خدمات التدفق تخرق خصوصية المشتركين

تجمع بيانات متابعي البرامج المعروضة على الأجهزة الذكية

خدمات التدفق تخرق خصوصية المشتركين
TT

خدمات التدفق تخرق خصوصية المشتركين

خدمات التدفق تخرق خصوصية المشتركين

«إذا لم تدفعوا ثمن المُنتَج، فهذا يعني أنّكم أنتم المُنتَج»... تعبّر هذه الجملة عن حال ممارسات جمع البيانات الشخصية التي تمتهنها الخدمات الرقمية على الإنترنت التي تبيع الإعلانات، وأبرزها «فيسبوك»، وتطبيقات الأنواء الجوية.

خرق الخصوصية
ولكن في بعض الأحيان، يدفع المستهلك ثمن المنتج ويتحوّل إلى مُنتج في آنٍ معًا. فقد نشرت مجموعة «كومون سينس ميديا» الحقوقية غير الربحية المعنيّة بالأطفال والعائلات، تقريرًا يفيد بأنّ معظم خدمات وأجهزة التدفّق الشعبية في الولايات المتّحدة مثل نتفليكس وروكو وديزني+ فشلت في تحقيق الحدّ الأدنى من شروط الخصوصيّة والأمن التي حدّدتها المجموعة. وكانت أبل الاستثناء الوحيد.
لقد اعتاد المستخدمون على سباق أذرع الشركات الكبرى في مجالات تعقّب كلّ نقرة فأرة، وكل مسحة بطاقة ائتمانية يقومون بها. ولكنّ المفاجئ في تقرير المجموعة كان أنّ خدمات التدفّق التي يدفع النّاس من جيوبهم للاشتراك بها تطبّق الممارسات نفسها في ما يتعلّق ببيانتهم كما «فيسبوك» و«غوغل» اللتين تجمعان أرباحهما من استثمار بيانات مستخدميهما في الإعلانات.
كشف جايمس بـ. ستيير، الرئيس التنفيذي للمجموعة، أنّ هذا التقرير «يجب أن يكون بمثابة إنذارٍ لخدمات التدفّق التي يمكنها ويجب عليها أن تحسّن سلوكها، وأعتقد أنّها ستفعل».
واعتبرت المجموعة أنّ خدمات التدفّق يمكنها أن تبذل جهودًا إضافيّة للاحتفاظ بالبيانات التي تجمعها من المنازل لنفسها، وأن تكون هي الاستثناء في ممارساتها المتعلّقة بالبيانات لتعزيز حماية للأطفال وتقديم المزيد من التطمينات على أنّ بيانات المستخدمين لن تُستعمل لصرعهم بالإعلانات عبر الإنترنت أو لإغناء ملفّات مستثمري البيانات.
عمد الباحثون في الآونة الأخيرة إلى تحليل عادات جمع البيانات لبعض منتجات التدفّق، ولكنّ عمل مجموعة «كومون سينس ميديا» في تقريرها الأخير كان شاملًا لكلّ ما يتعلّق بالتدفّق لأنّه عاين سياسات الخصوصية لعشر خدمات فيديو إلكترونية كـ«إتش.بي.أو. ماكس» وخمسة أجهزة تدفّق، بينها روكو و«فاير تي.في» من أمازون. كما عمدت المنظّمة إلى ضبط أنظمة الكومبيوتر لتتبّع مجرى البيانات الرقمية بعد مغادرتها لتطبيقات التدفّق أو الأجهزة.

إعلانات مستهدفة
وجدت المجموعة في تقريرها أنّ معظم الشركات المشمولة في التحليل تستطيع استخدام المعلومات الخاصّة بسلوك النّاس المرتبط بخدماتهم لتصميم إعلانات تتوافق وأذواق الزبائن في جميع أنحاء شبكة الإنترنت، أو لتسمح لشركات أخرى بذلك. وعلمت أيضًا أنّ الكثير من شركات التدفّق تضخّ البيانات في الأعمال التجارية لشركتي أمازون وغوغل.
تقول بعض شركات التدفّق كنتفليكس إنّها لا تسمح لأطراف أخرى بمعرفة ما يشاهده النّاس ليلة الجمعة مثلًا. ولكنّ شركات أخرى شملها التقرير تركت احتمال استغلال المعلومات المتعلّقة بمشاهدات النّاس مفتوحًا لاستخدامها في الإعلانات المستهدِفة أو لأغراض أخرى.
يمكن لبيانات شركات التدفّق أن تذهب أيضًا لشركات أخرى تجمع معلومات حول معجون تنظيف الأسنان الذي تشترونه والأمور التي تفعلونها على هاتفكم. وكشفت «كومون سينس ميديا» أنّ جهود بعض الشركات لتزويد الزبائن بموافقة تقدّم معلومات وافية في هذا الشأن كانت شديدة التعقيد، فتبيّن مثلًا أنّ أمازون تطلب من النّاس عبر جهاز التدفّق «فاير» النقر لتصفّح 25 بندا من سياستها قبل استخدام الجهاز، بالإضافة إلى بندين آخرين قبل استخدام مساعد أليكسا الصوتي.
في المقابل، كشفت «كومون سينس ميديا» أنّ أبل، التي تتباهى بسلوكها الذي يحترم خصوصيّة زبائنها رغم أنّها لا تلتزم دائمًا بمبادئها المثالية المعلنة، تملك ممارساسات حمائية أقوى على خدمة «أبل تي.في» لتدفّق الفيديو وجهاز الاتصال بالتلفزيون «أبل تي.في» مقارنة بخدماتٍ أخرى.
(وتجدر الإشارة إلى أنّ أبل تساهم في تمويل برنامج «كومون سينس ميديا» الاخباري لتحسين القراءة المخصص للمدارس، وأنّها من بين الشركات التي ترخّص تصنيفات ومراجعات هذه المجموعة. ولكنّ «كومون سينس ميديا» أكّدت أنّ هذا الأمر لا يؤثر على تقييماتها في مجال الخصوصية).
من جانب آخر، ليس بالضرورة أن تكون جميع استخدامات بياناتنا مضرّة لا سيّما وأنّ شركات التدفّق تستخدم معلوماتنا لمساعدتنا على إعادة ضبط كلمة مرورٍ منسيّة وللحرص على تمكيننا من مشاهدة خدماتها على التلفاز بواسطة الهاتف الذكي.
ولكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في توضيح «كومون سينس ميديا» في تقريرها أنّ الأميركيين، باستثناء قلّة، لا يعرفون ببساطة ما تفعله الشركات بالمعلومات التي تجمعها عنهم. فغالبًا ما يجد النّاس أنفسهم محصورين بمستندات قانونية تقدّم تحكّمًا واهمًا بمعلوماتهم ويظنون أنّ المخاطر المفترضة والاستخدام الخاطئ لمعلوماتهم بعيدٌ جدًا عنهم.
وساهمت هذه الحالة في فقدان الأميركيين للثقة بشركات التقنية وبنشوء مخاوف ممّا قد يصيب بياناتهم الشخصية، إلّا أنّ ستيير أكّد أنّ هذا القلق الجماعي له تأثيرٌ إيجابي وهو أنّ الشركات والسياسيين باتوا يعلمون أنّ عدد الأشخاص الذين يقلقون على خصوصيتهم يتزايد.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».