الذاكرة في صراعها مع يوميات النسيان

«أيام الألزهايمر الأخيرة» للكاتب الإسباني باربا في ترجمة عربية

الذاكرة في صراعها مع يوميات النسيان
TT

الذاكرة في صراعها مع يوميات النسيان

الذاكرة في صراعها مع يوميات النسيان

تبدو الذاكرة وكأنها بطل موازٍ في رواية الكاتب الإسباني أندريس باربا، «أيام الألزهايمر الأخيرة»، حيث تتأرجح ما بين الهشاشة والتحريض المؤرِق لأبطالها، مما يدفعهم لإعادة قراءة تاريخهم الشخصي والعائلي، بشكل أكثر تجريداً.
صدرت الرواية أخيراً عن «منشورات ذات السلاسل»، وترجمها للعربية الكاتب والمترجم المصري أحمد عبد اللطيف الذي كتب في تقديمه لها: «نحن أمام إنيس التي تودع الحياة بذاكرة خربة، هي المحور الذي تلتف حوله ثلاث حكايات: حكاية إنيس وزوجها بابلو، اللذين مرت بهما الحياة دون أن يفكرا إن كانت هذه هي الحياة التي اختاراها بمحض إرادتيهما، وحكاية الابن سانتياجو المنعزل، وأخيراً حكاية الابنة باربرا، الفتاة القبيحة والمضطهدة في البيت، وحياتها الزوجية التي تتقوض وتنهض من جديد».
من خلف ستار الذاكرة التي انسدلت تعيش «إنيس» الزوجة والأم المُسنة مراحلها المتأخرة من مرض الألزهايمر، فيما تجد الأسرة نفسها في مواجهة مع انسلاخ الأم اللاإرادي عن ذاتها، وتفتُت صورتها المتماسكة التي كانت عليها. وعلى مدار أربع سنوات (1999 - 2003)، هي السنوات الأخيرة لمرض «إنيس»، التي لا تصدر منها على مدار الرواية سوى كلمات زهيدة، في مقابل وتيرة التغيّرات الصادمة والسريعة التي تطرأ عليها.
عوالم مُفككة
يرصد السرد تلك المتغيّرات بعيون وألسنة عائلة إنيس، لا سيما زوجها «بابلو»، موظف السكة الحديد المتقاعد، الذي يبدو بعد مرض زوجته، أنه صار يعيش في عالم موازٍ وكأنه في «مونولوج» طويل وممتد متوحد مع صوته الداخلي، الذي صار بديلاً عن الحوار بينه وبين إنيس «الجديدة» بعد مرضها: «بدا لبابلو أن ثمة شيئاً قد تغيّر للأبد في إنيس، شيء لا يمكن استعادته».
تتداخل أصوات أفراد الأسرة الواحدة في تقاطعات السرد الروائي، ويتبادلون الظهور على مدار محنة الأم في أيامها الأخيرة، وخلال هذه الفترة، تتسرب ملامح تفكك أسري قديم فيما بينهم من ناحية، ومع ذواتهم من ناحية أخرى. ويبلغ هذا التداخل ذروته حين تتماوج أصواتهم، وتختلط ذكرياتهم القريبة والبعيدة حتى تكاد الفوارق بين الذكرى والواقع تتلاشى، ويكاد الحدث الجديد أن يكون امتداداً لحدث قديم، فيتداخل صوت الزوج «بابلو» مع أصوات الابنين «سانتياجو»، و«باربرا»، اللذين صارت لهما حياتهما المستقلة في نسيج سردي مُتصل وكأن مصائرهم وحيواتهم تبدو وكأنها تفريعات لحياة واحدة.
بيت عجوز
تبدأ الرواية، التي تقع في 319 صفحة، بيوميات النسيان التي جثمت على بيت «بابلو» و«إنيس»، حيث يبدو الألزهايمر شبحاً مُتحركاً يُدير أحداث البيت العجوز ويصنع داخله مفارقات تراجيدية، بداية من نسيان إنيس لمكان نظارتها، وحتى وضعها السكر بدلاً من الملح في الطعام، وصولاً لمستويات من الخوف من إيذاء الأم لنفسها بالخطأ.
تبدو التقارير الطبية عن مرض إنيس، التي كان أفراد العائلة يتشاركون متابعتها، مظهراً سطحياً لتكاتف الأسرة، فيما يختبئ وراء تلك المتابعات فتور خفي في تاريخ تلك العائلة، مصحوباً بأسئلة وإسقاطات تدور في فلك الذنب، والعدل، والألم، فالابنة باربرا، التي يكشف السرد مظاهر فشلها في حياتها الزوجية، تحمل بذور هذا الفشل منذ طفولتها، مما أصابها بنوع من التعب في التعامل مع الحياة العائلية: «كانت تعتقد أن الألم حين نشعر به فعلاً لا يمكن التحدث عنه، يُصيبنا بالخرس، وإن لم يُخرسنا يتحول إلى محاكاة ساخرة من ذاته، وحينها يكف عن كونه ألماً، يتلوث». تنفتح الرواية على الزمن، وتحديداً على نوستالجيا البيوت وطرقات المستشفيات، تتداخل سنوات الزواج الأربعين لبابلو وإنيس كأوراق اللعب، فتصير الطفولة والشيخوخة وجهين لعملة واحدة، فالزوج الذي صارت زوجته المُسنة تنام في صالة السينما، ما زال مُتشبثاً بطقس مشاهدة كارتون «توم آند جيري»، يتفاعل مع البيت كبنية من الذكريات، مُحاط دائماً بالصور الفوتوغرافية للأبناء والأحفاد، حيث بات الغياب يتنامى أكثر من الحضور.
يتبادل «الألزهايمر» والشيخوخة معاً في الرواية طرح سؤال الألم، وتصدعاته الحرجة، فهناك الألم العقلي الذي يبحث عن مهرب آمن دائماً، في وقت يتسم الألم الجسدي «بالثبات، والسكون، لا يتوقف، لا يتضاءل»، والألم الفسيولوجي «ذلك الألم الأصم اليومي»، الذي لا يعرف الهدنة.
تحوّلات لا مرئية
رغم أن الرواية تدور في إطار عائلي، فإن المؤلف لم يعتمد تسلسلاً نمطياً في الكشف عن خبايا العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، فيما قام بتفكيك الرابطة الأسرية إلى مشاهد بصرية، ومفارقات درامية، وانطباعات صموتة مُختبئة دون قدرة على التعبير عنها.
ويقوم أندريس باربا ببناء مقاربات بين التحولات اللامرئية لعوالم أبطاله الداخلية، وبين تحولاتهم الشكلية المرئية، فالمرض الذهني ومن قبله الشيخوخة قادا إنيس الجميلة لوضعها الحالي، شاردة كطفلة كسولة.
وترمز لهذا التناقض بين ماضيها البهي وما صارت عليه صورتها الفوتوغرافية المُكبرة التي تنتصف صالة البيت، وهي شابة في العشرين بشعر أسود مسترسل.
أما الابن الوسيم «سانتياجو»، فتؤرقه برودته غير المفهومة تجاه النساء، وكأنه يريد الاحتفاظ بنفسه بعيداً عن العالم «لأنه لا يستطيع أن يشرح ذلك حتى لنفسه». إنه الطفل المُنعزل الذي كان يشعر بانحياز لا نهائي تجاه الأم «إنيس»، وفتور متراكم تجاه الأب «بابلو»، الذي استقر في ذاكرته، في زيه الكاكي ومظهره العمالي وهو يبيع التذاكر في محطة القطار.
وفي المقابل ظلت الابنة باربرا، رغم أنها صارت زوجة وأم لطفلين، أسيرة نعت أمها الدائم لها بالفتاة «القبيحة»: «كلمات أمي التي لم أفهمها حينها وفهمتها الآن».
ومع تدهور حالة الأم تتحول «الأيام الأخيرة للألزهايمر» لخيوط من الأسئلة العالقة لدى الأسرة، تتجاور وتتقطع كعاطفة مبتورة وهشة، لتصبح الذكريات في مواجهة عدمية مع النسيان، حيث الماضي صار شبحاً هو الآخر، مُخلفاً للأبناء أواصر وصوراً ذاتية كظلال من صورة الأم نفسها «توجد إنيس حين يبذل الآخرون جهداً للبحث عن كينونتهم.
والآن من سيسعى للتشبه بها وقد هجرت إنيس ذاتها وكينونتها؟».



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!