تحديثات «نوتردام» الداخلية تنال الضوء الأخضر

حريق كاتدرائية «نوتردام» باريس في 15 أبريل 2019 (شاترستوك)
حريق كاتدرائية «نوتردام» باريس في 15 أبريل 2019 (شاترستوك)
TT

تحديثات «نوتردام» الداخلية تنال الضوء الأخضر

حريق كاتدرائية «نوتردام» باريس في 15 أبريل 2019 (شاترستوك)
حريق كاتدرائية «نوتردام» باريس في 15 أبريل 2019 (شاترستوك)

وافقت لجنة خبراء التراث على مقترحات لجلب الفن المعاصر ونقل بعض الأثاث لإتاحة مساحة أكبر للزوار. ويقول النقاد إنّها ستحط من قدر الكنيسة التي يرجع تاريخها لقرون.
ظهرت آخر حلقة من سلسلة الخلافات التي أحاطت بتجديد كاتدرائية «نوتردام» يوم الخميس الماضي، عندما منحت لجنة خبراء التراث الضوء الأخضر لتجديد الجزء الداخلي من الكاتدرائية التي ألم بها الحريق.
وافقت الهيئة الوطنية الفرنسية للتراث والهندسة المعمارية على مقترحات أبرشية باريس لإضفاء نظرة أكثر حداثة على «نوتردام»، قبل إعادة الافتتاح المخطط لها في 2024. بما في ذلك تركيب أعمال فنية معاصرة وتأثيرات جديدة للإضاءة. وفي ذلك، يقول المعارضون إنّ التغييرات المزمعة ستقلل من قيمة الكاتدرائية التي مضى عليها 850 سنة، وستعكر انسجام تصميمها القوطي.
وسمحت لجنة التراث لمسؤولي الكاتدرائية بإعادة ترتيب «المسكن» وعناصر أخرى لخلق مساحة أكبر للزوار. وقال باتريك شوفيه، رئيس مجلس إدارة «نوتردام»، إنّ هذه المقترحات من شأنها أن تسمح بزيارة أسهل وأكثر إمتاعاً للنصب الديني، وخلق «حوار» بين الهندسة المعمارية التي كانت سائدة في العصور الوسطى، وبين المظاهر الجديدة الأكثر حداثة. وتابع، أنّه يمكن وضع الأعمال الفنية من القرنين العشرين والحادي والعشرين رفقة الرسوم الرئيسية القديمة من مجموعة الكاتدرائية، مثل «ميلاد مريم العذراء» لماثيو لو ناين.
وأضاف شوفيه، أنّ الأبرشية تنظر أيضاً في وضع مساقط ضوئية خفيفة على جدران بعض المصليات، من شأنها عرض مقتطفات نصية قصيرة من الكتاب المقدس. واستطرد قائلاً، إنّ معظم كراسي الاعتراف ستُنقل إلى الطابق الأول في عملية إعادة ترتيب عناصر الأثاث بالكاتدرائية البالغ عددها 2000 أو نحوها، وسوف يدخل الآن أكثر من 12 مليون زائر سنوي إلى «نوتردام» عبر البوابة المركزية بدلاً من الباب الجانبي.
يقول شوفيه: إنّ «الفكرة هي أنّ المؤمنين، أو الزوار، تُذهلهم عظمة وجمال (نوتردام) في المقام الأول».
ومع ذلك، فإنّ إضافة لمسات حديثة تهدد بتشويش الكاتدرائية، وفقاً لعشرات من الشخصيات الثقافية والمفكرين الذين عارضوا المقترحات.
مرت «نوتردام» بالفعل بأكثر من عامين من جهود الترميم الحذرة، بعد أن شبّ حريق هائل في أبريل (نيسان) 2019. أدّى إلى تدمير البرج ومعظم السقف. وجرى تأمين المبنى بما يكفي لبدء عملية إعادة البناء، والمتوقع أن تكتمل في الوقت المناسب لمواكبة دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024.
في البداية، فكرت السلطات الفرنسية في اغتنام الفرصة لإعادة صياغة بنية الكاتدرائية بشكل ملحوظ. وأوصى خبراء التراث في نهاية المطاف بإعادة النصب إلى سابق عهده، وفي العام الماضي، تخلّى الرئيس إيمانويل ماكرون عن فكرة استبدال «برج القرن التاسع عشر» بشيء أكثر حداثة.
وقّع يوم الثلاثاء نحو 100 من الشخصيات العامة في فرنسا بأسمائهم على رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة «لوفيغارو» المحافظة، تحت عنوان «نوتردام دو باريس: ما تركته النيران تدمره الأبرشية».
وقال الموقعان، آلان فينكيلكروت وبيير نورا من «الأكاديمية الفرنسية» المرموقة، إنّ بعض المقترحات تذكرنا «بالمشاريع الثقافية الغامرة حيث تتنافس البذاءة مع الفنون الهابطة».
وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إنّ هذه الاقتراحات أشعلت معركة ضارية داخل الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بين «أنصار الحداثة، والمسكونية، وأوصياء الحنين إلى الماضي». كما استولت بعض الصحف البريطانية المحافظة على مقاطع من خطة إعادة التطوير التي تتحدث عن خلق «مساحات عاطفية» و«جولة استكشافية». في حين برز بأحد العناوين الرئيسية لصحيفة «ديلي تلغراف» أنّ كاتدرائية «نوتردام» تواجه حملة تجديد «ديزني لاند».
وقال ديدييه ريكنر، رئيس تحرير مجلة «لا تريبيون دي لارت» الفنية، وأحد الموقعين على الرسالة المفتوحة في صحيفة «لوفيغارو»، إنّ النقد في الصحافة البريطانية يستند إلى الرسوم الكاريكاتيرية، ولكنّه يتفق مع التوجهات العامة. وأضاف: أنّ «الكنيسة عمرها ألفي سنة - إنّها كمثل السيدة المسنة. ولها تاريخ لا بد من احترامه، وليس من حق الناس اليوم محوه بجرة قلم».
ربما سمعت لجنة التراث بعض الانتقادات. ولم تقبل الاقتراح الذي قدمته إليها الأبرشية بالكامل، ورفضت بعض العناصر أو شككت فيها. ورفضت اللجنة طلباً، على سبيل المثال، لإزالة تماثيل القديسين من عدة كُنيسات صغيرة. كما طلبت إعادة النظر في تصميم المقاعد القابلة للإزالة التي اقتُرحت بديلاً للكراسي الخشبية التقليدية بالكاتدرائية، وفقاً لبيان صدر عن وزير الثقافة يوم الخميس.
وقال شوفيه: إنّ «التغييرات التي طرأت على الجزء الداخلي من (نوتردام) ليست جوهرية، وستجلب «القليل من الإحساس لدى الزوار». واختتم: «لا تعتقدوا بأنّنا نعتزم بناء ديزني لاند داخل الكاتدرائية العريقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».