هنا أن الحكيم كان من الزعامات السياسية العراقية الشيعية التي دعت في السابق إلى تشكيل حكومة «غالبية س ياسية»، إلا أنه الآن، بات في موقع مختلف عن المعادلة الجديدة التي يصرّ عليها الصدر. وهو (أي الحكيم) يعتقد أنه في حين لا توجد خلافات من حيث المبدأ على الذهاب إلى الغالبية الوطنية، فإن ما جرى إبان الانتخابات وما أسفرت عنه من نتائج، بات العراق أمام حصيلة تجعل من الذهاب إلى الغالبية من دون أن تكون «متوازنة»... مسألة محفوفة بالمخاطر. وبالتالي، لا يمكن القفز من «التوافقية» التي سارت عليها العملية السياسية طوال الفترة الماضية إلى حكومة «غالبية وطنية» أو سياسية.
واستطراداً، في حين يرى الحكيم أنه «بينما عولج الاختلال في النتائج في البيتين السني والكردي بشكل سليم إلى حد كبير، بقي هذا الاختلال قائماً في البيت الشيعي... مع أن النتائج التي حققتها قوى الإطار التنسيقي تكاد تكون متقاربة مع ما حققه التيار الصدري، وعلى الرغم من أن أصوات الإطار التنسيقي الانتخابية أكثر من أصوات التيار الصدري الانتخابية». وهنا نشير إلى أن الحكيم نفسه طرح مبادرة، دعا فيها إلى جلوس الجميع إلى طاولة حوار، تناقش فيه كل الرؤى والأفكار. ورأى أنه رغم أهمية الانتقال من الحكم التوافقي في العراق إلى نوع من الغالبية المتوازنة، «فإن القفز على المراحل لن يكون في صالح أحد، وهو ما يتوجب على جميع الشركاء النظر إليه برؤية وطنية وواقعية».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

عمليات ثأر في ريف دمشق تثير قلقا حقوقيا

قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

عمليات ثأر في ريف دمشق تثير قلقا حقوقيا

قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)

أثار احتفال أهالي بلدة دمر، غرب دمشق، الجمعة، بـ«إعدام» مختار المنطقة السابق مازن كنينة ميدانياً، قلق نشطاء المجتمع المدني وحقوقيين مطالبين بتحقيق العدالة الانتقالية، وسط تشديد على ضرورة وضع حد للأعمال الثأرية والانتقامات الفردية التي ينفذها مسلحون بشكل خارج عن القانون.

وقالت مصادر أهلية في دمر إن مازن كنينة كان على اتصال مع أجهزة الأمن السورية خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتحديداً سرية المداهمة 215، المتهمة بالمسؤولية عن مقتل عشرات المعتقلين. وأضافت أن معارضين يقولون إنه لعب دوراً مؤذياً أثناء مداهمات قوات النظام لمنطقتي دمر والهامة عام 2016. وتابعت المصادر أن الذين نفذوا حكم الإعدام بكنينة في إحدى ساحات البلدة هم مسلحون من أبناء المنطقة، وانتسبوا حديثاً لقوى الأمن في الإدارة الجديدة. وأوضحت أن الأهالي ثاروا، وطالبوا بإعدامه فور انتشار نبأ القبض عليه، مشيرةً إلى أن هناك عائلات فقدت عدداً من أبنائها بسببه.

وانتشرت صورة لما قيل إنها جثة كنينة وهي مربوطة بجذع شجرة وعلى جبينه ما يبدو أنه أثر طلق ناري ودماء على الأرض، ومن حوله أطفال ينظرون إلى جثته. وانتشر مقطع فيديو يظهر الأطفال وهم يقومون بضربه بعصا على جسده، أو ركله على رأسه وهو مربوط بجذع الشجرة، بينما قام بعضهم بالتصوير. ووثّق «المرصد السوري» صحتهما. وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» أنها لم تتمكن من التحقق من صحة الصورة والمقطع بشكل منفصل.

وعبَّر نشطاء مدنيون عن قلقهم من تنفيذ إعدامات ميدانية دون محاكمة، في الوقت الذي يطمح فيه السوريون إلى بناء «دولة جديدة» أساسها القانون وتحقيق العدالة. ورأت المحامية والناشطة المدنية رهادة عبدوش أن «الإعدامات الميدانية ليست طريقة للتعافي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «أخذ الثأر سيجلب للبلاد مزيداً من الدمار، وأخص التنكيل بالجثث والاقتصاص أمام الأطفال وعائلة المقتول»؛ ولذلك «يجب إيجاد محاكم خاصّة لمعاقبة ومحاكمة من تلطخت أيديهم بالدماء، ومحاسبة كل شخص بحسب الضرر الذي قام به».

المحامية والناشطة المدنية رهادة عبدوش

ورأت عبدوش أن «تفويض مجموعة، بناءً على شكاوى الناس أو حتّى شهود من الناس بأن هذا الشخص قد تسبب باعتقالات أو قتل أو إعدامات ميدانية، من شأنه أن يضعنا في الدائرة نفسها التي وُجد فيها نظام الأسد الذي كان يرتكب الإعدامات الميدانية بحق الناس ودون محاكمات». ورأت أن هذه الممارسات قد «تضفي» فيما بعد «شرعية على ما فعله النظام»، مشيرةً إلى احتمال أن تكون «بعض الشكاوى أو التهم منطلقة من ثارات شخصيّة، أو ربما شكوك غير مثبتة، وهذا يعني زيادة في أعداد المظلومين».

وطالبت عبدوش «السلطة الحاكمة حالياً بمنع الإعدامات الفردية وحتى الضرب والتنكيل، وتخصيص محكمة ميدانية ومحاكمات عادلة قد تصل للإعدام»، مؤكدة أن «العدالة الانتقالية تقوم على شقين: الاعتراف بالجرم، والتعويض وجبر الضرر». وتابعت أن «كل ما يجري خارج القانون هو جريمة، وقد تندرج ضمن جرائم الحرب، وهذا ليس من صالح السلطة الحاكمة اليوم التي نتمنى نجاحها، ونشدّ على يديها نحو دعم بلادنا، وإعطائها فرصة الحياة من جديد».

وقالت مصادر مقرَّبة من إدارة العمليات العسكرية في دمشق لـ«الشرق الأوسط» إن هناك ضغوطاً شعبية على الإدارة الجديدة للقصاص من مجرمي الحرب وتحقيق العدالة بأسرع وقت ممكن. وتابعت أن «آلاف العائلات مكلومة، ولا تطيق صبراً على ثأرها، وذلك بينما لا تزال الإدارة الجديدة منهمكة في فرض الأمن وسحب السلاح، وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة، وفرض القانون في بلد مدمَّر بشكل كامل. وكل ذلك يحتاج إلى وقت».

ولا تزال الفوضى الناجمة عن تعقُّد الوضع السوري السمة الأبرز للمشهد العام، رغم عدم تجاوزه الحد الأدنى من التوقعات قبل سقوط النظام، والتي كانت تشير إلى احتمال وقوع مجازر على نطاق واسع.

الناشطة المدنية سلمى صياد

وقالت الناشطة المدنية سلمى الصياد لـ«الشرق الأوسط»: «شاهدت اليوم ما جرى في دمر البلد، ولا أخفي أنني أتعاطف جداً مع النساء المكلومات على أولادهن، وفرحت لهن وهن يشهدن أخيراً تحقيق نوع من العدالة انتظرنها طويلاً». وأضافت مستدركة: «لكنني أخاف خوفاً شديداً من إجراءات انفعالية كهذه قد تظلم أشخاصاً أبرياء، وتشجع على الثأر الفردي». وأضافت: «إذا أردنا أن يكون لنا دولة مدنية في المستقبل فما نريده هو تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية في دولة مؤسسات تكون فيها الإدانة وتنفيذ الحكم بناءً على محاكمة عادلة وأدلة واضحة وأمام قاضٍ وبحسب القانون»، مشددة على ضرورة أن تكون هناك «مؤسسات حكومية تنفيذية وسلطة قضائية منفصلة عن بقية السلطات».

وتشن إدارة العمليات العسكرية في دمشق حملة أمنية واسعة لسحب السلاح وملاحقة متهمين بالارتباط بالنظام المخلوع وعناصر سابقين رافضين للتسوية، في ريف دمشق. وشملت الحملة مدناً وبلدات مثل مضايا، الزبداني، وضاحية قدسيا. واستفاق أهالي ضاحية قدسيا، يوم الجمعة، على أصوات إطلاق نار كثيف واشتباكات في المناطق التي يتركز فيها ضباط سابقون ومسلحون من فلول النظام السابق.

وتعهّد رئيس الاستخبارات العامة في الإدارة السورية الجديدة أنس خطّاب «إعادة هيكلة» المنظومة الأمنية في البلاد بعد حلّ كل فروعها، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية (سانا) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وفي سياق حالة الفوضى، تُوفيت 3 سيدات، وأصيب 5 أطفال، الجمعة، في حادثة تدافُع شهدها الجامع الأموي في مدينة دمشق القديمة، ضمن فعالية إقامة وليمة غداء قدمها شيف سوري مشهور في وسائل التواصل الاجتماعي. ونتيجة الازدحام الشديد وسوء التنظيم حصل تدافُع أدى إلى سقوط ضحايا.

ومنذ أسبوع، تشهد الأماكن العامة والشوارع ازدحاماً شديداً وسط فوضى مرورية عارمة، مع غياب فرق شرطة المرور، حيث يتولى عمليات تنظيم وتسهيل المرور متطوعون يفتقرون للخبرة.