هل يؤدي «الانقسام السياسي» لعودة «داعش» إلى ليبيا؟

وسط ازدياد المطالب بتوحيد مؤسسات الدولة لمواجهته

من عمليات «الجيش الوطني» ضد «داعش» في جنوب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي بالجيش)
من عمليات «الجيش الوطني» ضد «داعش» في جنوب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي بالجيش)
TT

هل يؤدي «الانقسام السياسي» لعودة «داعش» إلى ليبيا؟

من عمليات «الجيش الوطني» ضد «داعش» في جنوب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي بالجيش)
من عمليات «الجيش الوطني» ضد «داعش» في جنوب ليبيا (إدارة التوجيه المعنوي بالجيش)

تباينت ردود أفعال الأطراف السياسية الليبية، بخصوص تحذير المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، حول تداعيات الصراع السياسي في البلاد، وما قد ينجم عنه من انتعاش لتنظيم «داعش» بمناطق الجنوب.
فبينما تضامن البعض مع مخاوف ويليامز، وطالبوا بإنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد مؤسسات الدولة، لمواجهة خطر انتشار «داعش»، رأى طرف آخر أنها تحاول توظيف التنظيم «كفزاعة»، في وقت ركز فيه فريق ثالث على طبيعية وجود هذا التنظيم في ليبيا، ومدى قدراته.
بدايةً، يرى مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ«الجيش الوطني»، اللواء خالد المحجوب، أن «(داعش) بات منحصراً في منطقة الجنوب، وأن قدراته وتأثيره هناك بات محدوداً بفعل الضربات المتلاحقة التي وجَّهها الجيش لأوكاره طيلة الفترة الماضية».
وقال المحجوب لـ«الشرق الأوسط»، إنه رغم الدعم الذي تلقاه التنظيم خلال الفترة الماضية، وساعده في السيطرة على بعض البوابات الأمنية وترهيب المواطنين؛ «فإن ذلك لم يمنع قوات الجيش من ملاحقة فلوله، وشل قدرته على الحركة داخل المدن أولاً، ثم تضييق الخناق عليه إلى أقصى حد بالصحراء»؛ مبرزاً أن التنظيم استفاد من اتساع الصحراء، ووعورة ببعض المناطق الجبلية، وقلة السكان هناك، مما سهل له التنسيق مع عصابات تهريب البشر والسلاح والوقود، والجريمة المنظمة بتلك المنطقة؛ غير أن ذلك لم يمنع من محاصرته. وأشاد في هذا السياق بتعاون أهالي الجنوب مع الجيش، مما سهل له القضاء على مراكز الدعم والتنظيم الاستراتيجي لـ«داعش».
في السياق ذاته، رأى عضو مجلس النواب الليبي، محمد عامر العباني، أن انقسام البلاد «قد يؤدي لتوسع نشاط التنظيم الإرهابي»، وذلك رغم إقراره بمحدودية عناصره بالأراضي الليبية.
وقال العباني لـ«الشرق الأوسط»، إن «وجود سلطتين متصارعتين على الحكم يعني أن كل واحدة منهما سوف تركز بالمقام الأول على إزاحة منافستها، وتثبيت وضعها، بدل التركيز على محاربة العدو المتمثل في الإرهاب»، متابعاً بأن «هذه معادلة واضحة. فكلما قلت جهود مكافحة الإرهاب زادت العمليات».
بالمقابل، رفض عضو مجلس النواب، علي الصول، محاولة الربط بين وجود «داعش» بالجنوب أو بعض مناطق الغرب الليبي، مع تواصل العمل لمحاربته والقضاء عليه، وبين المتغيرات التي يتوجب على مجلسه القيام بها.
ورفض الصول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الربط بين وجود «داعش» في ليبيا وبين تغيير حكومة «الوحدة الوطنية»، وقال موضحاً إن الحكومة التي سيصوت البرلمان على اختيار رئيسها، والتي سيطلق عليها «حكومة الاستقرار»، «ستتمتع بدعم كافة المناطق الليبية، وبهذا ستساهم في التقارب الليبي- الليبي، وتحقيق المصالحة الوطنية، وإعداد أرضية مناسبة لإجراء الانتخابات والقبول بنتائجها».
ورأى أن هناك تقارباً بين أغلب المرشحين لشغل منصب رئاسة الحكومة، وبين القيادات السياسية والعسكرية في شرق ليبيا، مما قد يمهد لتوحيد المؤسسة الأمنية، وبالتالي محاربة الإرهاب.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الليبي، محمد العمامي، أن ويليامز «قامت بتوظيف حادث القطرون (كفزاعة) لتخويف الجميع، ولدعم مسعاها للإبقاء على حكومة الدبيبة، عبر الدعوة إلى ضرورة التركيز على إجراء الانتخابات أولاً».
وقال العمامي لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يتم التلويح بورقة (داعش)، والتضخيم من خطره، رغم أن الجميع يراقب جهود (الجيش الوطني) في القضاء على ما تبقى من خلايا محدودة لهذا التنظيم بالجنوب»؛ مشيراً إلى أن الجيش يدرك جيداً ضرورة تأمين مواقع سيطرته هناك، وأيضاً مواقعه بشرق ووسط البلاد؛ حيث حقول النفط. ورأى أن بعض الدول التي لم يُسَمِّها: «ترغب في الإبقاء على الدبيبة، وعدم استبدال شخصية به، تكون قادرة على معالجة التحديات الأمنية، وأبرزها الميليشيات وانتشار السلاح وضبطه، ومكافحة الإرهاب».
أما الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، منير أديب، فيرى أن خطر التنظيم لم يتضاءل في أي مكان بالعالم، ومنه ليبيا: «وهو ما تؤكده العمليات التي شنها (داعش) في الأسابيع القليلة الماضية في أكثر من دولة»؛ مشيراً إلى أن مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، لن يؤدي إلى تغيير أو بطء في حركة الخلايا التابعة له كما يتوقع البعض، كونها تعمل بشكل غير مركزي.
ولم يستبعد أديب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون ليبيا هي الدولة التي اختارها التنظيم لنقل مركز سلطته لها بعد انهياره في العراق وسوريا، موضحاً: «حالة الهشاشة الأمنية على الحدود في ظل ما تواجهه بعض دول الجوار الليبي من اضطرابات، تجعل من الجنوب تحديداً بيئة خصبة للتنظيم، فضلاً عن قربها من الخزان البشري الموجود في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى عدم توحد الجهود لمحاربته، بسبب انقسام المؤسسة العسكرية».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.