جايمي لي كيرتس: «هالووين» وضعني ضمن قالب أفلام الرعب... ولم أندم

الممثلة الأميركية جايمي لي كيرتس
الممثلة الأميركية جايمي لي كيرتس
TT

جايمي لي كيرتس: «هالووين» وضعني ضمن قالب أفلام الرعب... ولم أندم

الممثلة الأميركية جايمي لي كيرتس
الممثلة الأميركية جايمي لي كيرتس

حفل مهرجان فينيسيا في هذه الدورة بالمناسبات والاحتفاءات المهمّة والدالة: من تخصيص يوم للمشاركة في أحداث أفغانستان، عبر إقامة ندوة عن الوضع وانعكاساته على الثقافة عموماً والفن على وجه التحديد، إلى منح المخرج البريطاني الأصل ريدلي سكوت جائزة خاصّة عن جل أعماله. ومن الاحتفاء بالموسيقار الإيطالي إنيو موريكوني إلى توزيع جوائز تشجيعية على شكل منح لمخرجين جدد يبحثون عن تأمين تمويل أفلامهم.
واحدة من هذه المناسبات المهمّة، كانت الاحتفاء بالممثلة الأميركية جايمي - لي كيرتس المولودة قبل 62 سنة في لوس أنجليس كبذرة حب بين والدتها الممثلة جانيت لي (بطلة «سايكو» وأفلام أخرى) والممثل توني كيرتس («البعض يفضلها ساخنة»، «رائحة النجاح الحلوة»... إلخ.
كثيرون من الممثلين والممثلات بدأوا التمثيل في نطاق سينما الرعب، لكن جايمي لي كيرتس لم تبدأ فقط بفيلم رعب، بل بقيت مخلصة للنوع أكثر مما فعل الآخرون، خصوصاً أنّ الفيلم الذي دخلت به السينما ليس مجرد فيلم رعب، بل فيلم رعب ناجح نتجت عنه سلسلة من أكثر مسلسلات الرعب نجاحاً. الفيلم كان «هالووين» إخراج جون كاربنتر وإنتاج الراحل مصطفى العقاد.
الآن في عقر أهم مهرجان لسينما الفن يُعرض جزء جديد من السلسلة بعنوان Halloween Kills والمنتج هو مالك عقاد، ابن المخرج الراحل.
السؤال الأول في هذه المقابلة كان منها هي:
- ألست أنت الصحافي الذي قابلته عندما كنا نصوّر Halloween H20‪:‬20 Years Later؟
> لديك ذاكرة قوية.
- ليس تماماً. لفت انتباهي اسمك وسألت عنك ثم تذكرت أنك أخبرتني أنك صديق لمصطفى العقاد.
> كل ذلك صحيح. ما زلت أحتفظ بصورة التقطت لنا معاً.
- إنها حياة غريبة الأطوار. أقصد بمن تلتقي، ولكم من الوقت، ومن الذين يمرون أمامك سريعاً، ومن يبقى في الذاكرة. كلما سمعت بكلمة «هالووين» تذكّرت «مستر عقاد».
> ما الذي دفعك لقبول الظهور في «هالووين» الأول؟
- لم يكن هناك أي دافع خاص. عُرض علي الدور وقبلت به وكان عمري آنذاك 17 سنة. ربما لو كنت محاطة بعدّة عروض لتبنّيت دافعاً أفضل للحديث عنه.
> اختارك المخرج كاربنتر كتحية للأستاذ ألفرد هيتشكوك الذي أعطى والدتك جانيت لي دور بطولة لا يُنسى في «سايكو». صحيح؟
- نعم صحيح. لكن كاربنتر كان رغب في ممثلة أخرى، لا أذكر من هي الآن، قبل أن يفكّر بي. كنت متوترة في يوم التصوير، وأن المخرج أو أحد مساعديه سيتصل بي ليطلب مني ألا أعود إلى التصوير في اليوم التالي.
> إذن لم يكن هناك دافع للفيلم الأول، ماذا عن بقية الأجزاء، لماذا رغبت البقاء في إطار هذه الأفلام رغم أنك كنت تستطيعين آنذاك الاعتذار أو الرفض… أو هكذا أعتقد.
- الحقيقة هي أنّ «هالووين» وضعني في قالب الممثلة التي تحب تمثيل أدوار المرأة التي في خطر. لم يُعرض علي أي فيلم خارج سينما الرعب لعدة سنوات. كذلك اعتقدت أنّ الأفضل هو مواكبة أفلام السلسلة، ولهذا السبب أعود في «هالووين يقتل» هذا العام. كما قلت وضعني في قالب لكني لم أندم على ذلك مطلقاً.
> هناك نيّة في هذا الفيلم الأخير والجزء الذي تم إنتاجه أربع سنوات بأن يجعلك امرأة قوية وقد تأتي نهاية الشرير مايرز على يديها. أتساءل هنا عما سيقع في الجزء اللاحق. أعتقد سيكون آخر الأجزاء كما قيل لي.
- نعم هناك مقاليد مختلفة في الجزأين الأخيرين. شخصية ليندا التي أمثلها لم تعد ضحية محتملة، بل شخصية تدرك أنّ عليها مواجهة القاتل المقنّع، لو لم تكن ليندا قوية منذ أن كانت مراهقة في السابعة عشر من عمرها لما بقيت حية. لكنّ هذا ليس سوى جزء من اللوحة الكبيرة. كل الأفلام السابقة من هالووين لم تنجح في قتل مايرز، لماذا سينجح هذا الفيلم؟
> هل لعبت حقيقة أنك ابنة نجمين سينمائيين دوراً في دفع مهنتك للأمام؟
- بصراحة كانت هناك مرّات ولن أذكر الأسماء التي عرفت لاحقاً أنّ ترشيحي للدور جاء بسبب نجومية والدتي. كان ذلك في مرحلة مبكرة من حياتي المهنية. لكنّي وبكل تأكيد أقول لك إنني لم أسع للاستفادة من نجومية والدي ووالدتي. كنت أريد من البداية أن أقف على قدمي وقررت أني لن أستخدم في سبيل ذلك أي أداة أو وسيلة أخرى.
> لديك فيلم جديد ربما انتهى تصويره بعنوان «بوردرلاندز». معك في الفيلم جاك بلاك وكيت بلانشيت. ما تستطيعين قوله حول هذا الفيلم؟
- لا أعرف إذا كنت سأجيد تلخيصه. هو نوع من الأفلام التي تولد في فورم ألعاب الفيديو وحين أخبرني وكيل أعمالي بأنه تسلم سيناريو الفيلم وافقت على أن يرسله لي لمجرد الفضول أو المعرفة. حين قرأت السيناريو تبدّلت النظرة. كلياً.
> أخيراً، وبالعودة إلى «هالووين يقتل» هل تعتقدين أنّه سيحقق نجاحاً كبيراً كشأن الأفلام الأولى من السلسلة؟
- كلنا نتمنى ذلك وأعتقد أنّ هذا ما سيحدث. «هالووين» بات كياناً لهواة الرعب يجمع الجدد منهم مع الذين واكبوه منذ عقود. يجمع بين الأجيال وأنا دوماً سعيدة بحضوري هذا المسلسل.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)