قراءة في السينما العربية غير الروائية

تختلف المستويات ويسود رصد الواقع

«حلال سينما» لأمين بوخريص
«حلال سينما» لأمين بوخريص
TT

قراءة في السينما العربية غير الروائية

«حلال سينما» لأمين بوخريص
«حلال سينما» لأمين بوخريص

حفل العام 2021 بالعديد من الأفلام التسجيلية والوثائقية، تلك التي تختار ما هو واقع، أو ما يفترض به أن يكون واقعياً، وتقدمه لمن يريد التعرف عليه.
الواقع والواقعي ليسا واحداً. الواقع هو صورة مجردة. الواقعي الصورة ذاتها مُعاشة بواقعية سواء أكان الفيلم روائياً أو غير روائي. لكن الخلط واقع في العديد مما نراه وذلك منذ سنوات، وكلما طُلب من شخص أن يمشي مسافة في طريق ما تلاحقه الكاميرا لكي يطرق باباً فيفتح له من في الداخل. ذلك الباب هو تمثيل تحت مظلة تسجيلية، وهذا ما بات حاصلاً بكثرة ليس عربياً فقط، بل وكان عالمياً.

تسقط السينما وترتفع القضية
السينما العربية غير الروائية تشهد، كسواها، تنوعاً شديداً في المواضيع التي تطرحها، وآخر ما أنجز منها هذا العام (ثلاثة أفلام تونسية عُرضت في مهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي انتهى قبل أيام) يشبه ما أُنجز في مطلع السنة لجهة هذا التنوع. لكن الجامع الأهم هو أنها أفلام قضايا. هذا لأنه، وعلى عكس السينما الروائية، من المستبعد قدرة مخرج على صنع فيلم لا يحمل قضية إلا إذا كان من نوع محدد. في هذا الإطار لا يوجد - مثلاً - فيلم يشابه ما قام به الأميركيان أندي وورهول وجون بالمر عندما تركا الكاميرا لثماني ساعات تصور مدخل مبنى «إمباير» والداخلين إليه أو الخارجين منه. ليس لقضية بل لشيء ما يزال غير مفهوم إلا لمن يستطيع منحه تفسيراً خاصاً. في حقيقته، «إمباير» فيلم آلي عن كاميرا تستطيع أن تحدق من زاوية واحدة لا تتغير لساعات المساء وحتى فجر اليوم التالي. بذلك طلب الفيلم من مشاهديه (القلة) متابعة عمل لا قضية له ولساعات لا يمكن قبولها على هذا النحو.
لا يوجد، في السينما العربية، والحمد لله، ما يماثل هذا الترف الخالي من القيمة الفعلية. الحياة العربية ومجتمعاتها مليئة بالقضايا السياسية والمعيشية والمشاكل الفردية فيها لا تُحصى. وسواء استعادت جزءاً من التاريخ أو حصرت نفسها في الحاضر فإن لديها الكثير مما تود قوله والتعبير عنه، وتفعل ذلك على مستويات بعضها أفضل نتيجة من بعضها الآخر.
السينما التسجيلية والوثائقية (الأولى تصور أكثر والثانية تستند إلى الوثائقيات أكثر) في العام 2021 ازدحمت في خانة القضايا من بحث مخرج عن سبب ولعه بسعاد حسني، إلى بحث آخر في حالة قريبين له هاجرا سوريا إلى ألمانيا مروراً بموضوع اختفاء سينمائيين عن الواجهة وحياة رجل يعيش في بيئة خطرة، وتلك الفتاة التي تتحجب هنا وتخلع الحجاب هناك وفي اليوم ذاته.
في الكثير من الأحيان يبقى الموضوع (حامل القضية) أقوى من فن التعبير عنه. تسقط السينما وترتفع القضية عوض أن يحدث العكس. الحاصل أن العديد من صانعي الأفلام يعتقدون أن كل ما هو مهم هو إبراز المضمون لأنه «واقعي»، والكاميرا في هذه الحالة مجرد أداة لنقل ما في الصورة لا أكثر إلا قليلاً (أو لا أكثر مطلقاً).
«نحن من هناك» (صُور سنة 2020 وشهد عروضه الأميركية في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي)، هو فيلم من النوع المتكاثر منذ سنوات. المخرج يختار الحديث عن فرد من أهله أو عائلته. قد يكون والده أو والدته أو شقيقه أو، كما الحال في «نحن من هناك» أولاد عمه.
«نحن من هناك» لوسام طانيوس مثال واضح على ذلك. يتابع المخرج، في مراحل غير متوالية، سعي ولدي عمه ترك سوريا والهجرة إلى الغرب. يمهد في مقابلاته الأولى معهما لتأسيس الشخصيتين الحالمتين بالهجرة ثم يقابلهما بعد وصولهما إلى لبنان، وبعد ذلك خلال رحلتهما إلى أوروبا من تركيا وبالقارب، ثم تمر فترة ليست بالقصيرة قبل أن يلتقطهما في ألمانيا. هذا الوصف هنا هو أكثر سلاسة مما نراه على الشاشة. المقابلات لا تقول الكثير رغم تعددها، والمخرج حصر قضية فيلمه في إطار هذا المسعى لإنجاز فيلم عن شخصيتيه. لا شيء آخر على جانبي الفيلم.
الفخ هنا، وفي أفلام مشابهة، هي أن الفيلم قد يؤول إلى الاكتفاء بطرح مشكلة شخصية لا تهم سواه. في هذا النموذج لا وجود لقضية مهمة تتجاوز مسألة وهي «الأقربون أولى بالمعروف». لا طرح لمشاكل الوطن ولا لما يحدث في الوطن البديل ولا المصاعب المترامية بين الوطنين.

أفلام عائلية
الوضع أفضل قليلاً في فيلم «طريق للبيت» (المغرب) الذي عرض في مطلع هذا العام في مهرجان «مخرجون جدد/ أفلام جديدة» في نيويورك. يصف الفيلم وضع المخرجة كريمة سعيدي إزاء حالة أمها التي بدأت تفقد ذاكرتها. تريد المخرجة تحقيق فيلم يسجل ما قد تنساه والدتها مستقبلاً. تختار لذلك أسلوب عرض بني على مشاهد ثابتة (غالباً) كما على طرح الأسئلة على الأم.
في كل خانة من هذه الخانات نجاح محدود. المشاهد الحية لأشخاص يمشون في الشوارع قد تفي بالغرض المحدد منها، لكنها لا تشكل العنصر المؤثر في كيان العمل. اللقطات الثابتة تُعالج كصور فوتوغرافية: باب. نافذة. بحر. يد. الخ… المنوال على تكراره يبدو كما لو أن خطأ في سياق الفيلم وقع، أدى إلى اللا - حركة. أما طرح الأسئلة فإنه يتحول إلى استجواب أم تُعاني وابنة تريد أن تصنع فيلماً عنها. هذه الناحية الأخيرة قاسية والأم تشعر بذلك لهذا تقول لابنتها أكثر من مرة إنها «تزعجها» و«تغضبها». وفي مرة تقول لها: «توقفي عن إغضابي».
في الفيلم المصري «العودة للبيت» (عروض مهرجان الجونة)، تفتح المخرجة سارة الشاذلي الباب على نحو أوسع. هو عن عودة فتاة بعد غربة عشر سنوات لتعيش، مضطرة، مع والديها. لكن ما يبدأ اضطراراً يتحول إلى قبول ومعايشة وإعادة اكتشاف ضمن فيلم ينجز ما وعد به.
في التيار ذاته، عرض مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» الذي انتهت دورته في السادس من هذا الشهر، فيلم «مقرونة عربي» لريم التميمي عن أب جزائري وأم إيطالية الأصل وكلاهما ولدا في تونس. تبحث المخرجة في أصل والديها عن طريق تصوير مشاهد من المقابلات وأخرى من الصور. الموضوع يلفت الاهتمام لنحو نصف ساعة ثم يفتر هذا الاهتمام لأن التاريخ الشخصي لا يتضمن نقاطاً يمكن لها أن تثري العمل لأكثر من تلك المدة. هذا لا يعني أن الفيلم يخلو فيما تبقى منه من وقفات تكشف جديداً، لكن منوال سرده لا يفتأ عن سرد مواقف وأحداث لا صدى لها خارج الدائرة الأسروية التي تدور في رحاها.
هذا الفيلم هو واحد من ثلاثة أفلام تونسية دخلت مسابقة الفيلم الوثائقي في «أيام قرطاج السينمائي» وخرجت بلا جوائز. الفيلمان الآخران يختلفان.
«أبي، فيم أفنيت شبابك؟» لأكرم عدواني يتحدث عن الكاتب التونسي غيلبرت نقاش من خلال مقابلات معه ومع ابنه سليم. البون واسع في السن (الأب 80 سنة والابن 25 سنة) كما في المفاهيم. غيلبرت نقاش شيوعي ملتزم آمن بالماركسية وآمن بها كمنهج نافع للبشر جميعاً، لكنه، وبسبب هذا الإيمان عرض نفسه للاعتقال ولديه الكثير مما يرويه عن تلك الفترة، واستعداد الرئيس الراحل بورقيبة للعفو عنه وعن رفاقه. بالنسبة للابن، سليم، نجده يتفهم نوازع والده السياسية، لكنه لا يوافق عليها. ففي حين يرى الأول أن الشعوب حول العالم تستحق حياة أفضل، يعتبر الابن أن الناس هي ضحية ما تقوم به «أنظر حولي وأرى أن ما يحدث معهم هو ما يستحقونه. هم مسؤولون عنه».
فيلم جيد لولا أن العديد من المفردات تتكرر وبعضها يخلو من الجديد، والأهم تصرف الابن في مواجهة الكاميرا التي تعكس، أحياناً كثيرة، ارتباكه. عوض إعادة التصوير يُكمل المخرج عدواني الحديث. هذا مقبول مرة أو ثلاث مرات، لكن المسألة سريعاً ما تفضي إلى حالة تستدعي الحل.
الفيلم الثاني هو «حلال سينما» لأمين بوخريص. فيه نتعرف على إمام مسجد اسمه علي، يخطب في المصلين ويمضي باقي الوقت في مسعاه لإعادة افتتاح صالة سينما مغلقة منذ 25 سنة. دافعه هو أن السينما تستطيع التوجيه والإفادة والتعليم والتثقيف. لا يرى، وهو محق في ذلك، أي تناقض بين دوريه في الحياة، فالأول شفهي والثاني بصري عبر انتقاء مجموعة من الأفلام التي تدور حول قضايا إسلامية ومجتمعية. ذروة الفيلم هي حين ينجح علي في افتتاح الصالة وتشغيل الفيلم المختار كبداية (ليس «الرسالة» لمصطفى العقاد الذي دار الحديث عنه أكثر من مرة).

أزمة لبنان المستعصية
هذا أفضل الأفلام الثلاثة لأكثر من سبب من بينها الملامسة الطبيعية للموضوع ومنح الكاميرا الدور المناسب لمواكبة الحوارات بين الموافقين على هذه الفكرة والمعارضين لها. هذا الحوار يشمل كذلك ما إذا تعدى على دور الخطيب في المجتمع أم لا.
السينما وحالها كانت موضوع فيلم آخر جاء من المغرب هذه المرة. «قبل زحف الظلام» لعلي الصافي بحث في وثائق السبعينات ومآلات مخرجين سينمائيين غابوا.
الفيلم وثيقة تاريخية ذات رسالة. وفي 70 دقيقة يجري المخرج مقابلات نادرة مع ممثلين ومخرجين ويعرض وثائقيات عما حدث في الفترة الممتدة من 1971 إلى 1974 التي شهدت صدام السلطات مع المثقفين والسينمائيين. يتابع الفيلم الثري باختياراته من المشاهد الحية والتوثيقية والمقابلات، ما حل بسينمائيين من أمثال عبد العزيز طرق (قضى 11 سنة في السجن)، والمخرج الراحل مصطفى الدرقاوي مخرج «عن بعض أحداث بلا دلالة»، والممثلة ليلى شنا، لعبت دوراً مسانداً في فيلم «مونراكر» أمام روجر مور سنة 1979.
من لبنان حفنة من الأفلام التي تستدعي الانتباه، لكن الكثير منها لا يرتفع إلى المستوى المرغوب. «نَفَس» لرامي عيتاني يدور حول ذلك الرجل الذي يعيش في بيئة اجتماعية تمنعه عن النمو ونبذ العنف. هو ارتاح في بيئته، لكنه يدرك أن عليه أن يبدأ حياة جديدة لو يستطيع.
في «يوم بلا غد» يصل المخرج محمد سويد إلى بيروت ليطرح شكواه على عدد من المعارف. يبوح بأنه يعاني من الأرق. يطلب منهم سرد حكاية للنوم. يطلب ذلك خلال المقابلة كترميز للحالة. وفي الوقت ذاته يطرح أسئلة عن سبب هيامه بالممثلة سعاد حسني وأفلامها.
سليم صعب في «أرزة أكتوبر» ينطلق لتسجيل حركة الرفض الشعبي للفساد المنقطع النظير في لبنان من قِبل الطبقة الحاكمة في بلد تهيمن عليه سياسات شتى. خلال المظاهرات الفعلية التي اجتاحت العاصمة قبل عامين. هو فيلم صادق وبلا نيات خفية أو تحزبات. يعبر فيه المخرج عما يعرضه عبر المقابلات ورسوم الغرافيتي والموسيقى.
لعل أفضل فيلم لبناني مما شاهدناه حتى الآن هو «سحين أزرق» لزينة دكاش، الذي هو تكملة لما طرحته سنة 2013 عبر فيلمها الرائع «يوميات شهرزاد»، عندما أمّت سجن بعبدا للنساء وجالت في رحى حالاته. هنا هي في سجن مخصص لذوي الاضطرابات النفسية الذين ارتكبوا جرائم. فيلم جيد على أكثر من صعيد ويحتاج لوقفة منفصلة.
مهرجان «أيام قرطاجة السينمائية» حفلت بالأفلام التسجيلية في المسابقة وخارجها ومنها «كما أريد» لليليان الراهب (لبنان)، و«الرقص مع الرصاصة» لضياء جودة (العراق)، و«كابتن الزعتري» لعلي العربي (مصر)، و«فلسطين الصغرى» لعلي الخطيب (فلسطين)، وهي مجموعة أخرى مما يجب التوقف عنده لاحقاً.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».