حل ألغاز حركات التفاف والتواء ذنب العقرب

علماء رصدوا مفصلاً مميزاً داخله

عقرب الذيل السمين
عقرب الذيل السمين
TT

حل ألغاز حركات التفاف والتواء ذنب العقرب

عقرب الذيل السمين
عقرب الذيل السمين

تتحرك أجزاء ذيل العقرب بأشكال كثيرة، فتلتوي إلى الأعلى والأسفل وتلتف يميناً ويساراً، وتستطيع حتى الالتواء والالتفاف في وقتٍ واحد.

مفصل مميز
وقد أجرى العلماء أخيراً إعادة تشكيلٍ ثلاثية الأبعاد لهذا الجزء العنيف من جسم العقرب، ورصدوا مفصلاً مميزاً وغير مألوف في عالم الحيوان يتيح للذيل الالتواء والالتفاف. فصلت هذه الدراسة، التي نشرت في عدد الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي من دورية «رويال سوسايتي إنترفيس»، هيكلاً يألفه الكثير من علماء الأحياء المتخصصين بدراسة العقارب ولكن أحداً منهم لم يقدم توصيفاً رسمياً له. قالت أليس غونثر، خريجة جامعة روستوك، ألمانيا، وأحد المشاركين في الدراسة: «لم يبحث أحد في التركيبة التي تسمح لهذا السلاح القاتل بالتحرك بهذه الدقة». من جهتها، قالت لورين إيسبوسيتو، أمينة قسم علم الأنساب في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، والباحثة المشاركة في الدراسة: «تقوم هذه الدراسة بعملٍ رائع ببحثها في عمق تعقيدات شيء رأيناه جميعاً دون أن نحدد ماهيته». تعيش العقارب على الأرض منذ نحو 435 مليون عام وتتمتع بجزءٍ مرنٍ في جسمها يعرف باسم «ميتاسوما metasoma» (الجزء الخلفي). يشرح آري فان دير ميخدن، عالم أحياء في المركز البحثي للتنوع البيولوجي والمصادر الجينية في البرتغال الذي لم يشارك في الدراسة، أن الناس يرون هذا الجزء كذيل العقرب ولكنه في الواقع ليس ذيلاً حقيقياً لأنه لا يمتد بعد الشرج (بل إنه يشمل الشرج).

ذيل القتل والتزاوج
تستخدم العقارب هذا الجزء الذي نسميه الذيل في كل شيء مهم لأبناء جنسها كالقتل والتزاوج والحفر والتبرز والدفاع عن نفسها. تشرح إسبوسيتو أن بعض العقارب الشهوانية تنخرط في شعائر تزاوج تتطلب طَرْق وضرب ذيولها ببعضها، بينما يفرك بعضها الآخر طرفها السام بجسده لتوليد صريرٍ خشن يبعد الحيوانات المفترسة. وتلفت أيضاً إلى أن هذه الزواحف «تتمتع بمجموعة متنوعة من الحركات وبمرونة مذهلة».
ووافق فان دير ميخدن، إسبوسيتو في رأيها وقال: «إذا حاولتم مصارعة عقرب، وهو ما أفعله غالباً، فإنها تستطيع أن تلوي ذيلها كيفما تريد لتلسعكم في كل اتجاه».
تزداد غرابة هذا الذيل عندما نفكر أنه امتداد لجسم العقرب المجزأ. فعلى عكس ذيل الخنزير المجعد أو ذيل الراكون الفروي الذي يشبه أداة نفض الغبار، يحتوي ذيل العقرب على الأمعاء والحبل العصبي البطني الذي يلعب دور الحبل الشوكي البشري لدى اللافقاريات. عندما يعمد العقرب إلى لي وفتل ذيله، هذا يعني أنه أيضاً يحرك الفضلات الصلبة باتجاه الشرج ليتمكن من التبرز عبر الذيل.

نموذج تجسيمي للذيل
ترى إسبوسيتو أن الذيل «حل مبتكر لأجزاء الجسم المقيدة وحركاته»، معترفة في الوقت نفسه بأن لوجستيات التبرز لدى العقرب «غريبة نوعاً ما».
بعد تحديد المفصل المجهول في 16 نوعاً من العقارب، اختار الباحثون أنثى من نوع «ميسوبوثوس غيبوسوس»، عقرب عسلية اللون ببنية أقصر من قلم الرصاص. واستخدم الفريق البحثي التصوير المقطعي لمسح ذيل العقرب وجمعوا صور المسح المختلفة لإعادة تشكيل الذيل بالأبعاد الثلاثية. بعدها، استخدموا الطباعة الثلاثية الأبعاد لصناعة نسخ كبيرة الحجم من هذه الأجزاء لاختبار حركاتها المتنوعة في العالم الحقيقي.
يشبه ذيل العقرب أنبوباً يتألف من خمسة أقسامٍ على شكل براميل تحيط بالأمعاء. أظهرت إعادة التشكيل أن الأجزاء الأربعة الأولى تتصل ببعضها وتتصل بالجزء الأوسط من جسم العقرب بواسطة مفصلٍ لم يتنبه له العلماء سابقاً. تحتوي مؤخرة كل برميل على فتحة يستقر فيها الطرف الأمامي للجزء التالي ويصبح قادراً على الالتواء والالتفاف. تشبه غوثتر هذه التركيبة بالمفصل الكروي والتجويف. ولكن ذيل العقرب يضم الكرة فقط، أي الطرف الدائري للمفصل.
يتيح غياب التجويف لأجزاء الذيل الالتواء إلى الأعلى والأسفل والالتفاف يميناً ويساراً، بالإضافة إلى الالتواء والدوران في وقتٍ واحد. يلوي العقرب ذيله كما يلوي الإنسان إصبعه، على حد توصيف فان دير ميخدن، الذي شرح الأمر بلي إصبعه خلال اتصالٍ عبر تطبيق «زووم». وأضاف جافلاً أثناء محاولته إظهار كيف أن الإصبع البشري لا يستطيع الالتفاف، أن العقرب يستطيع أيضاً لف ذيله ليصبح كالسلسلة.
أطلق الباحثون على هذا الشكل المفصلي اسم «الزوج الدوار المنزلق» (sliding rolling pair) لأن الأجزاء تنزلق خلال الالتفاف وربما تلتف أثناء الالتواء.
ولكن فان دير ميخدن اعتبر أن السؤال الأساسي، أي ما إذا كانت المفاصل تنزلق بعكس الجزء المفصلي أو تتدحرج كالعجلة، بقي دون جوابٍ شافٍ. وشرح: «إذا تدحرجتم، ستتغير وضعية المفصل. ولكن الانزلاق سيكون له تأثيرٌ أكبر على المفصل»، لافتاً إلى أن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة وممكنة إذا صوّر الباحثون فيديو قريباً لعقربٍ حي.
أظهرت الدراسة أيضاً أن الجزء الأخير، أي الخامس من ذيل العقرب، أقرب من باقي الأجزاء، ويمكنه أن يلتوي فقط دون التفاف. ولكن الباحثين شرحوا أن الأجزاء المتبقية من الذيل بارعة جداً في الالتواء والالتفاف إلى درجة تنفي الحاجة إلى التواء الجزء الخامس.
وأخيراً، تحتضن الطبيعة أكثر من ألفي نوع من العقارب تملك أنواعاً مختلفة من الذيول. فبعضها، كعقرب الصخرة المسطح flat rock scorpion يملك ذيلاً طويلاً ورفيعاً معكرونة «زيتي»، بينما تملك أخرى كعقرب الذيل السمين fattail scorpion الكثير من الدهون في جذعها... إلا أن جميعها تتمتع بحيل الالتواء والالتفاف نفسها.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»