لمن يقرأ الشعراء قصائدهم؟

مرحلة من مراحل الثقافة العربية لا تكترث للأدب ولا للشعر تحديداً

محمد الفيتوري
محمد الفيتوري
TT

لمن يقرأ الشعراء قصائدهم؟

محمد الفيتوري
محمد الفيتوري

كلنا يسمع سرديات الأدباء والشعراء وكيف كانوا يقرأون قصائدهم في أماكن عامة يحضرها المئات، بل الآلاف من المعجبين، أو الجمهور المتذوق للشعر، ويُروى أن أحد الشعراء العراقيين وهو محمد صالح بحر العلوم كانت الناس تحجز مقاعدها في القاعة التي يقرأ فيها شعراً قبل موعد الجلسة بساعات، وكان الجمهور يتتبع حركة الشعراء ومواعيد أمسياتهم ليرتّبوا جدولهم في الحضور في ذلك اليوم، وقد أدركت بعضاً من تلك الظاهرة أواسط التسعينات، حيث يُقام مهرجان المربد، وكنت شاباً صغيراً أحضر دون أن أُدعى، وكان المئات حاضرين ممن ليس لهم غاية سوى سماع الشعر والاستمتاع به، جمهور لا ينتمي إلى أي اتحاد أو رابطة أو وزارة، إنما جمهور من الطبقة الوسطى يتذوق الشعر ويتفاعل معه، وهذا الجمهور هو نفسه الذي يقرأ الصحف والمجلات، وهو نفسه الذي يستوقفك في مكان ما ليناقشك حول بيت قلته في قصيدة ما قبل سنوات، أو رأي طرحته في حوار لك في مجلة ما، قبل مدة من الزمن، هذا الجمهور الذي يحضر الأمسية الشعرية في شتى الظروف والأحوال، بل وصل الحال أن يمتلئ ملعب من الملاعب في إحدى أمسيات محمود درويش في عمَّان، فضلاً عن الفعاليات التي تنتمي إلى حقل الجامعة وحضور الطلاب فيها بكثافة عالية، أما الآن فالموضوع اختلف تماماً؛ ذلك أن الحضور هم أنفسهم الشعراء، فمنذ أكثر من عشرة أعوام ومن خلال تجربتي الخاصة، وهي تجربة أبناء جيلي في العراق وبقية الدول العربية، حيث اشتركنا بعشرات الأماسي والمهرجانات الشعرية في معظم العواصم العربية وفي بغداد والبصرة، والبعض منها تكررت أكثر من مرة، كان المشترك الوحيد بين تلك المهرجانات هو الجمهور، حيث يتكرر الجمهور نفسه في كل أُمسية وفي كل مهرجان، لا يندهش ولا يتأثر، حتى تحول الجمهور روبوتاً يحضر بشكل روتيني لهذا المكان سداً لفراغ ما، أو تلبية لحاجة قد لا تكون شعرية، إنما اجتماعية في المقام الأول، كلقاء الأصدقاء والأحبة، والأمر الآخر أن هذا الجمهور الذي نبحث عنه قد اختفى، حيث لم يعد لدينا جمهور شعري يسأل ويتابع ويحضر الندوات والأماسي والمهرجانات، إنما الجمهور في المهرجانات الشعرية في الأغلب هم أنفسهم الشعراء، يسمعون لبعضهم، ويتندرون على بعضهم، ويشتمون بعضهم ويصفقون لبعضهم، وهذا الأمر لا يرتبط بالعراق ولا بدولة دون أخرى مع بعض الفروقات والتمايزات، حيث وجدت معظم الجمهور الشعري في عواصم عربية متعددة هو نفسه الجمهور المتواجد في الفندق وهو نفسه الضيوف المدعوون إلا ما ندر.

نزار قباني

إن هذه الظاهرة، ظاهرة اختفاء الجمهور الشعري واستبداله بالشعراء أنفسهم، هي محل تساؤل، وهو أمر يكشف عن مرحلة من مراحل الثقافة العربية التي لا تكترث للأدب ولا للشعر على وجه التحديد، إنما سحبت أقدامها طرق أخرى غير الشعر، فهل للسوشال ميديا سبب في هذه الظاهرة؟ حيث انشغل الفرد منا بعالم الموبايل ووصل التوحد أقصاه في هذه الظاهرة؟ ربما...

أم أن ظاهرة الشعراء الكبار اختفت من المشهد؟ فلم يعودوا موجودين بيننا، فلا الجواهري ولا عبد الرزاق ولا البياتي ولا نزار ولا درويش ولا سميح ولا الفيتوري ولا مظفر ولا ولا، أولئك الشعراء الذين كان كل واحد منهم يشكل ظاهرة وحالة شعرية وحده، أولئك الشعراء الذين تغري أسماؤهم الناس ليملأوا أي قاعة مهما كبر حجمها، أم أن شعراء الحداثة أسهموا ببناء ذلك الجدار الكبير بين الشعر وبين الجمهور، حيث وصلوا مراحل من التجريب والانغلاق حد التعمية في الكثير من الحالات وبدأوا يصرحون أن الشاعر كلما كثر جمهوره انخفضت شاعريته، وهذا ما صرح به أدونيس في مرات عدّة، فهل هذا التصريح هو لدرء التهمة عن ضياع الجمهور الشعري وتشتته؟ أم هو إيمان مطلق بالفكرة التي تقول لا أهمية للجمهور؟ وإن كان الجمهور غير مهم لشعراء الحداثة، فعلام يصر رموزه أن يقرأوا في المهرجانات الشعرية والأماسي؟ ويمسرحون نصوصهم على المسرح حد الذوبان؟

محمد مهدي الجواهري

أم أن الجمهور تحولت طريقته في التلقي، فبدلاً من الحضور في القاعة وسماع الشاعر واللقاء به دماً ولحماً، سيذهب المتلقي إلى جهازه النقال ويتابع الأمسية على البث المباشر، ولا فرق ممداً في بيته أو في السيارة أو المقهى، وتحول التصفيق «لايك»، والهياج الذي يمارسه الجمهور تعليقاً، والإعجاب الشديد مشاركة المنشور، أم أن الشعر وتلقيه ارتبطا بمرحلة من مراحل صعود الآيدولوجيات في العالم العربي، فجميع الأسماء الشعرية التي ذكرتها أعلاه والتي لكل واحد منهم جمهور عريض، فإن كل شاعر من هؤلاء الشعراء يسحب جمهوره المؤدلج إلى حد ما إلى مساحته التي يدور في فلكها، حيث نجد جمهوراً يسارياً، وآخر قومياً، وآخر مناهضاً للاحتلال، وآخر لشتم الحكومات، وأظن بزوال شمس الآيدولوجيات الساخنة واستبدالها بالعالم الليبرالي واختفاء الجيل المؤسس وما بعده، فإن فكرة الشاعر المؤدلج الآن لن تنفع كثيراً ولن يكون لها جمهور كما كانت في الستينات والسبعينات، والآن لو رجع الجواهري بنفسه وشتم الحكومات فهل سيجد جمهوره الذي كان يلقي عليه في الحيدرخانة لينطلق به في مظاهرة في ساحة الميدان؟

محمود درويش

إن هذه الظاهرة تستدعي منا أن نقف لمراجعتها، لماذا اختفى جمهور الشعر؟ وإن وُجد فهو نفسه منذ عشرة أعوام أو أكثر، لا يقلون ولا يكثرون.

وما دعاني لرصد هذه الظاهرة تطوافي في مدن عربية عدّة شاركتُ في مهرجاناتها وأماسيها الشعرية، لم أجد تغييراً واضحاً في وجوه الجمهور الذي رأيتهم قبل عشرة أعوام، فهم نفسهم ثابتون ومقيمون ما أقام عسيب،

وما دعاني أيضاً إلى مناقشة هذا الموضوع، مجموعة صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد المهرجانات الشعرية قبل أيام، والتي كُتب عليها «مهرجان عالمي للشعر» في إحدى دول المغرب العربي، حيث تتبعت الصور التي التقطها الشعراء، ومن ثم صورة القاعة التي يقرأون فيها الشعر، فإذا هم انفسهم الجمهور، وهم لا يتجاوزون العشرين شاعراً، ومعظمهم أسماء معروفة وكبيرة، ولكن القاعة خالية إلا من الضيوف فقط، وهذا ما حدث معي أيضاً ففي إحدى الأمسيات كنت أنا وصديق لي شاعر سعودي مدعوَين لأمسية شعرية في إحدى الدول العربية، وقد نشرنا إعلاناً عن مكان وموعد الأمسية، وحين حضرنا لم نجد إلا سبعة أشخاص في القاعة، بحيث تذكرنا لحظتها مجلس العزاء الذي أقامه الفنان حسن حسني في الفيلم الشهير (كركر) بطولة محمد سعد (اللمبي) وحسن حسني، وهذا الموقف أعادني لعام 1997، حيث كنت رئيساً لرابطة الرصافة للشعراء الشباب، وقد أقمنا مهرجاناً شعرياً للشباب، حضر الشعراء وغاب الجمهور تماماً، ما الذي نصنع؟ جاءتني فكرة ساحرة، فقد ذهبت مباشرة إلى إعدادية للبنات قريبة من مقر الرابطة، ودخلت على المديرة وقلت لها بضرورة حضور شعبتين من الطالبات لهذا المهرجان، لم تمانع تلك السيدة ووجهت الشعبتين من ثمانين طالبة مع أستاذتين ترافقان الطالبات، وبالفعل، بعد دقائق توجهنا إلى القاعة وقطعنا الطريق، حيث نقود الطالبات حتى وصلنا القاعة، فامتلأت القاعة وغصت بالحضور، ونفش الشعراء ريشاتهم، لأنهم لم يروا جمهوراً أجمل من هذا الجمهور، فما إن تحرك يدك حتى تسمع التصفيقات الحارة بعد لحظة. ولو تركنا الجمهور الذي يحضر بدمه ولحمه إلى القاعة وانتقلنا إلى الجمهور الآخر، الجمهور غير الشفاهي القارئ، فهل سنجد جمهوراً قارئاً يبحث عن الشعراء ودواوينهم الجديدة ويتتبع تحولاتهم، طبعاً لن نعدم مثل هذه الظاهرة بالتأكيد، ولكن لن تكون ظاهرة واسعة ومؤثرة، بدليل سوق الكتاب الشعري ومنسوب انخفاض مشترياتها، وهروب معظم دور النشر من طباعة الدواوين الشعرية، وحتى وإن طبعت فإن سوقها لن تكون مزدهرة مقارنة بسوق الكتاب الديني أو الفكري أو حتى الرواية.فأين ذهبتم يا أبناء اللغة العربية؟ تلك الأمة الشاعرة التي يجري الشعر بدمهم ويتنفسونه مع كل شهقة، هل تركتم الشعراء يصيحون وحدهم في هذا العالم الموحش؟ والذين منذ اكثر من ألف وستمائة عام كان يصيح ملكهم الضليل:

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل

ليدرأ الوحشة عنه

فعلام تركتم الشعراء وحدهم كالأطفال

يلعبون باللغة دون أن يسمعهم أحد، ويبكون وحدهم بصمت، حتى جرحتهم العزلة وأصيبوا بالتوحد.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.