الحرب الأوكرانية: كيف تقوم روسيا بتجنيد المرتزقة؟

عناصر من مجموعة "فاغنر" يظهرون في شرق أوكرانيا عام 2014 (بي بي سي)
عناصر من مجموعة "فاغنر" يظهرون في شرق أوكرانيا عام 2014 (بي بي سي)
TT

الحرب الأوكرانية: كيف تقوم روسيا بتجنيد المرتزقة؟

عناصر من مجموعة "فاغنر" يظهرون في شرق أوكرانيا عام 2014 (بي بي سي)
عناصر من مجموعة "فاغنر" يظهرون في شرق أوكرانيا عام 2014 (بي بي سي)

تستخدم روسيا قنوات التواصل الاجتماعي ومجموعات الرسائل الخاصة لتجنيد لواء جديد من المرتزقة للقتال في أوكرانيا إلى جانب الجيش، حسبما علمت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
تحدثت «بي بي سي» إلى مرتزقة في الخدمة ومقاتل سابق له صلات وثيقة بإحدى منظمات المرتزقة الرائدة في روسيا، الذين شاركوا تفاصيل حملة التجنيد.
قبل أسابيع قليلة من بدء الحرب، قال المرتزقة إنه تم الاتصال بالعديد من قدامى المحاربين في منظمة «فاغنر» السرية على مجموعة «تلغرام» الخاصة. تمت دعوتهم إلى «نزهة في أوكرانيا»، مع الإشارة إلى تذوق «سالو»، وهو شحم خنزير يؤكل تقليديا في أوكرانيا.
تناشد الرسالة «أصحاب السجلات الجنائية والديون والممنوعين من مجموعات المرتزقة أو الذين ليس لديهم جواز سفر خارجي» للتقدم بطلب. وتضمنت الرسالة أيضاً أن «أولئك الذين ينتمون إلى المناطق التي تحتلها روسيا في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وشبه جزيرة القرم - مدعوون بحرارة».
تعد مجموعة «فاغنر» واحدة من أكثر المنظمات سرية في روسيا. رسمياً، هذا غير موجود - العمل كمرتزقة مخالف للقانون الروسي والدولي. لكن يعتقد أن ما يصل إلى 10 آلاف عميل قد أبرموا عقداً واحداً على الأقل مع «فاغنر» خلال السنوات السبع الماضية.

قال المرتزق الذي تحدث إلى «بي بي سي» إن مجندين جددا يتم وضعهم في وحدات تحت قيادة ضباط من وحدة المخابرات العسكرية الروسية التابعة لوزارة الدفاع.
وشدد على أن سياسة التوظيف قد تغيرت وفرضت قيود أقل. وقال «إنهم يجندون أي شخص وكل شخص»، وبدا غير راض عما وصفه باحتراف أقل للمقاتلين الجدد.
وقال إن الوحدات الجديدة التي يتم تجنيدها لم يعد يشار إليها باسم «فاغنر»، ولكن تم استخدام أسماء جديدة مثل «ذا هوكس».
ويبدو أن هذا جزء من الاتجاه الأخير للابتعاد عن سمعة مجموعة «فاغنر»، حيث إن «الاسم ملوث»، كما يقول كانديس روندو، أستاذ الدراسات الروسية والأوراسية وأوروبا الشرقية في جامعة ولاية أريزونا.
واجهت «فاغنر» اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في عملياتها في سوريا وليبيا.
وقالت مصادر المرتزقة إن المجندين يتدربون في قاعدة «فاغنر» في مولكينو بجنوب روسيا، بجوار قاعدة للجيش الروسي.
بالإضافة إلى مجموعات الرسائل الخاصة، كانت هناك أيضاً حملة عامة في روسيا لتجنيد المرتزقة.
على منصة التواصل الاجتماعي الروسية «في كي»، برزت صفحة تصف نفسها بأنها متخصصة في الأنشطة الأمنية، نشرت إعلاناً خلال الأسبوع الأول من الغزو يدعو «حراس الأمن» من دول الاتحاد السوفياتي السابق الأخرى إلى التقدم بطلب يرتبط بـ«الخارج القريب». وقال خبراء عسكريون إن هذه إشارة إلى أوكرانيا.
في السابق، كان السجل الجنائي يمنع البعض من الانضمام إلى المرتزقة. كما تم وضع قيود على أي شخص ولد خارج روسيا بسبب الشكوك حول الولاء.
ويقول جيسون بلازاكيس، باحث في مركز صوفان - مركز أبحاث أمني مقره الولايات المتحدة «هناك طلب كبير على المقاتلين، ولإحداث فرق على الأرض سيحتاجون إلى آلاف المرتزقة».

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس (الجمعة) إن 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط تطوعوا للقتال مع الجيش الروسي. أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامر بالسماح لمقاتلين من الشرق الأوسط بالمشاركة في الحرب.
أفادت التقارير أن ما يصل إلى 400 مقاتل من مجموعة «فاغنر» موجودون في أوكرانيا.

بوتين يوافق على زج «متطوعين» من الشرق الأوسط بحرب أوكرانيا

تم تحديد مجموعة «فاغنر» لأول مرة في عام 2014، عندما كانت تدعم الانفصاليين الموالين لروسيا في الصراع في شرق أوكرانيا.
أوضح مقاتل «فاغنر» الذي تحدث إلى «بي بي سي»، أنه في الأيام الأولى من غزو أوكرانيا، تم إرساله إلى خاركيف، ثاني أكبر مدينة في البلاد، حيث قال إن وحدته أكملت مهمة بنجاح دون الكشف عن ماهيتها.
وقال لـ«بي بي سي»: «لقد حصلنا بعد ذلك على 2100 دولار (1600 جنيه إسترليني) عن عمل لمدة شهر وعدنا إلى الوطن، إلى روسيا».
ويصف بلازاكيس استخدام المرتزقة بأنه «علامة على اليأس» للحفاظ على دعم الجمهور الروسي. أثار غزو بوتين لأوكرانيا عدة احتجاجات في روسيا، حيث تم القبض على الآلاف.
وتنفي موسكو على الدوام أي صلات لها بمجموعات المرتزقة.


مقالات ذات صلة

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

يوميات الشرق الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الأميركي أندرو سكوت الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تقرير برلماني بريطاني يحذّر من الأخطار على مستقبل الإعلام

تقرير برلماني بريطاني يحذّر من الأخطار على مستقبل الإعلام

انحسار الصحف المحلية والإقليمية يؤدي إلى «صحارٍ إخبارية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
إعلام تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً ...

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق لوسائل التواصل دور محوري في تشكيل تجارب الشباب (جمعية علم النفس الأميركية)

«لايك» التواصل الاجتماعي يؤثر في مزاج الشباب

كشفت دراسة أن الشباب أكثر حساسية تجاه ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الإعجابات (لايك)، مقارنةً بالبالغين... ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟