«منطق الطير»... رحلة فلسفية للبحث عن معانٍ أخرى للحياة

مسرحية تونسية تستلهم أفكار التراث برؤية معاصرة

رحلة البحث عن معنى (صفحة المهرجان على فيسبوك)  -  محاولة للتخفيف من أعباء الأرض (صفحة المهرجان على فيسبوك)
رحلة البحث عن معنى (صفحة المهرجان على فيسبوك) - محاولة للتخفيف من أعباء الأرض (صفحة المهرجان على فيسبوك)
TT

«منطق الطير»... رحلة فلسفية للبحث عن معانٍ أخرى للحياة

رحلة البحث عن معنى (صفحة المهرجان على فيسبوك)  -  محاولة للتخفيف من أعباء الأرض (صفحة المهرجان على فيسبوك)
رحلة البحث عن معنى (صفحة المهرجان على فيسبوك) - محاولة للتخفيف من أعباء الأرض (صفحة المهرجان على فيسبوك)

بينما يميل بعض صناع الفن إلى المألوف والسهل بحثاً عن رد فعل مضمون لدى المتلقي، لا يرضى البعض الآخر إلا بالصعب الذي يرون فيه تحدياً يشحذ طاقاتهم وفرصة لإظهار تميزهم عن نظرائهم، وبالطبع، فإن الخيارات الصعبة هنا سلاح ذو حدين، فهي إما تحملك على متن بساط سحري إلى معانقة المجد وتذوق شهد النجاح وإما تخسف بك إلى أرض سحيقة من الفشل والإخفاق.
تكاد هذه الفكرة تكون أول ما يخطر ببالك فور إطفاء النور على خشبة المسرح القومي للمسرح بالقاهرة وانتهاء هذا العمل المكثف، سريع الإيقاع، الذي يحمل ذلك العنوان الحميم «منطق الطير» والذي يمثل تونس في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والذي تستمر فعالياته حتى التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
اختار صناع العمل الاشتغال على نص شعري موغل في القدم يصنف ضمن أشهر الأعمال الفلسفية والروحية في التراث الفارسي القديم وهو ديوان «منطق الطير» للشاعر والفيلسوف فريد الدين العطار، والمكون من نحو خمسة آلاف بيت يتناول في جزء منها قصة عجيبة للطيور ترمز إلى العديد من المعاني والأفكار.
في النص الأصلي، نصادف اجتماعاً خيالياً أقرب لروح الفانتازيا لعدد هائل من الطيور التي تقرر أنها بحاجة ماسة للقيام برحلة خاصة للقاء طائر خاص هو «طائر السيمرغ» الذي يرمز إلى الفضائل الراقية والمعاني الصافية، ترى ما الذي جعل تلك الطيور السعيدة الهانئة تتخذ هذا القرار الغريب المفاجئ؟ إنها ببساطة الرغبة الحارة في البحث عن معانٍ أكثر جمالاً وبهجة للحياة والوجود.
يتمردون على نمطية حياتهم البسيطة، بحثاً عن أفق أكثر اتساعاً وحكمة. تقرر الطيور ضرورة اختيار قائد لهم، فيقع اختيارهم على «الهدهد» نظراً لما يتمتع به من جمال وحكمة ومكانة، تبدأ الرحلة عبر سماوات بعيدة وأودية جرداء فينال التعب من الطيور، يصاب كثيرون بالإعياء، ويتراجع آخرون، لكن الهدهد برصانته وبلاغته يشد من أزرهم ويحذرهم من التخاذل أو التراجع.
وفي النهاية، تصل الطيور إلى محطتها المنشودة لتكتشف أن الطائر الخرافي المزعوم ما هو إلا انعكاس لكل منهم بدرجة أو بأخرى! هذه الفكرة الفلسفية المعقدة، يطرحها مخرج العمل نوفل عزارة وفق رؤية حداثية شديدة الطموح تحافظ على جوهر النص الأصلي، لكنها في الوقت نفسه تشير ببراعة إلى أن رحلة البحث عن قيمة لوجودنا ومعانٍ أخرى لحياتنا لا تتطلب الانتقال عبر الزمان والمكان، إذ يكفي أن نمعن النظر بداخلنا لنكتشف من نكون فنغير ما شئنا أن نغير أو نرضى به.
اعتمد عزارة عدة مفردات بعينها كي يوصل فكرته منها جعل العربية الفصحى المبسطة لغة الحوار، والتحرك في فضاء مسرحي ضيق للغاية يلفه الظلام، في حين تغمر الإضاءة كل ممثل على حدة، أما ملابس الممثلين فقد جاءت بسيطة للغاية تناسب رحلة الإنسان في فطرته الأولى. ولعبت الموسيقى دوراً أساسياً في محاولة تجسيد أجواء الطيور على يد الممثلين الذين وجههم المخرج إلى كمية هائلة من الأداء الحركي الراقص والترانيم الصوتية المعادلة لحالات الإشراق الروحي أو الخذلان.
ولكن ما الذي دفع صناع العمل إلى اختيار هذا النص وأثار حماسهم لتجسيد العمل بالأساس؟ طرحنا السؤال على أحد أبرز ممثلي العرض الفنان محمد ورغجي، فأجاب قائلاً: «النص التراثي الذي اشتغلنا عليه له شهرة واسعة، وبقدر ما تكون هناك إشكاليات في تقديمه برؤية حداثية وتقنية معاصرة، تكون المتعة أفضل. ويضيف ورغي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «وجودنا بمهرجان دولي عريق مثل مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي يعني لنا الكثير، فنحن هنا بين العديد من المدارس العريقة في الإخراج والتمثيل، ونتمنى أن يحصد عملنا ما يستحقه من جوائز وتكريمات على غرار ما حدث معه في مهرجانات سابقة منها مثل (أيام قرطاج)».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.