سرقة الأملاك العامة للدولة تفاقم أزمات اللبنانيين

تشمل كابلات مؤسسة «كهرباء لبنان» ومحطات شركات المياه

TT

سرقة الأملاك العامة للدولة تفاقم أزمات اللبنانيين

لا تقتصر عمليات السرقة التي ارتفعت نسبتها بشكل كبير مقارنة بالأعوام الماضية في لبنان الذي يشهد أزمة مالية – اقتصادية غير مسبوقة، على السيارات والدراجات النارية وما يحمله المارة من محفظات لأموالهم وهواتف وحاجات شخصية أخرى، إنما تعدتها في الأشهر الماضية لتطال أملاكاً عامة ما يؤدي لتفاقم الأزمات التي يرزح تحتها اللبنانيون وبخاصة أزمة الكهرباء وتراجع خدمات الاتصالات والإنترنت وحتى المياه.
ورفع عماد كريدية، مدير عام هيئة «أوجيرو» التي تشكل اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات الصوت منبهاً من تفاقم عمليات سرقة معدات الاتصالات، شاكياً «غياب الأمن الاستباقي الذي يردع السارقين وعدم محاسبتهم من قبل القضاء». مضيفاً: «يُطلب منا، ومن موازنة أُفرغت على تأمين ما كان من واجب مؤسسات أخرى تأمينه لنا، أن نستبدل المسروقات دون اتخاذ أي إجراءات لحمايتها. مما يجعلنا مورداً لهؤلاء السارقين. لن نقبل بذلك. طفح الكيل».
ويوضح كريدية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن أبرز ما تتم سرقته من معدات تابعة لـ«أوجيرو»، كابلات وبطاريات ومولدات ما يؤثر على الخدمات التي تقدمها الهيئة نتيجة غياب الموازنات والأموال اللازمة لشراء قطع بديلة»، شارحاً أن «كل الموازنة تذهب بالوقت الراهن لشراء المازوت الذي ارتفع سعره بشكل غير مسبوق». ويشير كريدية إلى أنه نبه من تداعيات ما يحصل منذ أكثر من 6 أشهر من دون نتيجة، قائلاً: «وزير الداخلية يقول لنا أبلغوني بهكذا عمليات وأنا أتحرك، لكن كيف نقوم بذلك وكيف نعرف نحن بشكل استباقي ماذا سيُسرق وأين؟ كما أن شرطة البلدية في المناطق لا تتعاون كما الأهالي».
ونشطت في الأشهر الماضية عمليات سرقة الكابلات بشكل أساسي، ليس فقط التابعة لـ«أوجيرو» إنما أيضاً لمؤسسة كهرباء لبنان ما أدى لانقطاع الخدمة تماماً عن كثير من البلدات والقرى، علماً بأن الخدمة لا تتوفر أصلاً إلا لساعة أو ساعتين في اليوم. وطالت السرقات محطات المياه ما أدى لانقطاعها عن مئات المنازل واضطر أهلها لشراء الماء من الصهاريج الخاصة. وتكمن الإشكالية الأساسية بأن مؤسسات الدولة غير قادرة على استبدال القطع المسروقة نتيجة الأزمة المالية الكبيرة التي ترزح تحتها وغياب الاعتمادات، ما يؤدي لتوقف الخدمات أياماً وأسابيع.
وتلاحق القوى الأمنية باستمرار هؤلاء السارقين لكن ارتفاع أعدادهم وإقدامهم على عمليات السرقة في ساعات الليل المتأخرة مستفيدين من انقطاع التيار الكهربائي كما إطفاء أصحاب الموتورات مولداتهم، كل ذلك صعّب من مهمة قوى الأمن الداخلي التي كانت قد أعلنت منذ فترة عن توقيف العشرات لإقدامهم على عمليات سرقة أسلاك كهربائية عدة عن الشبكة العامة لمؤسسة كهرباء لبنان والشبكات الخاصة في مختلف المناطق اللبنانية، بغية استخراج النحاس منها وبيعه توخياً للربح المادي.
وتطال السرقات أيضاً المولدات الكهربائية، ومادتي المازوت والبنزين، كما تتكرر عمليات سرقة النفط من أنابيب النفط العراقية التي تعبر سهل عكار في شمال لبنان إلى مصفاة النفط في البداوي - طرابلس.
ويشير رئيس بلدية عاريا (جبل لبنان) بيار بجاني إلى تعرض البلدة أكثر من مرة لعملية سرقة كابلات سواء من المحطة التي تضخ المياه لبلدتي عاريا والكحالة، وهي كابلات ممتدة تحت الأرض، أو من محطة الكهرباء في البلدة الواقعة مباشرة قبالة مركز أمني، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى صعوبة إلقاء القبض على الفاعلين باعتبارهم يستفيدون من انقطاع الكهرباء عن كاميرات المراقبة خلال الليل. ويوضح بجاني أنه «لو يتم دعم البلديات لاستقدمنا مزيداً من الحرس البلدي، لكن الأعداد محدودة جداً وعدد كبير من الحرس متطوع». ويضيف: «ظواهر السرقة هذه التي تطال النحاس في الكابلات والحديد والخشب جديدة ولم نعهدها من قبل وهي نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يرزح تحتها البلد. حتى الساعة لم نسجل سرقة منازل ولكننا نتخوف في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه أن ننتقل إلى مراحل ومستويات جديدة من السرقة».
وتشير أرقام قوى الأمن الداخلي اللبناني إلى ارتفاع نسبة جرائم السرقة والنشل في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، 21 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، حيث بلغ عدد السرقات المسجلة للعام الحالي 1745 فيما بلغ الرقم 1439 في المرحلة نفسها من عام 2021.
أما أرقام الشركة «الدولية للمعلومات» فتشير إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، شهدت ارتفاعاً في جرائم سرقة السيارات بنسبة 26.2 في المائة وجرائم السرقة بنسبة 21.2 في المائة والقتل بنسبة 15 في المائة. وفي مقارنة مع الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 تصل نسبة الارتفاع إلى 306 في المائة.



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».