المساعي قائمة لـ«تصويب» مسار التحقيق تفادياً لأزمة أمنية وسياسية

المساعي قائمة لـ«تصويب» مسار التحقيق تفادياً لأزمة أمنية وسياسية
TT

المساعي قائمة لـ«تصويب» مسار التحقيق تفادياً لأزمة أمنية وسياسية

المساعي قائمة لـ«تصويب» مسار التحقيق تفادياً لأزمة أمنية وسياسية

قال مصدر سياسي بارز إن هدوء العاصفة الدموية التي اجتاحت خطوط التماس على طول الطريق الفاصلة بين منطقتي الشياح وعين الرمانة لا يعني أن هذه العاصفة لا يمكن أن تهبّ مرة أخرى ما لم تتضافر الجهود لتطويق تداعياتها السلبية من خلال العودة إلى الاحتكام للدستور والتقيُّد بالقوانين للنأي بملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت عن التجاذبات الطائفية والمذهبية التي أحدثت انقساماً كاد يأخذ البلد إلى المجهول في ظل انحلال مؤسسات الدولة وإداراتها التي لم يبق منها سوى الجيش والقوى الأمنية التي تمكّنت من وأد الفتنة.
ولفت المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن درء الفتنة في بلد كلبنان يقف على شفير الهاوية يتطلب أولاً تحييد هذا التحقيق عن الصراعات المذهبية وتصفية الحسابات السياسية التي كانت وراء الانقسام الدموي بين فريق يطالب بتنحّي المحقق القاضي طارق البيطار وبين آخر يرفض تنحّيه، فيما تصاعدت ردود الفعل الدولية المؤيدة لاستمراره في التحقيق لتحديد الجهة المسؤولة عن الانفجار.
ورأى أن تصويب مسار التحقيق وتصحيح بعض الخلل الذي أصابه لن يكون باللجوء إلى العنف أو استخدام القوة وإنما بتأكيد الفصل بين السلطات وعدم التدخُّل في التحقيق سواء بتهديد القاضي البيطار أو بلجوء فريق إلى توظيفه لتسجيل نقاط على الآخر، ورأى أن هذا يستدعي تصحيح بعض الخلل وصولاً للإقرار بمبدأ التوازن في ادعاءات البيطار على عدد من المسؤولين وملاحقتهم لئلا يتذرّع الفريق المتضرّر من هذه الملاحقات بأنه اعتمد الانتقائية والاستنسابية في إصداره مذكرات التوقيف التي تعامل معها من ادّعى عليهم بأنها تدعوهم للارتياب المشروع.
وأكد المصدر نفسه أن المداولات التي جرت قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وأدت إلى تعليق جلساته بعد أن دفعت المناقشات بين الوزراء باتجاه انتقال خطوط التماس من الشارع إلى داخل الحكومة، كانت قد طرحت بعض المخارج على قاعدة التقيُّد بمبدأ الفصل بين السلطات وعدم التدخل في القضاء، كما نقل وزراء عن لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وتابع أن الوزراء المحسوبين على حركة «أمل» و«حزب الله» أصروا في الجلسة على كفّ يد القاضي البيطار وطالبوا بتنحّيه فوراً، وهذا ما تسبب باندلاع اشتباك سياسي سرعان ما انتقل إلى الشارع وتحوّل إلى عسكري في منطقة حساسة جداً كانت قد انطلقت منها شرارة الحرب الأهلية عام 1975.
وقال إن المداولات التي جرت في الجلسة تمحورت حول تكليف وزير العدل هنري خوري، بالتعاون مع رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بالتواصل مع البيطار في محاولة لإعادة تصويب مسار التحقيق وصولاً إلى تصحيح بعض الخلل الذي أصابه.
وأضاف المصدر نفسه أن تصويب المسار يمكن بتبيان الأسباب التي أمْلت على البيطار الادعاء على الوزير السابق النائب نهاد المشنوق من دون الاستماع إلى أقواله أسوةً بغيره من المدعى عليهم، إضافةً إلى حصره الادعاء بعدد من الوزراء السابقين وبرئيس الحكومة السابق حسان دياب بخلاف اللائحة التي كان قد أعدها سلفه القاضي فادي صوّان وأورد فيها أسماء عدد من المشتبه فيهم.
وأشار إلى مطالبة الوزراء الشيعة بتصويب مسار التحقيق بحيث يشمل وزراء العدل السابقين ووزراء آخرين شغلوا وزارات منذ تفريغ حمولة الباخرة من نيترات الأمونيوم إلى حين انفجارها، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية من سابقين وحاليين والقضاة الذين أفتوا بتفريغ حمولتها، وبالتالي سمحوا بتخزينها بدلاً من التخلص منها، ورأى أنه لا بد من مساءلة رئيس الجمهورية ميشال عون للوقوف على ما لديه من معطيات، خصوصاً أنه كان قد أُعلم بوجودها قبل أسابيع من انفجارها.
وتابع أن هناك ضرورة للاستماع إلى أقوال الرئيس عون بعد أن أحجم عن إعلام المجلس الأعلى للدفاع عن وجود هذه المواد في المرفأ بذريعة أن لا صلاحية له بالتدخل لطلب التخلص منها، فيما رأس أخيراً الاجتماع الطارئ للمجلس الذي استمر لدقائق وانتهى بعدم السماح للقاضي البيطار بملاحقة رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وفي هذا السياق، يسأل المصدر السياسي: كيف سمح عون لنفسه بإخضاع اللواء صليبا لإمرة المجلس الأعلى برئاسته مع أنه يتبع إدارياً ومالياً لرئاسة الحكومة ويخضع لإمرة رئيس مجلس الوزراء، خصوصاً أن دور المجلس الأعلى يبقى محصوراً في رفع التوصيات إلى مجلس الوزراء ولا يتمتع بصفة تنفيذية؟
كما يسأل: كيف أن هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل أفتت بإلحاق اللواء صليبا بمجلس الدفاع وأخضعته لسلطة رئيس الجمهورية ونائبه رئيس الحكومة، مع أنه لا صلاحية لعون تسمح له بالتدخل للتخلص من المواد المتفجّرة؟
وكشف المصدر أيضاً أن وزير العدل كان قد تنقل بين المقرات الرئاسية والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحمل اقتراحاً يقضي بأن تتشكل الهيئة الاتهامية العليا من 3 قضاة يتولون التواصل مع البيطار بهدف إعادة تصويب مسار التحقيق وإصلاح ما يعتريه من خلل في حال وجوده، لكن بري لم يأخذ به انطلاقاً من أنه لا يشكّل المخرج المناسب لأسباب عدة من بينها أن الاتفاق على تشكيل الهيئة برئاسة قاضٍ وتعيين عضوين فيها قد يراد منه تقطيع الوقت لتبريد الأجواء لفترة معينة من دون أن يؤدي إلى التجاوب مع ما يطالب به الوزراء الشيعة.
لذلك فإن بري وإن كان يتحفّظ على المخارج المطروحة لإخراج الخلاف حول المحقق العدلي من الشارع وإعادته كمادة خلافية توكل إلى المؤسسات المولجة بإيجاد حل للنزاع، فهو في المقابل لن يبدّل موقفه، ما يعني أن الحكومة مهددة بالانفجار من الداخل في حال تعذّر الوصول إلى «تسوية»، وهذا ينسحب على المجلس الأعلى للدفاع الذي بات يستحيل انعقاده رغم أن عون ألحّ على دعوته للاجتماع فور اندلاع الاشتباكات، ولم يستجب ميقاتي لرغبته تحسُّباً لمقاطعة شيعية له أو تفادياً لحصول صدام سياسي في حال شارك فيه المعنيون من الوزراء الشيعة، واستُعيض عنه بتوجه ميقاتي إلى غرفة عمليات الجيش اللبناني في وزارة الدفاع حيث تابع الوضع بحضور وزير الدفاع العميد موريس سليم، وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وعليه ورغم إيحاء رئيس الجمهورية بإمكان الوصول إلى حل فإنه لا يبدو أن الأجواء السياسية المحلية أو الدولية ناضجة في المدى المنظور لإنجاز تسوية تبقى مستحيلة إذا كان المطلوب من البيطار أن يتنحّى، إلا إذا اتخذ قراره بملء إرادته، وأخلى الساحة لقاضٍ، علماً بأن ميقاتي ليس في وارد طلب التنحي منه.
ويبقى السؤال: كيف سيتصرف ميقاتي إذا أُقفلت الأبواب أمام الوصول إلى مخرج يجنّب البلد الدخول مجدداً في أزمة مديدة، بعد أن انقسم حول ملف التحقيق إلى محورين؛ الأول يتمثل بحركة «أمل» و«حزب الله» من دون أن يذهب تيار «المردة» بقيادة سليمان فرنجية بعيداً في انضمامه إلى حليفيه في مواجهة مع آخر يتزعّمه فريق مسيحي على خصومة مع عون ووريثه السياسي جبران باسيل الذي تصرف منذ الوهلة الأولى لاندلاع الاشتباك الدموي وكأنه حُشر في الزاوية، كما برز في أول موقف له، وإن كان تياره السياسي سارع إلى تنظيم حملة ضد حزب «القوات اللبنانية» متهماً رئيسه سمير جعجع بأنه افتعل الاشتباكات لخلق المناخ المؤدي إلى تأجيل الانتخابات النيابية بذريعة أن استطلاعات الرأي التي أجراها سجّلت تراجعه في الشارع المسيحي؟



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.