تميّزت الساعة الأولى من حفل الأوسكار بحسن التنفيذ وإتقان إخراج الحفل، وبالتنويع المرح المتوقّع من الجميع. دخول وخروج الممثلين إلى ومن المنصّة لم يختلف كثيراً عن كل السنوات السابقة، لكنه كان منظّماً وسريعاً ولم ينس دقيقة صمت على ضحايا أوكرانيا.
لا زيلينسكي ظهر على الشاشة ليدعو لنصرة أوكرانيا ولا الممثل شون بن صَهَر أوسكاريه كما وعد (حتى الآن)، إذا لم يبث الأوسكار خطاباً متلفزاً للرئيس الأوكراني. رسالة الأوسكار تأييداً لأوكرانيا لم تكن مجرد الوقوف صمتاً، بل صاحبها خطاب موجه يبدأ بالتذكير بأنّ «الفيلم هو وسيلة مهمة لنا لكي نعبّر عن إنسانيّتنا في أزمنة الصراع». الممثلة ميلا كونيس لم تذكر أوكرانيا بالاسم على المسرح حين تحدّثت عن «الأحداث العالمية الأخيرة»، وكيف أن مساندة الأميركيين لأوكرانيا في محنتها هو واجب في مكانه.
أبطال فيلم «كودا» (إ.ب.أ)
بالنسبة لشون بن (الذي لم يكن من بين المرشّحين عن أي فيلم)، فإنّ الأوسكارين المقصودين في تهديده هما عن دورين قام بهما سابقاً. الأول سنة 2004 عن دوره في Mystic River والثاني سنة 2009 عن دوره في Milk.
عدا ذلك، كل شيء وعد بحفل مثير ومشوّق، خصوصاً مع ازدياد التكهّنات بأنّ قوّة الكلب ضعفت وقد لا يفوز بأوسكار أفضل فيلم.
من ثمّ وقعت المفاجأة في النصف الثاني من الحفل: مقدّم الحفل كريس روك ذكر الممثلة جاداً بينكيت سميث في سياق نكتة غير موفقة حول اضطرارها لحلق شعر رأسها قائلاً إنّه يتوقع أن يراها في الجزء الثاني من فيلم G.I. Jane. أثارت هذه الكلمات زوج الممثلة، ويل سميث، فنهض من مكانه وصعد المنصّة وصفع كريس على وجهه ثم عاد إلى مقعده. حال جلوسه صرخ سميث في الكوميدي المذهول «دع زوجتي من فمك الوسخ» (ليس تماماً «الوسخ» لكننا لسنا بوارد تكرار كلمات الشتائم المقذعة).
من هنا، بدا كما لو أنّ حفل الأوسكار انهار منتقلاً من تنظيم فعّال إلى تنفيذ واجم في مجمله. نعم استمر توزيع الجوائز واستمر صعود وهبوط الفائزين، بل استمر التصفيق، لكن اللحظة التي صفع بها ويل سميث وجه كريس روك بقيت في البال ونشرت جوّاً معادياً للاحتفال.
- بدأ واعداً ثم...
فاز ويل سميث، كما توقعنا، بأوسكار أفضل ممثل أول عن دوره في «الملك ريتشارد»، الذي يدور حول أب غيور على عائلته ويحرص على تهيئة ابنتيه لدخول مباريات التنس بعزيمة لا تقهر. في طيّات الفيلم هناك تجسيد لقوّة الإيمان والعزيمة في أنّ ما يصنع النجاح هو التضامن العائلي مهما تكن العقبات.
هذا الدور هو أفضل ما قدّمه سميث من أدوار في العديد من السنوات الماضية. وهو فعل إيمان من البداية، إذ اشترى الممثل حقوق القصّة الحقيقية واشترك في تمويل الفيلم. ومنذ بدء عروض الفيلم التجارية في التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والجميع يتحدّث عن أنّه جدير بالفوز هذا العام.
لكن مع تلك الصفعة بدا كما لو أنّ كل ذلك ليس مهمّاً. الميديا تحرّكت لتدين العنف الذي واجه به سميث نكتة، ربما كانت سمجة لكنّها لا تستحق فعلاً عنيفاً كهذا. كان يمكن لسميث انتظار دوره على المسرح ليردّ على الكوميدي روك ببضع كلمات تأنيب، لكن ربما لم يكن واثقاً من أنّه سيصعد المنصّة لتسلم الأوسكار فعلاً. حين فعل ذلك بكى. لم تكن دموع الفرح بل كانت - على الأرجح - دموع الشعور بالذنب. في كلمته، اعتذر سميث من الأوسكار ومن المرشّحين من زملائه، لكنّه آثر عدم الاعتذار من كريس روك وهذا كان تصعيداً آخر.
فرانسيس فورد كوبولا أثناء تكريمه بمناسبة مرور 50 سنة على تحفته «العرّاب» (رويترز)
لكن الصفعة هي التي ستبقى في البال وليس من فاز في هذا المجال أو ذاك. سيشعر بفداحتها الجميع بمن فيهم ويل سميث، الذي قد تمر سنوات قبل أن تتصالح هوليوود معه إذا لم يبادر بالاعتذار لزميله. الأيام القليلة المقبلة هي التي ستأتي بالأخبار: كريس روك رفض رفع دعوى لكنّه قد يغيّر رأيه، وسميث قد يعتذر له في خطاب مفتوح.
والحفل الذي كان قد بدأ واعداً، بدأ يهبط السلم حتى من قبل تلك الصفعة المدوّية. المشكلة الأولى هي أنّ معظم ما تفوّه به الصاعدون على المنصّة لتسليم الجوائز أو للاشتراك في «الشو» لم يكن ذا قيمة. ومعظم من صعد على المنصّة انضوى تحت ذلك التقليد شاكراً الأهل والعائلة وقبيلة الفيلم الذي فاز عنه، كما لو أنّ المناسبة فرصة لا يمكن تفويتها في خطبة منفصلة.
هذا يحدث في كل عام ويصيبنا بالإحباط في كل عام أيضاً. لكن ما أضاف إلى المشكلة المزيد حقيقة أنّ رغبة الأكاديمية في الالتزام بثلاث ساعات من العرض التلفزيوني، أصبح هاجساً مثيراً للشفقة بدوره. في سبيل ذلك، اقتطعت الأكاديمية ثماني جوائز كانت تمنحها كل سنة في الحفل. وقرّرت أن تعلن عنها في إعلان منفصل. لكنّ المشكلة بقيت بسبب السّرعة التي واكبت العروض، وفقرات الحفل، واقتطاع من تصوير الحاضرين.
وحين جاء دور تكريم فرانسيس فورد كوبولا، بمناسبة مرور 50 سنة على تحفته «العرّاب»، عرض الحفل ثلاثة مقاطع سريعة قُصد بها إحياء الذاكرة، لكنّها مرّت بلا كثير إثارة.
- كلب ضعيف
في مقال منفصل في هذه الصحيفة، ورد فيلم «كودا» كثاني أهم احتمال فوز في سباق الأوسكار هذا العام. هذا مباشرة بعد «قوّة الكلب». الذي حدث هو أنّ «كودا» (الذي يؤدي بعض أدواره الأولى ممثلون بكم) أزاح كل منافسيه فعلاً، بمن فيهم «قوّة الكلب»، وخرج فائزاً بأوسكار أفضل فيلم.
هذه صفعة أخرى، مسموح بها وشرعية، لفيلم ساد التوقّع خلال الأشهر الماضية بأنّه سيكون «الجوكر»، الذي سيفوز بمعظم الأوسكارات التي رُشِّح لها. في الواقع خسر «قوّة الكلب» معظم ما طمح إليه من أوسكارات. كان رُشّح لاثنتي عشرة جائزة، لكنّه خرج بأوسكار وحيد هو الذي نالته المخرجة جين كامبيون. ضمن أهم الجوائز التي رُشّح فيلمها لها ولم ينلها أوسكار أفضل فيلم (ذهبت لفيلم «كودا» كما ذكرنا)، وأوسكار أفضل ممثل (رُشح بيندكت كامبرباتش لها، لكنّها ذهبت لويل سميث)، وجائزة أفضل ممثلة مساندة (فازت بها أريانا دبوز عن «وست سايد ستوري» عوض كيرستين دانست).
حين وصل الأمر لجائزة أفضل ممثل مساند، خسر كل من جيسي بليمونز وكودي سميت - ماكفي الفرصة أمام تروي كوتسر عن «كودا».
خسر الفيلم كذلك في مجالات أفضل سيناريو مقتبس، وأفضل صوت، وأفضل توليف (مونتاج)، وأفضل تصوير، وذلك حسبما توقعنا هنا قبل أيام.
فوز كامبيون بجائزة أفضل إخراج هو ثالث فوز نسائي في هذا المضمار بعد فوز كاثرين بيغلو عن The Hurt Locker سنة 2009. وكلووي زاو عن Nomadland في العام الماضي. هذا الفوز يعوّض إلى حدٍ مقبول عدم فوز فيلمها، بينما فوز «كودا» بأوسكار أفضل فيلم يبدو خالياً من الدواعي كون الفيلم لم يكن في عداد الأفلام المرشّحة لأوسكار أفضل إخراج.
الفائز بأكبر عدد من الجوائز بالفعل كان Dune، حيث خرج بستًّ منها: أفضل تصوير، وأفضل توليف، وأفضل موسيقى خاصّة، وأفضل مؤثرات بصرية، وأفضل تصميم إنتاجي، وأفضل صوت.
الثاني في هذا التعداد هو «كودا». لجانب فوزه بأوسكار أفضل فيلم خرج بجائزة أفضل ممثل مساند لتروي كوتسور وأفضل سيناريو (كتبته مخرجة الفيلم سيان هيدر).
بعد ذلك نجد «عينا تامي فاي»، وقد منح بطلته جيسيكا ستين، جائزة أفضل ممثلة من ثمّ منح القائمين على الماكياج وتصميم الشعر جائزة ثانية.
وفاز بأوسكار واحد كلٌ من «الملك ريتشارد» و«قُد سيارتي» (جائزة أفضل فيلم أجنبي)، و«بلفاست» (أوسكار أفضل سيناريو أصلي)، و«لا وقت للموت» (أوسكار أفضل أغنية كتبت خصيصاً)، و«وست سايدر ستوري» (أوسكار أفضل ممثلة مساندة). هذا طبعاً لجانب الأوسكار الوحيد لفيلم «قوّة كلب».
ويل سميث نجم الحفل من حيث لم يرغب (أ.ب)
- توجه للأقليات
إذا ما عانى الحفل من تلك المشاكل الإدارية والفنية فإنّ ذلك لا يعني أنّ الحفل كان فاشلاً على صعيد آخر. فبينما سجّل فوز جين كامبيون، مما يمكن اعتباره تحية للمخرجات النسويات، كما تقدّم، أنجز فوز «كودا» بأوسكار أفضل فيلم سابقة أولى من حيث إنه أول أوسكار رئيسي يناله فيلم من إنتاج شركة من شركات البث المنزلي (آبل). علماً بأنّ الاعتبار ذاته كان سيتكرر لو أنّ «قوّة الكلب» هو الفيلم الفائز، كونه أيضاً من إنتاج شركة أخرى من شركات البث المنزلي» (نتفليكس).
وهناك جانب آخر لفوز «كودا» بثلاث جوائز، وهو أنّه أول فيلم يقودوه ممثلون بكم (باستثناء ممثل واحد). بذلك سجل أنّه أول فيلم يمنح معاقين هذا النجاح الفني. الفيلم ذاته ليس أكثر بكثير من متوسّط، لكنّه ملهم ومميّز بالنسبة لموضوعه، ولاختيار ممثلين بكم بالفعل، لأداء الأدوار المساندة.
والمُثلية كانت بدورها حاضرة عبر فوز جيسيكا ستين بأوسكار أفضل فيلم. ليس لأنّها لعبت الدور، ولكن لأنّ الفيلم (مقتبس عن شخصية حقيقية)، يتناول التعاطي والمصابين بالإيدز من المثليين. كذلك حضرت المثلية بفوز اللاتينية أريانا ديبوز بأوسكار أفضل ممثلة مساندة عن «وست سايد ستوري» لستيفن سبيلبرغ. فهي معروفة في توجهاتها الجنسية. لكنّ ما هو أهم، حقيقة أنّ الممثلة ريتا مورينو فازت بالجائزة نفسها عن «وست سايد ستوري» سنة 1961.
كذلك خُصّصت ثلاث مضيفات للحفل، رجينا هول، وواندا سايكس وإيمي شومر وقتهن للسخرية من قرار حاكم ولاية فلوريدا الذي يسعى لحجب تعليم الأولاد، مما يعتبر تهيئة للانفتاح على الجنس (الشاذ منه والمستقيم) في مثل هذه السن المبكرة.
مع كل هذا، لا يمكن إغفال التوجهات السياسية لجماعات المثليين والانحناء الكبير للتقاليد الفنية لإرضاء كل مذاهب المجتمع، ربما باستثناء المذاهب الحقيقية التي تحتاج إلى اهتمام فعلي.
في نهاية المطاف، فإنّ الساعات القليلة المقبلة ستكشف عن نسبة حضور الحفل على شاشة التلفزيون. هذه النسبة كانت بدأت في الهبوط داخل الولايات المتحدة منذ سنوات، وبلغت في العام الماضي أقل مستوى لها إذ جذبت 10 ملايين و400 ألف متفرج فقط. أي أقل من حفل سنة 2020 بنسبة 56 في المائة.