نصوص أسامة أنور عكاشة «القديمة» تُعيد اسمه إلى الأضواء

تحويل 5 منها إلى أفلام سينمائية

TT

نصوص أسامة أنور عكاشة «القديمة» تُعيد اسمه إلى الأضواء

رغم غياب اسمه عن الأعمال الفنية الجديدة في مصر لمدة تقارب 8 سنوات بعد رحيله في عام 2010، فإن الإعلان عن تجهيز نصوص 5 أفلام سينمائية له لطرحها خلال الفترة المقبلة، أعاد اسم الكاتب المصري الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة (1941: 2010) للأضواء مجدداً، في وقت تعيد فيه القنوات المصرية عرض أعماله التلفزيونية الشهيرة.
يأتي في مقدمة تلك الأعمال التي بدأ تصويرها أخيراً الفيلم السينمائي الجديد «الباب الأخضر»، الذي سيكون أول أعمال الكاتب الراحل التي سوف تطرح للجمهور بعد غياب دام نحو 8 سنوات منذ طرح مسلسل «موجة حارة» (آخر عمل درامي عُرض له على الشاشة)، والمأخوذ عن قصته الشهيرة «منخفض الهند الموسمي».
«الباب الأخضر» الذي يجري تصويره حالياً، من إنتاج شركة «كودكس برودكشن»، ومن بطولة الفنان الأردني إياد نصار، وخالد الصاوي، وسهر الصايغ، ومحمود عبد المغني، وعابد عناني، وإسلام حافظ، ونسمة عطا الله (ملكة جمال مصر 2020)، ومن إخراج رؤوف عبد العزيز، وتدور أحداثه حول تمسك الإنسان المصري بالمبادئ والأخلاق تحت أي ظروف.
وكشفت الإعلامية نسرين أسامة ابنة الكاتب الراحل كواليس خروج قصة «الباب الأخضر» للنور، قائلة لـ«الشرق الأوسط»، «أقوم أنا وأشقائي في كل فترة بالبحث والتنقيب في ورق والدي، ومنذ فترة وجدنا قصة فيلم (الباب الأخضر)، وتحدثت عنها إعلامية مصرية خلال إحدى الحلقات التي استمع لها المخرج رؤوف عبد العزيز، وهاتفني من أجل قراءتها وعقب ذلك طلب مني تصويرها كعمل سينمائي، وبعد توقيع الاتفاق فضلت عدم التدخل في كل تفاصيل العمل، لترك الحرية كاملة للمخرج».
وتؤمن نسرين بضرورة مراعاة تطورات الزمن الحالي واختلافه عن الزمن الذي عاش فيه والدها، مشيرة إلى أنها «فعلت مثلما كان يفعل والدها بعد التعاقد على أي عمل فني، فعندما كان يسمع بعض الترشيحات وتكون لديه ملاحظات عليها، كان يتدخل بهدوء ويشرح وجهة نظره ويترك حرية الاختيار في النهاية للمخرج»، مضيفة: «المخرج رؤوف عبد العزيز كان يستمع دائماً لوجهة نظري، وأصر على وجودي بموقع التصوير».
وعن إمكانية قيام المخرج بإجراء تعديلات على نص أسامة أنور عكاشة، الذي كان يعرف بالوسط الفني بعدم سماحه لأي شخص بالتعديل على كتاباته، تقول نسرين عكاشة: «قبل الاتفاق النهائي على تصوير الفيلم، طلبت من المخرج والشركة المنتجة عدم تعديل النص المكتوب، مع إمكانية تعديل زمن العمل أو الأدوات المستخدمة في القصة، لكن المخرج المبدع رؤوف عبد العزيز حسم هذا الأمر، بالتأكيد على عدم إجراء تعديلات بورق والدي».
وبينما تكشف نسرين عن وجود أعمال كثيرة لوالدها لم تر النور بعد، فإنها غير قادرة على تحديد موعد ظهورها، قائلة: «ليست لدينا خطة زمنية لخروج أعمال والدي للنور، لأن والدي لم يكن مهتماً بالوجود من أجل الوجود، ولكنه كان يقدم أعمالاً جيدة تليق باسمه».
وتشير إلى قرب ظهور 4 أعمال أخرى لوالدها خلال الفترة المقبلة، في مقدمتها فيلم «الإسكندراني»: «هو عمل يعشقه والدي، وكان يمني نفسه بأن يراه على الشاشة قبل وفاته»، أما بقية الأفلام التي من المنتظر ظهورها قريباً فهي «قلب الفيل» و«سالمة يا سلامة»، و«في عين الشمس»، كما يوجد كذلك بعض المسلسلات غير المكتملة.
أسامة أنور عكاشة هو أحد أهم الكتاب الروائيين في مصر والوطن العربي، وتعد أعماله التلفزيونية الدرامية من أبرز الأعمال الدرامية نجاحاً على غرار «ليالي الحلمية» و«أرابيسك» و«زيزينيا» و«الشهد والدموع» و«النوة» و«رحلة أبو العلا البشري».
بدورها أعربت الفنانة سهر الصايغ، عن سعادتها البالغة لتقديمها دور البطولة النسائية في فيلم «الباب الأخضر»، قائلة لـ«الشرق الأوسط»، «سعادتي كانت لا توصف عندما هاتفني المخرج رؤوف عبد العزيز، ورشحني للمشاركة في العمل، فالظهور في عمل من تأليف أسامة أنور عكاشة هو حلم من أحلام طفولتي، وكنت أتمنى أن يتحقق هذا الحلم بوجوده معنا».
وعن شخصيتها في العمل، تقول «السرية تفرض علينا عدم التحدث كثيراً عن تفاصيل أدوارنا بالفيلم، ولكن ما يمكنني التصريح به هو أن شخصيات الفيلم مصرية خالصة، كعادة أعمال أسامة أنور عكاشة الذي يعد أكثر المصريين اهتماماً بالهوية الوطنية، وإبرازها بصورة جيدة، فالعمل عبارة عن تلخيص لحياتنا كمصريين في كافة جوانب الحياة».
وتشير إلى أن «بروفات العمل كانت رائعة للغاية لمشاركتها مجموعة مميزة من الممثلين أمثال إياد نصار وخالد الصاوي»، وتضيف: «أشكر المخرج رؤوف عبد العزيز على دوره في لم شمل الجميع خلال التصوير، فأنا سعدت للغاية بالتعاون معه في مسلسل (الطاووس) الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، وأبرز ما يميزه هو شعوره الدائم بالفنان الذي يقف أمامه، ربما يعود الفضل في ذلك لعمله أيضاً كمدير تصوير بجانب الإخراج».
من جهته، كشف المخرج رؤوف عبد العزيز، عن تحقيق حلم من أحلامه حياته بالقيام بإخراج عمل درامي مأخوذ عن قصة للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، مقدماً الشكر لابنته نسرين على مساهمتها في خروج العمل للنور، قائلاً «منذ اقتحامي عالم الدراما، وأنا أحلم بتحويل رواية للكاتب الراحل لعمل درامي، ودائماً كنت أخشى من هذه الخطوة، إلى أن تواصلت مع صديقتي نسرين ابنة الكاتب الراحل وحصلت على نص فيلم (الباب الأخضر)».
وعن الصعوبات التي واجهها في النص والتعديلات التي حاول أن يجريها على العمل، قال «أنا مدرك للغاية شخصية الكاتب الراحل، وأعلم جيداً أن ورقه مهم، ولم يكن يسمح لأي شخص مهما كانت مكانته بالتعديل بنصوصه، ولكن أجمل ما في ورق (الباب الأخضر) هو أن أسامة أنور عكاشة نفسه قام بتعديله مرتين قبل وفاته، لذلك ليس لدي أنا كمخرج أي تعديلات أجريها على العمل، دوري الوحيد هو تقديم رؤيتي الإخراجية والشكل البصري الخاص للفيلم».


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)