موجة استقطاب حوثية جديدة للمهمشين مقابل حصص غذائية

TT

موجة استقطاب حوثية جديدة للمهمشين مقابل حصص غذائية

كشفت مصادر مطلعة في العاصمة اليمنية صنعاء عن بدء موجة استقطاب جديدة للمهمشين اليمنيين من ذوي البشرة السوداء إلى جبهات القتال ضمن حملة تحشيد واسعة أطلقتها قيادات بارزة في الجماعة قبل أيام وتشمل كافة المستويات الرسمية والشعبية والنخبوية بعموم المناطق تحت سيطرتهم.
وذكرت المصادر في سياق حديثها مع «الشرق الأوسط»، أن الجماعة وعبر بوابة المساعدات الإنسانية الأممية المقدمة كمعونات لليمنيين، لجأت قبل أيام إلى استهداف تلك الفئة من ذوي الأصول الأفريقية في صنعاء والذين تطلق عليهم مسمى «أحفاد بلال»، من خلال عقد عدة لقاءات مع ممثلين وممثلات عنهم تحت مزاعم السعي إلى «تحسين أوضاعهم».
وأوضحت المصادر أن الميليشيات لا تزال منذ سنوات تستخدم ذلك المصطلح العنصري كوسيلة وأداة لاستهداف ما تبقى من أبناء تلك الفئة في صنعاء وبقية المدن بغية تحشيدهم إلى الجبهات ليسقطوا تباعا بين قتيل وجريح.
وبحسب ما ذكرته المصادر، عقد القيادي الحوثي إبراهيم الحملي المعين أمينا عاما للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية (كيان حوثي لنهب المساعدات الدولية) اجتماعين منفصلين يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بحضور الموالي للجماعة رئيس ما يسمى منظمة «أحفاد بلال» غالب فتيني وممثلين وممثلات آخرين عن تلك الشريحة تحت لافتة تحسين أوضاعهم من خلال البرامج والمشاريع الحوثية.
في غضون ذلك سخر عدد من المشاركين في الاجتماعات من دعوات الميليشيات المفاجئة لهم في هذا الظرف وربطوا بينها وبين حملات الاستنفار القصوى للتحشيد التي أطلقتها الميليشيات حاليا لتعزيز جبهاتها.
ووفق هذه المصادر فإن قادة الميليشيات ركزوا خلال الاجتماعات مع ممثلي هذه الفئة التي تعد الأشد ضعفا، شددوا على أهمية التحشيد العاجل إلى أكثر من تركيزهم على تطلعات ومشاكل وهموم ومعاناة المهمشين التي زادت حدتها سوءا عقب الانقلاب والحرب التي أشعلتها الميليشيات.
وأبدى بعض الحضور الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، استغرابهم الشديد من حضور بعض الفتيات المهمشات كممثلات عن نساء تلك الفئة في أحد الاجتماعات الحوثية الأخيرة. وتوقعوا وجود توجه جديد لاستقطاب مجندات من شريحة المهمشين إما للزج بهن في جبهات القتال أو لإيكال مهام التجسس والإشراف على تنفيذ عمليات التعبئة والتحشيد في أوساط الأمهات والنساء بمخيمات المهمشين.
وأكدوا أن الميليشيات سبق لها أن أقامت في صنعاء على مدى الأشهر القليلة الماضية عدة دورات تدريبية لفتيات مهمشات ظاهرها تحقيق الذات لهن وباطنها الاستقطاب والتجنيد بصفوف الجماعة.
ويرى مراقبون محليون بأن لجوء الجماعة حاليا للتحشيد إلى جبهاتها عبر عقد الاجتماعات ومقايضة بعض الفئات المجتمعية الضعيفة بالمساعدات الإغاثية يعد استكمالا لحملات استهداف سابقة طالت آلاف المهمشين بينهم أطفال ممن زج بهم للقتال.
وكانت الجماعة كثفت في السابق من حملاتها الاستهدافية لتحشيد صغار سن من فئة المهمشين إلى جبهات القتال في صنعاء ومدن أخرى، وكان آخر ذلك ما كشفته مصادر يمنية مطلعة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن إرسال الميليشيات خلال أسبوع نحو 480 شخصاً من المهمشين من ثلاث محافظات إلى القتال بجبهات مأرب وتعز بالتزامن مع تنفيذ حملات استقطاب وتجنيد واسعة بأوساط المنتمين إلى هذه الفئة.
وأوضحت المصادر في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن من بين المجندين الذين أرسلتهم الجماعة إلى الجبهات 200 مجند تم استقطابهم من قبل مشرفين وقادة حوثيين جلهم من صغار السن من مناطق وأحياء متفرقة في العاصمة المحتلة صنعاء.
وتأتي عمليات الاستقطاب الحالية عبر ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في أوساط المهمشين السود بالتزامن مع إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه مجبر على اقتطاع حصص المساعدات الغذائية عن ملايين اليمنيين من أجل إطعام المعرضين لخطر الانزلاق إلى ظروف شبيهة بالمجاعة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.