تبدلات كثيرة يشهدها الشهر الفضيل في لبنان، وتشمل تقاليد وعادات مختلفة، كانت منذ زمن قريب تشكل رموزاً له. وأبرز هذه التغييرات تمثلت بغياب الدعوات إلى موائد الإفطار المعروفة بـ«لمّة رمضان» في البيوت. هذه المناسبة كان ينتظرها الكبار كما الصغار كي يلتئم شمل العائلة، فينظم الأهل والأقارب جلسات بيتوتية حول المائدة، وتتبارى ربات المنازل خلالها على صنع أطباق من أصناف مختلفة. كما كان الضيف يحمل معه الحلوى والهدايا لأصحاب الدعوة مشاركة منه في المناسبة.
اليوم باتت مائدة الإفطار تقتصر على أفراد العائلة الواحدة، فلا جيران ولا أهل ولا أقارب يدعون إليها. وتقول سارة، وهي تعيش في منطقة فردان: «في الحقيقة بتّ لا أدعو أحداً إلى مائدة الإفطار، كي لا أفتح المجال لرد الدعوة، أو حمل هدية معي من باب الواجب واللياقة». وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بداية الشهر الفضيل حتى اليوم نجلس وحدنا إلى مائدة الإفطار، وأحيانا يصادف أن أكون وزوجي وحدنا في البيت، فنأكل ما تبقى من أطباق اليوم السابق. فالأيام تغيرت وإمكانياتنا المادية تدهورت، وما عدنا قادرين على تحضير عدة أطباق كما في الماضي القريب».
بعض اللبنانيين تحولوا إلى النظام الغذائي النباتي بعيداً عن اللحوم التي كانت تتصدر موائد الإفطار. فأسعار اللحوم على أنواعها ارتفعت بشكل كبير، وصارت تساوي نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان الذي لا يتجاوز 750 ألف ليرة، بينما آخرون تحولوا إلى مبتكري أطباق جديدة لا سيما من أنواع السلطات. استبدل مثلاً بطبق «الفتوش»، سلطة مصنوعة من باقة «روكا» وقطع «بندورة» بسبب ارتفاع أسعار الخضراوات بشكل ملحوظ. أما حبوب التمر ومشروب «الليموناضة» الممزوج بعصير البرتقال، فهي من رموز الشهر الكريم التي لا تزال حاضرة على مائدة الإفطار.
وتقول نهى: «أشعر أحياناً كأننا في كابوس حقيقي، بحيث لا أستطيع استيعاب ما نمر به. عندما نتذكر الأيام الخوالي في الشهر الفضيل أنا وشقيقتي، نشعر بالحزن وتنفر الدمعة من عيوننا بصورة تلقائية. لا أحب أن أمارس موهبة (النق) ونشكر رب العالمين على أننا ما زلنا نجتمع أنا وأفراد عائلتي المؤلفة من 4 أولاد وزوجي على طاولة واحدة، وجميعنا نتمتع بصحة جيدة. ولكن لا أبالغ إذا قلت إننا حتى رمضان السابق في بيروت، كنت وجيراني نحضّر لموائد الإفطار معاً، وندون أصناف مكونات الطعام، كي نشتريها سلفاً لإعداد الأطباق التقليدية كـ(المغربية) و(الملوخية) والأرز مع الدجاج، وغيرها من مشروبات وحلوى».
لمة رمضان تغيب عن البيوت
لكن ما تفتقده البيوت يزدهر في المقابل لدى الشركات والمؤسسات والجمعيات الخيرية. هذه الأخيرة تتمسك بإقامة دعوات الإفطار في المطاعم والمقاهي لزبائنها وموظفيها. يقول سامي، وهو أحد العاملين في مطعم «أم شريف» في بيروت: «الحجوزات كثيرة، وعلى الزبون أن يحجز قبل أسبوعين لإقامة حفل إفطار. وعادة ما تعود هذه الحفلات لرجال أعمال ومؤسسات، وكذلك لجمعيات لا تبغي الربح».
ويشير منير (صاحب أحد المطاعم في منطقة الروشة) إلى أنه وزملاءه يعولون على هذا الشهر كي يعوضوا خساراتهم التي يتكبدونها في الأيام العادية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: عدد كبير من زملائي أقفلوا محلاتهم لأن (العين بصيرة واليد قصيرة)، كما يقول المثل اللبناني الشعبي المعروف. فنسبة ارتياد المطاعم من قبل اللبناني تراجعت بشكل كبير منذ تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي. ولكن في هذا الشهر الكريم نلمس تطوراً ونمواً في الحركة، لا سيما وأن المطعم يقع أمام بحر الروشة. فبعض الشركات تقصدنا لإقامة موائد الإفطار؛ خصوصاً أننا اعتمدنا سعراً مقبولاً لا يتجاوز 15 دولاراً (ما يوازي 360 ألف ليرة) للشخص الواحد».
ولأن فصل الربيع بدأ في لبنان، وباتت الجلسات في الهواء الطلق متاحة للعائلات. فقد اختارت شريحة من اللبنانيين إقامة «لمّة رمضان» خارج بيوتها. وتعلق سناء: «هنا لا نحتاج إلى مد الموائد وأصناف الطعام. القصة تقتصر على سندويتشات نحملها معنا مع زجاجة مشروب «الجلاب» وبعض حبات التمر. فيكون موعد الإفطار مناسبة لأجلس أنا وزوجي مع أولادنا على شاطئ البحر. فهم يستمتعون في هذه النزهة التي نعتمدها مرتين في الأسبوع، وفي الوقت نفسه نكون قد وفرنا كلفة ارتيادنا مطعماً أو مد سفرة رمضانية خجولة في البيت».