قبل أشهر قليلة حاول أحد الزملاء من العاملين في مجال السينما لصالح محطة تلفزيونية عربية الانضمام إلى جمعية «كريتيكس تشويس» الأميركية. هذه كانت أعلنت عن قبولها أي ناقد سينمائي من أي مكان في العالم. بناءً على ذلك، قام الزميل بإرسال طلبه. بعد نحو شهر جاءته رسالة تطلب منه تقديم ما يثبت أنه يكتب عن السينما. فأرسل مجموعة من المواد المتلفزة التي تحمل تقديمه لأفلام الأسبوع وحديثه، بالعربية، عنها. شهر آخر مرّ قبل أن يتسلم رسالة أخرى مفادها، بعد التحية، السؤال التالي: «كيف يمكن لنا التثبّت من أنك تتحدث عن الأفلام؟».
قال لنا معلّقاً: «المسؤولة عن مراجعة الطلبات كتبت أنها لا تعرف العربية وعليه تريد إثباتاً من أنني أتحدث عن السينما، فأرسلت إليها مذكّراً أن المواد المصوّرة هي عن أفلام حديثة ولا يمكن لي أن أتحدث عن الرياضة أو الاقتصاد وأعرض في الوقت نفسه مشاهد من King Richards وA Quite Place Part II أو Black Widow».
- تبعات موقف
حتى ذلك الحين، لم يكن الزميل تسلم ردّاً بالإيجاب أو السلب، أي ما إذا كان قد تم قبول طلب انتسابه أم لا. لكن الجمعية المذكورة جادّة، حسبما كانت أعلنت، في توسيع قاعدتها من النقاد حول العالم وتبوء المكانة التي تستحقها بين الجمعيات النقدية والسينمائية المختلفة. واحد من أهم مرتكزاتها في هذا الهدف هو توزيع جوائزها السنوية المعتادة في موسم الجوائز الحالي. وهذا يسبقه، بطبيعة الحال، إعلان قائمة الأفلام والأسماء المرشّحة للجوائز والتي تم الإعلان عنها فعلياً في الثالث عشر من هذا الشهر. في اليوم ذاته أعلنت «هوليوود فورين برس» عن ترشيحاتها لجوائز «غولدن غلوبز»، المقرر إقامتها في التاسع من الشهر المقبل، 2022. بالمناسبة، هذا هو التاريخ ذاته الذي اختارته جمعية «كريتيكس تشويس» لحفلتها السنوية كذلك. الذي يحدث هو نوع من محاولة احتلال مكانة حققتها «هوليوود فورين برس» خلال عقود طويلة. والداعي إلى ذلك التنافس هو انتهاز فرصة تبدو فيه الجمعية العريقة وقد ضعفت بعد سلسلة هزّات شبه مدمّرة نالتها خلال مطلع وصيف هذا العام ولا تزال ذيولها جارية. ففي ربيع السنة نشرت صحيفة «ذا لوس أنجليس تايمز» تحقيقاً كبيراً حول الجمعية اصطادت فيه آفاتها (مثل خلوّها من عضو أفرو - أميركي ومثل تمتعها بمعاملة خاصة وعلاقات استثنائية مع شركات هوليوود... إلخ) وتركت كل ما هو إيجابي تقوم به (أهمية الجائزة بالنسبة للمجتمع السينمائي بأسره، تبرّعاتها السنوية التي وصلت منذ إعلانها إلى 50 مليون دولار... إلخ).
ذلك التحقيق فتح النار على الجمعية وأعضائها من مراسلي الصحف الأجنبية (الذي ينتمي هذا الناقد إليها) فسارعت جهات مختلفة في هوليوود لمقاطعتها في وقت صدحت فيه موسيقى التيارات المختلفة التي تنادي بالمساواة وتنتقد «السيادة البيضاء».
منذ ذلك الحين استجابت «ذا هوليوود فورين برس» للنقد وأذعنت لإصلاحات كثيرة لكن ذلك لم يعفها بعد من تبعات الموقف المتخذ حيالها للآن، مما دفعها إلى الإعلان عن أن توزيع جوائزها المعروفة بـ«غولدن غلوبز» لن يأتي، هذه السنة، متلفزاً على شاشة NBC الأميركية كما جرت العادة.
خلال هذه الفترة توسمت جمعية «كريتكس تشويس» الفرصة للانتقال من الصف الخلفي إلى الأمامي واحتلال المناسبة والموقع. حيال ذلك، ألقت الجمعية المؤلفة من مراسلي هوليوود القفاز في وجه الجميع وأعلنت عن ترشيحاتها، مما أثار الجمعية المناكفة فأصدرت بياناً يُهيب بهوليوود مقاطعة جمعية «ذا فورين برس» والمعركة ما زالت قائمة.
- خلاف لا اختلاف
هي معركة استقطاب اهتمام: جمعية المراسلين الأجانب تستند إلى تاريخها. وجمعية النقاد تستند إلى طموحها. لكن ما هو مشترك المجموعة الكبيرة من الأفلام والأسماء الواردة في قائمة الترشيح الرسمية لكل منهما. للإيضاح، تقوم الجمعية الأولى باستعراض المرشّحين في السينما والتلفزيون، بينما تكتفي جمعية النقاد بالترشيحات السينمائية. ضمن هذه الترشيحات السينمائية تأتي مجموعة كبيرة من الأفلام الواردة في كل قائمة من القائمتين، وكذلك الحال بالنسبة لصانعي الأفلام من مخرجين وممثلين.
لدى «هوليوود فورين برس» قائمتان لأفضل فيلم الأولى خاصة بالأفلام الدرامية والثانية بالأفلام الموسيقية والكوميدية تتبعهما قائمة بالأفلام الأجنبية.
في المقابل لدى «كريتكس تشويس» قائمة سينمائية وأخرى تلفزيونية منفصلة تماماً. قائمة الأفلام الأساسية (الناطقة بالإنجليزية) تشمل كل الأفلام (10) وهناك قائمة لأفلام التحريك (أنيميشن) وقائمة للأفلام الأجنبية. قائمة نقاد «فورين برس» موجزة بالنسبة للمسابقات السينمائية بينما تشمل قائمة نقاد «كريتكس تشويس» تقسيمات ومسابقات مُصممة على نسق مسابقة الأوسكار. معظم الأفلام الواردة في أي من القائمتين ترد في الأخرى وهذه تشمل «بلفاست» لكينيث برانا و«وست سايد ستوري» لستيفن سبيلبرغ و«قوة الكلب» لجين كامبيون و«ديون» لدنيس فلينييف و«كينغ رتشارد» لرينالدو ماركوس. الأمر ذاته بالنسبة للممثلين والممثلات إذ نجد العديد من الأسماء تتكرر في القائمتين مثل بيتر دينكلايج عن «سيرانو» وتروي كوتسور عن «كودا» وأريانا دي بوز عن «بلفاست» وكيرستن دنست عن «قوّة الكلب» وأندرو غارفيلد عن تك، تك... بوم!» كما كوبر هوفمان عن «بيتزا بعرق السوس». بينما يظهر ليوناردو ديكابريو في قائمة «فورين برس» ويغيب عن الأخرى. كذلك لا تختلف قائمة المخرجين لدى كلا الجمعيّتين: جين كامبيون عن «قوّة الكلب» وسبيلبرغ عن «وست سايد ستوري» وفلينييف عن «ديون» وبرانا عن «بلفاست». قائمة «فورين برس» تحتوي على ماغي جيلنهال عن «الابنة المفقودة» بينما تحتوي على اسمين آخرين في القائمة الثانية هما بول توماس أندرسن عن «بيتزا بعرق السوس وغيلرمو دل تورو عن «زقاق الكابوس» (Nightmare Alley).
الاختلاف محدود أيضاً بالنسبة لترشيحات كل من الجمعيتين حيال الأفلام الأجنبية. «فورين برس» اختارت «المقصورة 6» (فنلندا) و«سائق سيارتي» (اليابان) و«يد الله» (إيطاليا) و«أمهات موازيات» (إسبانيا)، «بطل» (إيران). أما قائمة «كريتكس تشويس» فتشمل «سق سيارتي» و«يد الله» و«بطل» ثم «أهرب» (دنمارك) و«أسوأ شخص في العالم» (النرويج). لن يكون غريباً أن ترد غالبية هذه الأفلام في ترشيحات الأوسكار كذلك. هذه هي مشكلة الأفلام الدائمة: الجميع يصطاد مما يعتقده الأفضل وبما أن الاعتقاد ذاته يسود تأتي الترشيحات متشابهة ومتساوية في أغلبها.