أسباب جينية للموت المفاجئ للأطفال

علاجها يساعد على تلافي حدوثه

أسباب جينية للموت المفاجئ للأطفال
TT

أسباب جينية للموت المفاجئ للأطفال

أسباب جينية للموت المفاجئ للأطفال

حملت أحدث دراسة تناولت الموت المفاجئ للأطفال آمالاً كبيرة في إنقاذ العديد منهم حول العالم، حيث وجد العلماء صلة بين هذه الظاهرة الغريبة وجينات معينة.
ويمكن مستقبلاً من خلال تقنيات الهندسة الوراثية والعلاج الجيني تعديل هذه الجينات والحفاظ على أرواح هؤلاء الأطفال.
الموت المفاجئ
من المعروف أن هناك بضع مئات من الأطفال يتوفون من دون تفسير طبى، وبشكل غير متوقع، في كل عام، بشكل أصبح يمثل ظاهرة، مما أدى إلى حسبان هذه الطريقة من الموت متلازمة بحد ذاتها أطلق عليها اسم «متلازمة الموت المفاجئ للأطفال (sudden infant death syndrome)» أو اختصاراً «SIDS». ورغم الأبحاث المستمرة؛ فإنه لم يتم تحديد سبب معين يؤدي لحدوث ذلك وبالتالي يمكن تفاديه.
الدراسة التي نشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)» أشارت إلى وجود تغيرات جينية ربما تكون مسؤولة بشكل مباشر عن الحالة. وأكد العلماء أن فهم الآلية التي يحدث من خلالها التغيير هو بداية الطريق للوقاية من المتلازمة التي سببت قلق الآباء منذ التسعينات؛ خصوصاً مع عدم وجود معلومات كافية.
ويمكن تقسيم «الموت المفاجئ» إلى مرحلتين؛ الأولى خاصة بالرضع وحتى عمر عام (SIDS)، والثانية توصيف يطلَق على أي طفل من عمر سنة وحتى 18 عاماً يتوفى بشكل مفاجئ وغير مبرر حتى بعد إجراء تشريح للجثة (sudden unexplained death in childhood) أو اختصاراً «SUDC».
وفي المرحلة الأولى كانت نسبة أكبر من الرضع تتوفى أثناء النوم، وأرجع العلماء سبب ذلك إلى احتمالية تعرضهم للاختناق في حالة النوم على البطن، ومع التزام معظم الأمهات بالحرص على وضع الطفل على ظهره أثناء النوم، تناقصت الحالات بشكل واضح.
وأوضح الباحثون أن عدد وفيات الرضع نحو 1400 كل عام في الولايات المتحدة. وأما حوادث الموت أثناء الطفولة بشكل عام فتصل إلى 400 حالة فقط، وهي نسبة تقترب من الربع.
وربما يكون سبب ذلك كمية الأبحاث والدراسات التي تستهدف وفيات مرحلة الطفولة، بينما لا تحظى وفيات السنة الأولى من عمر الطفل بالنسبة نفسها، وهو مما دفع بعالمة من الفريق البحثي في نيويورك بالولايات المتحدة سبق لها فقدان طفلها بشكل مفاجئ، نحو تشجيع بقية الأسر على الانخراط في هذه الدراسة؛ بحيث يمكن دراسة عينات جينية من الأطفال الذين توفوا للتوصل إلى الأسباب وذلك بداية من عام 2014؛ خصوصاً أن هناك رابطاً كبيراً بين الوفيات ما قبل عام، وبعد ذلك.
رصد الجينات
قام الباحثون بتحليل عينات دم وأنسجة من 124 من الأطفال المتوفين، وآبائهم، ومعظمهم توفوا في المرحلة العمرية من 1 وحتى 4 سنوات، وركزوا بشكل خاص على 137 جيناً مرتبطاً إما بالوفاة المفاجئة، وإما بموت القلب المفاجئ أو الصرع.
وبالنسبة للصرع؛ فإن واحداً من كل ألف طفل مصاب بالصرع، يحدث له موت مفاجئ وغير معروف حسب «مؤسسة الصرع».
ورغم عدم وجود تفسير واضح لذلك واختلاف الحالات باختلاف الفروق الفردية؛ فإن العلماء يرون أن حدة التشنجات يمكن أن تؤدي إلى زيادة ضربات القلب أو إلى فشل في التنفس لعدم تمكن المصاب من القيام بالشهيق.
ووجد الفريق البحثي أن الأطفال الذين ماتوا فجأة كان لديهم خلل وتغير في التركيبة الجينية بمقدار 10 أضعاف الأطفال العاديين من الفئة العمرية نفسها. وكانت هناك نسبة بلغت نحو 9 في المائة من العينة التي جرت دراستها؛ أو 11 طفلاً على وجه التحديد، تبين وجود تغييرات جينية لديهم، خصوصاً بالجينات المتحكمة في وظيفة الكالسيوم داخل القنوات المنظمة لمروره في الخلية «calcium channel». ويعتقد أن هذه التغيرات ساهمت في حدوث الوفاة؛ حيث إن الكالسيوم له دور بالغ الأهمية يتعلق بوظائف القلب والمخ، وفي حالة حدوث خلل في حركة مرور الكالسيوم؛ فقد يؤدي ذلك إلى عدم انتظام ضربات القلب أو حدوث نوبات الصرع بشكل عنيف يفشل الجسم في التحكم فيه، وكلا الأمرين يمكن أن يكون مميتاً.
ووجد الباحثون أن وفيات الأطفال تحدث في الأغلب بين سن 1 و4 أعوام وعادة ما يموت الأطفال أثناء نومهم (بما في ذلك أكثر من 90 في المائة من الأطفال في الدراسة الحالية). ولدى العديد منهم أيضاً تاريخ من النوبات المرتبطة بالحمى (fever - related seizure) وكانوا ثلث الحالات على وجه التقريب في الدراسة، لذلك يجب التعامل مع حدوث نوبات تشنج بمنتهى الجدية في حال ارتفاع درجة الحرارة وإجراء العديد من الفحوصات لمعرفة السبب، خصوصاً أن هؤلاء الأطفال إذا كان العمر قد امتد بهم، لكانوا في الأغلب شُخّصوا بالصرع.
وأوضح العلماء أن هذه الدراسات مهمة للغاية؛ لأن الآباء الذين يفقدون طفلاً دائماً يدور في ذهنهم سؤال حول احتمالية أن يحدث هذا مجدداً لبقية أطفالهم، خصوصاً أن الأبحاث تشير إلى الدور الذي يلعبه التاريخ العائلي بوصفه معامل خطورة للموت المفاجئ. وعندما يموت رضيع بشكل مفاجئ، يكون الخطر في حدوثه مرة أخرى للأشقاء اللاحقين، أعلى من المتوسط، ولكن يبقى هذا الاحتمال منخفضاً للغاية في العموم.
والخبر الجيد أن التغيرات الجينية التي وجدتها الدراسة كانت لدى الأطفال، وليست جينات الآباء. ولكن بالطبع فإن احتمال الوراثة لا يزال قائماً؛ حيث إن التغير الجيني يمكن أن يحدث في الخلية بعد التقاء بويضة الأم مع الحيوان المنوي للأب.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال